حكم من نذر ولا يستطيع الوفاء بالنذر

تاريخ الفتوى: 21 أغسطس 2007 م
رقم الفتوى: 721
التصنيف: النذور
حكم من نذر ولا يستطيع الوفاء بالنذر

ما حكم من نذر ولا يستطيع الوفاء بالنذر؟ حيث وقع السائل في مشكلة ونذر لله تعالى إن هو نجَّاه منها أن يصوم شهر رجب طول عمره، وظل يصوم هذا الشهر لمدة تسع سنين متصلة، والآن قد تقدمت به السن ويخشى ألَّا يستطيع الوفاء بنذره فيما بعد، فماذا يفعل؟

الواجب على السائل الوفاء بالنذر ما دام مستطيعًا، فإن لم يستطع الوفاء به ولو بتفريق أيام الصيام فعليه فدية إطعام مسكينٍ عن كل يومٍ ترك صومَه إن كان مُوسِرًا، فإن عسر عليه ذلك فيمكنه الخروج من هذا النذر بكفارة يمين واحدة؛ أخذًا بقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «ومَن نَذَرَ نَذرًا لا يُطِيقُه فكَفَّارَتُه كَفَّارةُ يَمِينٍ» رواه أبو داود، فإن عَسُر عليه ذلك أيضًا فلا شيء عليه على رأي المالكية الذين يقولون بسقوط النذر عند العجز الذي لا يُرجى زوالُه دون كفارة ولا فدية.

المحتويات 

 

حكم النذر

الأصل أن نذر الطاعة منعقدٌ وأنه يجب الوفاء به على الوجه الذي أتى به صاحبه، وهو كل قُربة يوجبها المكلَّف على نفسه لا تكون واجبةً ابتداءً؛ لقوله تعالى: ﴿وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ﴾ [الحج: 29]، وقوله سبحانه: ﴿يُوفُونَ بِالنَّذْرِ﴾ [الإنسان: 7]، ولقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «مَن نَذَرَ أَن يُطِيعَ اللهَ فليُطِعه، ومَن نَذَرَ أَن يَعصِيَه فلا يَعصِه» رواه الإمام البخاري وغيره من حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها. هذا، مع أن النذر في الأصل مكروه كما هو مذهب أكثر الشافعية والمالكية والحنابلة؛ لحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: نَهى النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم عن النَّذرِ، وقال: «إنَّه لا يَرُدُّ شَيئًا، وإنَّما يُستَخرَجُ به مِن البَخِيلِ» متفق عليه، إلا أنه يجب الوفاء به إذا كان نذر طاعة، قال الإمام الخطَّابي في "أَعلام السُّنَن": [هذا بابٌ من العلمِ غريبٌ؛ وهو أن يُنهى عن فعل شيء، حتى إذا فُعِلَ كان واجبًا] اهـ.

والمحققون يحملون الكراهة في الحديث على نذر المجازاة، وهو التزام قُربة في مقابلة حصول نعمة أو اندفاع بلية؛ كأن يقول: لله عليَّ إن شُفِيَ مريضي أن أتصدق بكذا، ووجه الكراهة، كما قال القرطبي في "المُفهِم": [أنه لَمَّا أوقف فعل القُربة المذكورة على حصول الغرض المذكور ظهر أنه لم يتمَحَّض له نيةُ التقرب إلى الله تعالى بما صدر منه، بل سلك فيها مسلك المعاوضة، ويوضحه أنه لو لم يُشفَ مريضُه لم يتصدق بما علَّقه على شفائه، وهذه حالة البخيل؛ فإنه لا يُخرِج من ماله شيئًا إلا بعوض عاجل يزيد على ما أخرجه غالبًا، وهذا المعنى هو المُشار إليه بقوله: «وإنَّما يُستَخرَجُ به مِن البَخِيلِ»] اهـ.

وكذلك الحكم فيمن ظن أن للنذر تأثيرًا كما أشار إليه الحديث أو فيمن غلب على ظنه أنه لا يقوم بما التزمه. أمَّا نذر التبرُّر المطلق أو نذر الابتداء فليس مكروهًا، بل هو قُربة محضة؛ لأن للناذر فيه غرضًا صحيحًا كما قال القاضي حسين من الشافعية، وهو أن يُثاب عليه ثوابَ الواجب، وهو فوق ثواب التطوع.

وقد أخرج الطبري بسند صحيح، كما قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري": [عن قتادة في قوله تعالى: ﴿يُوفُونَ بِالنَّذْرِ﴾ [الإنسان: 7]، قال: كانُوا يَنذرونَ طاعةَ اللهِ مِن الصلاة والصيام والزكاة والحج والعمرة وما افتَرَضَ عليهم، فسَمَّاهم اللهُ أَبرارًا، قال الحافظ: وهذا صريح في أن الثناء وقع في غير نذر المجازاة] اهـ.

وعند المالكية أن نذر المكرَّر مكروهٌ، كمن نذر صوم كل يوم خميس أو كل شهر رجب؛ وذلك لثِقَله عند فعله وخوف التفريط في وفائه.

حكم من نذر صوم وقت معيَّن ولا يستطيع الوفاء به

إذا تقرر ذلك فللفقهاء مسلكان فيمن نذر صوم وقتٍ معيَّن: هل يتعين بتعيينه أم لا؟ فعند الحنفية أنه لا يتعين بالتعيين، بل يُجزِئه أن يصوم يومًا عن آخَر وشهرًا عن آخَر، قال العلامة الشرنبلالي الحنفي في "مراقي الفلاح": [وألغينا تعيينَ الزمان وتعيين المكان وتعيين الدرهم وتعيين الفقير؛ لأن النذر إيجاب الفعل في الذمة من حيث هو قربة لا باعتبار وقوعه في زمان ومكان وفقير، وتعيينُه للتقدير به أو التأجيل إليه، فيجزئه صوم شهر رجب عن نذره صوم شعبان؛ لوجود السبب، وهو النذر والقربة لقهر النفس، لا بوقوعه في شهر بعينه، وفي تعجيله نفع له بتحصيل ثواب قد يفوت بموته أو طروء مانع قبل مجيء الوقت، وإن كان بإضافته قصد التخفيف حتى لو مات قبل مجيء ذلك الوقت لا يلزمه شيء فأعطيناه مقصوده] اهـ.

والصحيح عند الشافعية أنه يلزمه الوفاء بهذا النذر على الوجه الذي نذره أبدًا؛ بناءً على أن الوقت المعين للصوم يتعين، ويقع الصوم متتابعًا؛ لتعيُّن أيام الشهر، وليس التتابع مستحَقًّا في نفسه، فلو أفطر من هذا الشهر يومًا لا يلزمه الاستئناف، ولا يلزمه التتابع في قضائه كما في قضاء رمضان؛ بناءً على أن الواجب بالنذر لا يزيد على الواجب بالشرع.

وعند الحنابلة أنه يتعين كذلك بالتعيين؛ فيلزمه صيامه كما نذره، لكنه إن أفطر قضى عندهم متتابعًا، فالقضاء عندهم كالأداء؛ كما وجب متتابعًا فإنه يُقضى متتابعًا، فإذا عجز عن أدائه عجزًا لا يُرجى زوالُه لكِبَرٍ أو مرضٍ لا يُرجى بُرؤُه فقد اختلفوا: هل تجب عليه الفديةُ عن كل يوم يفطره، أو الكفارةُ ليَخرُجَ من النذر، أو أنه لا شيء عليه أصلًا؛ وذلك بناءً على أنه هل يُسلك بالنذر مَسلَك واجب الشرع أم جائزه؟

فالجمهور من الحنفية والشافعية وهو المذهب عند الحنابلة يوجبون عليه الفدية -وهي إطعام مسكين عن كل يوم- كما هو الحال فيمن عجز عن صيام شهر رمضان، ويزيد الحنابلة عليه كفارة يمين؛ مستدلين بقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «كَفَّارةُ النَّذرِ كَفَّارةُ اليَمِينِ» رواه مسلم من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه، وبحديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَن نَذَرَ نَذرًا لم يُسَمِّه فكَفَّارَتُه كَفَّارةُ يَمِينٍ، ومَن نَذَرَ نَذرًا في مَعصِيةٍ فكَفَّارَتُه كَفَّارةُ يَمِينٍ، ومَن نَذَرَ نَذرًا لا يُطِيقُه فكَفَّارَتُه كَفَّارةُ يَمِينٍ» رواه أبو داود، قال الحافظ ابن حجر في "بلوغ المرام": وإسناده صحيح؛ إلا أن الحُفَّاظ رَجَّحُوا وَقفَه. اهـ.

وعلى الرواية الأخرى عند الحنابلة لا يلزمه إلا الكفارة؛ لأن موجَبَ النذر موجَبُ اليمين.

والشافعية لا يوجبون الكفارة إلا في نذر اللَّجاج والغضب، ومِن العلماء مَن يجعل الكفارةَ في النذر المطلَق أو نذر المعصية فقط.

أما المالكية فيُسقِطون عنه وجوبَ أداء النذر عند العجز الذي لا يُرجى زوالُه، ولا يُلزمونه بكفارة ولا فدية. هذا، وقد حكى الإمام النووي في "شرح مسلم" عند كلامه على حديث «كَفَّارةُ النَّذرِ كَفَّارةُ اليَمِينِ» مذاهب العلماء في كفارة النذر فقال: [اختَلَفَ العُلَماء في المُراد به؛ فحَمَلَه جُمهُور أَصحابنا على نَذر اللَّجاج، وهو أَن يَقُول إنسانٌ يُرِيد الامتِناع مِن كَلام زَيد مَثَلًا: إن كَلَّمتُ زَيدًا -مَثَلًا- فللَّه عليَّ حَجَّة، أَو غَيرها، فيُكَلِّمه، فهو بالخِيارِ بين كَفَّارة يَمِين وبين ما التَزَمَه، هذا هو الصَّحِيح في مَذهَبنا، وحَمَلَه مالِك وكَثِيرُونَ -أو الأَكثَرُونَ- على النَّذر المُطلَق، كقَوله: عليَّ نذر، وحَمَلَه أَحمَد وبَعض أَصحابنا على نَذر المَعصِية، كمَن نَذَرَ أن يَشرَب الخَمر، وحَمَلَه جَماعة مِن فقهاء أَصحاب الحَدِيث على جَمِيع أَنواع النَّذر، وقالُوا: هو مُخَيَّر في جَمِيع النُّذُورات بين الوَفاء بما التَزَمَ، وبين كَفَّارة يَمِين] اهـ.

وإن الناظر في خلاف مجتهدي المذاهب في هذا النوع الشاق من النذر لَيلحظ الرحمةَ التي تقرر أنها تَصحب اختلافَ الفقهاء وتَستَبطِن افتراقَ المجتهدين؛ فإنهم كرهوا هذا النوع من النذر أصلًا -من جهة تعليقه، ومن جهة تكراره كما سبق- لما فيه من المشقة على المكلف؛ فمنهم مَن خيَّره بين الوفاء بما التزمه وبين كفارة يمين، وهم بعض فقهاء أصحاب الحديث، والجمهور أوجب عليه الوفاء بالنذر، ثم منهم مَن وسَّع عليه في أدائه -وهم الحنفية- فأجازوا له أداءه في غير وقته المعيَّن؛ بناءً على أنه لا يتعين بالتعيين، فإذا لم يَصُم وأراد القضاء فالشافعية ومن وافقهم يجيزون له التفريق في قضاء ما أفطره كقضاء رمضان، فإن لم يستطع الصوم أداءً ولا قضاءً فالجمهور يوجبون عليه فديةً إطعامَ مسكينٍ عن كل يوم، والحنابلة في رواية لا يُلزِمونه إلا بالكفارة، والمالكية لا يوجبون عليه شيئًا لا فديةً ولا كفارةً.

الخلاصة

بناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فإذا لم تستطع الوفاء بنذرك ولو بالتفريق في الأداء أو القضاء فعليك أن تُخرِج فديةً إطعامَ مسكينٍ عن كل يومٍ تركتَ صومَه إن كنتَ مُوسِرًا، فإن عَسُر عليك ذلك فيمكنك أن تَخرُجَ مِن نذرك هذا بكفارة يمين؛ أخذًا بإحدى الروايتين عند الحنابلة وبعض فقهاء أصحاب الحديث، فإن عَسُر عليك ذلك أيضًا فقلِّدِ المالكية ولا شيء عليك.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

ما حكم نذر شيء لإطعام أهل المسجد؟ وما حكم من نَذَرَ الأضحية هل يلزمه الوفاء بها؟ وما حكم انتفاع الأغنياءِ بالأكل من هذا النذر؟ فقد نذر رجل قائلًا: لو صحَّ ابني من المرض فسأطعم المصلين الحاضرين في يوم الجمعة في هذا المسجد. فهل يجوز للأغنياء أن يأكلوا من هذا الطعام؟ أو نَذَر: لو صحَّ ابني من المرض فسأضحي الغنم في يوم عيد الأضحى. فهل يجوز للأغنياء أن يأكلوا من هذا اللحم؟ أريد الجواب على مذهب الحنفية.

 

 

 


ما حكم النذر إذا تم بغير قبض المنذور؟ فقد توفي رجلٌ عن ثلاث بنات وله مال، فنذر لبنتٍ منهنَّ بجميع المال الذي في جهة إقامتها سواء كان له بطريق الإرث من مورثيه أو غيره أو بطريق الشراء أو غيره، وكان الناذر متَّصفًا بأكمل الصفات المعتبرة شرعًا، فهل النذر صحيحٌ ولا عبرة بكونها من جملة الورثة، أو فاسدٌ لا يعتبر لكونها من الورثة المستحقين في إرث أبيهم؟

وهذه صورة النذر: "إنه في يوم كذا بمصر، أنا مقيم بمصر أشهد على نفسي طائعًا مختارًا بأني قد نذرت لبنتي جميع ما أمتلكه بناحية كذا بحقِّ القسمة بيني وبين أخي المرحوم من ديارٍ ومالٍ ونخلٍ ونحاسٍ وفراشٍ وزبورٍ وأرضٍ ومصاغٍ، وكل ما سمي مالًا سواء كان ما أمتلكه في الجهة المذكورة كان إرثًا أو شراءً أو غير ذلك، كما نذرت لها أيضًا جميع ما جرَّه الإرث الشرعي إليَّ من ابن أخي المتوفى بهذه الناحية، وكذا جميع ما آل إليَّ من ابن أخي المذكور في الحجاز سواء كان بمكة المكرمة أو بجدة على الشيوع في جميع ذلك.

وأُقرُّ بأني لم يحصل مني أدنى تصرف في الأعيان المذكورة إلى تاريخه. وذلك نذرٌ صحيحٌ شرعيٌّ قُربةً لله تعالي وابتغاءَ مرضاته، وقد صدر مني هذا وأنا بأكمل الأوصاف المعتبرة شرعًا، وقد تحرر هذا مني نذرًا بذلك بحضور شهادة الشهود الموقِّعين أدناه. والله تعالى خير الشاهدين".


هل العبرة بنية الحالف أو المستحلف؟ فإنَّ امرأة مرضت بالشلل، وأرادت بنتها السفر خارج الديار المصرية لزيارة شقيقتها، فخشي والد هذه الفتاة أن تسافر بنته وتبقى هناك وتترك أمها المريضة فأقسمت بنته على المصحف الشريف أنها لن تبقى عند أختها أكثر من شهر ولن تتعاقد على عمل، ولكن بنته سافرت ومكثت أكثر من شهر وتعاقدت على عمل هناك مخالفة بذلك ما أقسمت عليه على كتاب الله الكريم، ولما واجهها والدها بما أقسمت عليه أجابت بأنها لم تحنث في يمينها؛ لأنها أقسمت بنية أخرى غير الذي أقسمت عليه ومن ثم لم تحنث في يمينها.
وطلب السائل بيان: هل هذه الفتاة قد حنثت في يمينها، أم لا؟ وإذا كانت قد حنثت، فما هي الكفارة الواجبة شرعًا؟ وهل اليمين ينعقد بنية الحالف، أم بنية المستحلِف؟


يقول السائل: أقسمت على المصحف الشريف بأن ابني إذا فعل أمرًا معيّنًا لا أساعده في تعليمه من الناحية المادية، ولم يحترم ابني يميني، وقام بفعل هذا الأمر. فما حكم الشرع في ذلك.


ما حكم استبدال الذبيحة المنذورة بما يوازيها وزنًا وثمنًا؟ فأنا نذرت ذبح ذبيحة كبيرة معينة إذا نجح ابني في السنة النهائية، وهو الآن في السنة النهائية، وأصبحت هذه الذبيحة حاملًا؛ فهل يجوز استبدالها بأخرى غيرها مساوية لها في الثمن والوزن؟


ما حكم الجمع بين الوفاء بنذر ذبيحة لله تعالى ووليمة الزواج؟ فأنا نذرت لله نذرًا وهو ذبح (عجل من البقر) لأعمل به ليلة لله، ثم إنني أريد زواج أحد أولادي في هذه ‏الليلة؛ فهل يجوز ذبحه في هذه الليلة؟ علمًا بأنني أثناء ‏نذري كان ولدي الذي أرغب في زواجه مريضًا، وقد نذرت ‏ذلك إن شفاه الله وعافاه من مرضه.‏