حكم ملكية الأراضي المستعمرة وتمليك المواطنين إياها

تاريخ الفتوى: 13 يونيو 2012 م
رقم الفتوى: 3198
التصنيف: دعاوى وبينات
حكم ملكية الأراضي المستعمرة وتمليك المواطنين إياها

تسأل جامعة الإمام أبي الحسن الأشعري بداغستان -بعد شرح موجز لأحوال المسلمين هناك-: ما هو حكم أراضي مدن داغستان اليوم؛ هل تعد ملكًا للحكومة الروسية، وهل يجوز للمسلمين شرعًا أن يتمَلَّكوا ما خصَّصَتْه الحكومة لكلٍّ منهم من أراضٍ لأغراض البناء، والغراس، وسجلتها باسمِ مَن ملَّكَتْهم إياها في سجلاتها الخاصة بهذا الشأن، بأن يتصرفوا فيها بالبناء والغراس أو البيع والشراء؟

أراضي مدن داغستان ليست ملكًا لحكومة داغستان ولا غيرها، بل ما يكون فيها من ملكية خاصة فهو مملوكٌ لأصحابه، وما لا يكون من ذلك فهو مملوكٌ لأهل داغستان ملكيةً عامةً تنظمها الدولة عبر قوانينها، وإذا قررت الحكومة بمقتضى القانون ومراعاة المصلحة تقسيم الأرض بين المواطنين فإن هذا التقسيمَ يصير ساريًا شرعًا وقانونًا على المسلمين وغيرهم، ويكون من خُصِّصَت لهم الأرضُ مُلَّاكًا لها، ولهم أن يتصرفوا فيها بالبناء والغرس حسبما تقتضيه القوانين المعمول بها في الدولة.

المحتويات

 

نظام الحكم الذاتي بالدول المحتلة

من المعلوم أن النظام الذي يقوم عليه الحكم في داغستان حاليًّا هو ما يعرف بــ"الحكم الذاتي"، وهو جارٍ على مقتضى الدستور والقانون الروسيين، وعلى ذلك فالأراضي الواقعة تحت هذا الحكم تُعَدُّ ملكًا عامًّا تنظمه الدولة بمقتضى القانون والدستور الذي يحكمها.
وأرض داغستان كانت قد استولت عليها روسيا القيصرية سابقًا ثم الشيوعية بعدها وحكمتاها بنظاميهما فأصبحت داغستان بهذا الاستيلاء دارَ حرب بعد أن كانت دار إسلام؛ اعتبارًا بحكومتها، وبهذا دخل ما تصرف فيه المحتلُّ من أملاكٍ للمسلمين تحت حكم التصرفات الصحيحة النافذة من الحاكم، وهي في الحقيقة تصرفاتٌ حكمية وقضائية نافذة لا تصرفات مبنية على التملك بالغصب؛ لأنه وإن كان الكافر لا ولاية له على المسلم فإن الفقهاء قد ذهبوا إلى أن الأحكام والتصرفات العامة من الأئمة الذين لا ولاية لهم في الشرع، بمعنى أنهم ليسوا بأهل للولاية، تنفُذُ لضرورة الرعايا وإمضاء مصالح العباد وأمور حياتهم، وممن نصَّ على ذلك الإمام المجتهد عز الدين بن عبد السلام الشافعي في "قواعد الأحكام في مصالح الأنام" (1/ 79، ط. مكتبة الكليات الأزهرية)، فقال: [وقد ينفذ التصرف العام من غير ولاية كما في تصرف الأئمة البغاة فإنه ينفذ مع القطع بأنه لا ولاية لهم، وإنما نفذت تصرفاتهم وتوليتهم لضرورة الرعايا، وإذا نفذ ذلك مع ندرة البغي فأولى أن ينفذ تصرف الولاة والأئمة مع غلبة الفجور عليهم، وإنه لا انفكاك للناس عنهم] اهـ. ويقول (1/ 85-86): [ولو استولى الكفار على إقليم عظيم فولوا القضاء لمن يقوم بمصالح المسلمين العامة، فالذي يظهر إنفاذ ذلك كله جلبًا للمصالح العامة ودفعًا للمفاسد الشاملة، إذ يبعد عن رحمة الشرع ورعايته لمصالح عباده تعطيل المصالح العامة وتحمل المفاسد الشاملة لفوات الكمال فيمن يتعاطى توليتها لمن هو أهل لها] اهـ.
ويقول الإمام النووي في "شرحه على مسلم" (12/ 108، ط. دار إحياء التراث العربي): [وإنما ينفذ من تصرفات الكفار ما تُنفِذه الضرورة] اهـ. والتصرف في المال من ضمن تصرفاتهم النافذة، يقول الإمام العز بن عبد السلام في "قواعد الأحكام في مصالح الأنام" (1/ 82): [لا يتصرف في أموال المصالح العامة إلا الأئمة ونوابهم] اهـ.

تصرفات المستعمر بالدول المحتلة

حَمْل تصرفات المستَعْمِر السابق لبلادكم على الحكم والقضاء لا على التملُّك مبنيٌّ على أن هذا الاستعمار لم يكن لغرض الاستيلاء المحض ونهب الأراضي والأملاك وسرقة الأموال، بمعنى أنه ليس سطوًا مسلحًا تخريبيًّا محضًا؛ وإنما كان احتلالًا لتحقيق مصالح دينية أو سياسية أو اجتماعية وهي كلها مصالح مبنية على استعمار البلد المحتلِّ، والاستعمار هو طلب العمران والعمل عليه، ولكن من وجهة نظر المحتل فقط ولتحقيق أغراضه ومصالحه بفرضِها على البلد المستَعْمَر وأهله، وهذا هو الغالب في غرض الاستعمار في عصورنا المتأخرة.
ولذلك فإن بلادكم التي كانت تحت الحكم الاستعماري لم تكن تعدو كونها بلد حرب مستقرَّة اجتماعيًّا، لها حكمها وقوانينها ونظامها وجيشها الذي يحميها وبيت مالها الذي تصلح به شأنها وتنفق منه على رعاياها الذين هم تحت الاحتلال، قال العلامة ابن عابدين الحنفي في "رد المحتار على الدر المختار" (4/ 175، ط. دار الفكر) وهو في سياق بيان ما تصير به بلاد الإسلام بلادَ حرب: [(قوله: لا تصير دار الإسلام دار حرب … إلخ) أي بأن يغلب أهل الحرب على دار من دورنا أو ارتد أهل مصر وغلبوا وأجروا أحكام الكفر أو نقض أهل الذمة العهد، وتغلبوا على دارهم، ففي كل من هذه الصور لا تصير دار حرب، إلا بهذه الشروط الثلاثة، وقالا: بشرط واحد لا غير وهو إظهار حكم الكفر وهو القياس "هندية"، ويتفرع على كونها صارت دار حرب أن الحدود والقود لا يجري فيها، وأن الأسير المسلم يجوز له التعرض لِمَا دون الفرج، وتنعكس الأحكام إذا صارت دار الحرب دار الإسلام فتأمل ط، وفي "شرح درر البحار" قال بعض المتأخرين: إذا تحققت تلك الأمور الثلاثة في مصر المسلمين، ثم حصل لأهله الأمان، ونصب فيه قاضٍ مسلم ينفذ أحكام المسلمين عاد إلى دار الإسلام] اهـ.
وقد فصَّل الفقهاءُ القول في حكم ما يعطيه الحكام البغاة لأحدٍ من المسلمين تفصيلًا دقيقًا؛ فقال الإمام عز الدين بن عبد السلام الشافعي في "قواعد الأحكام" (1/ 83-84): [فصل فيما يجوز أخذه من مال بيت المال: إن قال قائل: إذا دفع الظلمة مما بأيديهم من الأموال إلى إنسان شيئًا فهل يجوز له أخذه منهم أم لا؟ قيل له: إن علم المبذول له أن ما يدفع له مغصوب فله حالان:
الأولى: أن يكون ممن يُقتدى به ولو أخذ لفسد ظن الناس فيه بحيث لا يقتدون به ولا يقبلون فتياه، فلا يجوز له أخذه لما في أخذه من فساد اعتقاد الناس في صدقه ودينه، لا يقبلون له فتيا، فيكون قد ضيع على الناس مصالح الفتيا. ولا شك أن حفظ تلك المصالح العامة الدائمة أولى من أخذ المغصوب ليرده على صاحبه. وكذلك الشهود والحكام ما لم يصرحوا بأنهم أخذوه للرد على مالكه.
الحالة الثانية: ألا يكون المبذول له كذلك، فإن أخذه لنفسه حَرُم عليه، وإن أخذه ليرده إلى مالكه جاز ذلك، وإن جهل مالكه بحَث عنه إلى أن يعرفه، فإن تعذرت معرفته صرفه في المصالح العامة أهمها فأهمها، وأصلحها فأصلحها، فإن لم يعرف تلك المصالح دفعه إلى من يعرفها، فإن لم يجد من يعرفها تربص بها إلى أن يجده فيتعرفها منه، أو يدفعها إليه ليصرفها في مصالحها إن كان عدلًا، وإن كان المال الذي يبذلونه مأخوذًا بحق، فإن كان المال لمصالح خاصة كالزكاة لأربابها والخمس لأربابه، والفيء للأجناد على قول، فإن كان المبذول له من أهل ذلك المال الخاص فإن أعطي قدر حقه فليأخذه، وإن أعطي زائدًا على حقه فليأخذ قدر حقه ويكون حكم الزائد على حقه ما ذكرناه في المال المغصوب، وإن كان ذلك من الأموال العامة فليأخذه إن لم تفت بأخذه مصلحة الفتيا، وليصرفه في المصارف العامة أصلحها فأصلحها، وإن لم يكن من أهل ذلك فعل ما ذكرنا في المال المغصوب] اهـ.
ولما كانت معظم الأراضي تدخل تحت نطاق "الملك العام للدولة" ولا تخص أفرادًا بأعينهم فإنه يجوز لمن تُملِّكه الحكومة أيًّا منها بالقانون والدستور أن يتملَّك ما ملَّكَتْه إياه الحكومة ويضع يده عليه بلا حرج؛ لأن هذا التصرف من الحكومة وإن كان أساسه المصلحة الخاصة ببعض المواطنين إلا أنه يئول إلى المصلحة العامة التي تعود على البلد كلها بالنفع العام بتعميرها واستثمار خيراتها وتنشيط اقتصادها، وذلك ما دام المُتملِّك لم يغتصب مالًا من أحد، ولم يخرج عن القانون بوضع يده على ما لم تُمَلِّكه إياه الحكومة؛ وذلك لأن المالك لأراضي الدولة -غير المملوكة أصلًا لأشخاص بأعيانهم- هو الشخصية الاعتبارية المسماة بـ"الدولة" التي يمثلها عدد من الأشخاص الاعتباريين والمؤسسات والقوانين والقواعد الإدارية وهم يتصرفون في الدولة بحسب قانونها ومصلحتها المنوطة بهم.

الخلاصة

على ذلك: فإن أرض داغستان ليست ملكًا لحكومة داغستان ولا غيرها، بل ما يكون فيها من ملكية خاصة فهو مملوكٌ لأصحابه، وما لا يكون من ذلك فهو مملوكٌ لأهل داغستان ملكيةً عامةً تنظمها الدولة عبر قانونها، وما تخصصه الحكومة بمقتضى القانون والنظام العامُّ لا يعني بحالٍ أنها تملكه، بل تصرفها فيه منوطٌ بمصلحة المواطنين.

وعليه: فإذا قررت الحكومة بمقتضى القانون ومراعاة المصلحة تقسيم الأرض بين مواطني البلد فإن هذا التقسيمَ يصير ساريًا شرعًا وقانونًا على المسلمين وغيرهم، ويكون من خُصِّصَت لهم الأرضُ مُلَّاكًا لها، ولهم أن يتصرفوا فيها بالبناء والغرس حسبما تقتضيه القوانين المعمول بها في الدولة.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

ما حكم  الإسراف في استعمال الماء أثناء الوضوء؟ لأني أرى بعض الناس أثناء وضوئهم يغسلون أعضاء الوضوء أكثر من ثلاث مرات، وآخرين يستخدمون ماءً كثيرًا زائدًا عن المطلوب. فما حكم هذا الفعل؟ وهل يُعدُّ هذا من الإسراف في استعمال الماء؟


هل يجوز للشركة علاج بعض العاملين بها من زكاة المال المفروضة عليها شرعًا؟ علمًا بأن العاملين مُؤَمَّن عليهم تأمينًا صحيًّا، ولكن أحيانًا يتم إخطارنا بأنَّ ظروف العامل أو الموظف لا تسمح بعلاجه على نفقته، وأنَّ التأمين الصحي لا يقوم بالخدمات الطبية الكافية.


ما الحكم الشرعي في البشعة؟ حيث يشيع بين القبائل العربية في البادية والحضر ما يسمى بالبَشعة، وَصِفَتُها أنهم عندما يُتَّهم أحدهم بتهمة ما فإنهم يذهبون به إلى شخص يسمونه المُبَشِّع، ويقوم هذا الشخص بتسخين قطعة حديد مستديرة -طاسة- حتى تصل إلى درجة الاحمرار، ويطلب من المتهم لعقها فإن لم تصبه بأذًى فهو بريءٌ، وإن أصابته، أو أبى أن يتعرض لها فهو مُدانٌ. أرجو من سيادتكم التفضل ببيان الحكم الشرعي لهذا الأمر.


قام مجموعة من الأشخاص ببناء مسجد جديد في قرية من قرى بلاد غير العرب، وقاموا بتسمية هذا المسجد باسم "مسجد الأقصى"، واختلف الناس في هذه التسمية. ويطلب السائل بيان الحكم الشرعي في ذلك.


سائلة تقول: ما حكم تغسيل وتكفين شهداء الهدم؟ فهناك جارٌ لنا سقط عليه سقف منزله فمات تحته، فأخبرتني إحدى صديقاتي أنه شهيدٌ بسبب الهدم؛ لكنها قالت لي: إن الشهيد لا يُغَسَّلُ ولا يُكَفَّنُ ولا يُصَلَّى عليه. فما مدى صحة ذلك؟


هل في تأخر الزواج لمن يرغب فيه ابتلاء من الله تعالى؟ فهناك رجلٌ شارَفَ على الأربعين مِن عُمره، سبق له الزواج، وماتت زوجته منذ سنوات تاركةً له مِن الأبناء ثلاثة، ويعيش معه والداه لكبر سِنِّهمَا، ويتوق إلى الزواج مرة ثانية، لكنه لا يَملِكُ مَسْكَنًا مستقلًّا عن والديه وأولاده يَصلُح لأن يتزوج فيه، ولا مالًا يكفيه لمتطلبات زواج جديد، ودخلُه يكفيه ضروريات الحياة، ويسأل: هل يُعَدُّ تأخُّرُه في الزواج مرة ثانية ابتلاءً مِن الله عَزَّ وَجَلَّ له؟ وماذا عليه أن يفعل؟