هو الصحابي الجليل طلحة بن عبيد الله بن عثمان بن عمرو التيمي رضي الله عنه، أحد العشرة المشهود لهم بالجنَّة، كان يُعرف بطلحة الخير، وطلحة الفيَّاض، له عِدَّة أحاديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
وهو من السَّابقين الأوَّلين إلى الإسلام، دعاه أبو بكر الصديق رضي الله عنه إلى الإسلام، فأخذه ودخل به على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فلما أسلم هو وأبو بكر، أخذهما نوفل بن خويلد بن العدوية فقرنهما في حبل واحدٍ حين بلغه إسلامُهُما، فلذلك كان أبو بكر وطلحة يسميان "القرينين".
ولما أسلم طلحة والزبير رضي الله عنهما آخى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بينهما بمكة قبل الهجرة، فلما هاجر المسلمون إلى المدينة آخى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بين طلحة وبين أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه.
واتُّفق أنه غاب عن وقعة بدر في تجارة له بالشام، وتألَّم لغيبته، فضرب له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بسهمه، وأجره.
وكان له موقف مشهود ينُمُّ عن إيثاره الشديد وافتدائه لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والتضحية من أجله، فكانت يده شلَّاء بسبب وقايته لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم أُحُد بها.
وقيل في ذلك:
وطلحةُ يوم الشِّعْبِ آسَى محمدًا *** لدى ساعة ضاقت عليه وسُدَّتِ
وَقَاهُ بِكَفَّيْهِ الرماحَ فقُطِّعَتْ *** أصابعُه تحت الرماح فَشُلَّتِ
وكان إمامَ الناسِ بعد محمَّدٍ *** أقَرَّ رَحا الإسلامِ حتى استقرَّتِ
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى شَهِيدٍ يَمْشِي عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ فَلْيَنْظُرْ إِلَى طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ» رواه الترمذي.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان على حِراء هُو، وأبو بكر، وعمر، وعثمان، وعليٌّ، وطلحة، والزبير رضي الله عنهم، فتحرَّكت الصَّخرة، فقال رسول الله: «اهْدَأْ، فَمَا عَلَيْكَ إِلَّا نَبِيٌّ، أَوْ صِدِّيقٌ، أَوْ شَهِيدٌ» رواه مسلم.
وكان طلحة أحد أصحاب الشورى الذين استخلفهم عمر رضي الله عنه عند وفاته لاختيار خليفة له.
واشتهر سيدنا طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه بسخائه الشديد؛ فكان يؤرِّقه وجود المال بين يديه دون أن ينفع به المسلمين، فعن قبيصة بن جابر رضي الله عنه، قال: "صحبت طلحة، فما رأيت أعطى لجزيل مال من غير مسألة منه".
ورُوي أنه أتاه مال من حضرموت بلغ سبعمائة ألف، فبات ليلته يتململ.
فقالت له زوجته: ما لك؟
فقال: تفكرت منذ الليلة، فقلت: ما ظن رجل بربه يبيت وهذا المال في بيته؟
قالت: فأين أنت عن بعض أخلائك؟ فإذا أصبحت، فادع بجفان وقصاع، فقسِّمْه.
فقال لها: رحمك الله، إنك موفقة بنت موفق.
فلما أصبح، دعا بِجِفانٍ، فقسمها بين المهاجرين والأنصار، فبعث إلى علي منها بجفنة.
فقالت له زوجته: أبا محمد! أما كان لنا في هذا المال من نصيب؟
قال: فأين كنت منذ اليوم؟ فشأنك بما بقي.
قالت: فكانت صرة فيها نحو ألف درهم.
وكان لا يَدَعُ أحدًا من بني تيم عائلًا إلا كَفاه، وقضى دينه، ولقد كان يرسل إلى عائشة رضي الله عنه إذا جاءت غلته كل سنة بعشرة آلاف.
وكان قتله في سنة ست وثلاثين، وهو ابن ثنتين وستين سنة أو نحوها، في موقعة الجمل، وقبره بظاهر البصرة.
ورُوي أن عليًّا رضي الله عنه انتهى إلى طلحة وقد مات، فنزل عن دابَّته، وأجلسه، ومسح الغبار عن وجهه ولحيته، وهو يترحَّم عليه، وقال: "ليتني مِتُّ قبل هذا اليوم بعشرين سنة".
وعن جدته سُعْدَى بنت عوف رضي الله عنها، قالت: قتل طلحة وفي يد خازنه ألف ألف درهم، ومئتا ألف درهم، وقومت أصوله وعقاره بثلاثين ألف ألف درهم.
له في "مسند بقي بن مخلد" بالمكرَّر: ثمانية وثلاثون حديثًا.
له حديثان متفق عليهما، وانفرد له البخاري بحديثين، ومسلم بثلاثة أحاديث.
حَدَّثَ عنه: بنوه يحيى وموسى وعيسى، والسائب بن يزيد، ومالك بن أوس بن الحدثان، وأبو عثمان النهدي، وقيس بن أبي حازم، ومالك بن أبي عامر الأصبحي، والأحنف بن قيس التميمي، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وآخرون رضي الله عنهم.
ولطلحة أولادٌ نُجباء، أفضلهم: محمد السجاد، كان شابًّا، خيَرًّا، عابدًا، قانتًا لله.
وُلِدَ في حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وقُتِلَ يوم الجمل أيضًا، فحزن عليه سيدنا علي وقال: "صرعه بِرُّهُ بأبيه".
المصادر:
- "سير أعلام النبلاء" للإمام الذهبي (1/ 23، وما بعدها).
- "أسد الغابة في معرفة الصحابة" للإمام ابن الأثير (2/ 467، وما بعدها).