لدينا في قريتنا مسجد، بجواره -على بعد مترين منه تقريبًا- مقبرة قديمة جدًّا (ضريح سيدي موسى أبي العمران، ينتهي نسبه إلى سيدنا الحسين بن علي حفيد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم)، وقد اتَّفق مجموعة من الناس على هدم المسجد وإعادة بنائه من جديد، ومن ثم توسعته.
أولًا: هل يجوز هدم ذلك الضريح وتسويته بالأرض تمامًا ليدخل في صحن المسجد (المصلَّى)؟
ثانيًا: إذا أجاز الشرع ذلك، فما هي الطريقة الشرعية للتعامل مع هذا القبر حتَّى يدخل صحن المسجد (بعد إزالته)، مع توضيح ذلك إن جاز تفصيلًا.
أولًا: صاحب الضريح المذكور ولي صالح معروف مشهور النسبة عند أهل قريته؛ وهو: السيد موسى أبو العمران الحفيد، من نسل السيد شرف الدين موسى أبي العمران، شقيق قطب العارفين أبي العينين السيد إبراهيم الهاشمي الشّافعي القرشي الدسوقي رضي الله عنه وأرضاه، من نسل آل بيت المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم.
ثانيًا: إزالة الأضرحة من المساجد أو نقل رفاتها إلى أماكن أخرى -تحت أي دعوى ولو كانت توسعة المسجد وتجديده- هو أمر محرم شرعًا؛ لما فيه من الاعتداء السافر على حرمة الأموات، وسوء الأدب مع أولياء الله الصالحين، وهم الذين آذن اللهُ بالحرب مَن آذاهم، وقد أُمِرنا بتوقيرهم وإجلالهم أحياءً وأمواتًا، ولا يجوز التوصل إلى فعل الخير بالباطل، ومن أراد توسعة مسجد أو تجديده فيجب عليه شرعًا أن يُبْقِيَ الضريح الذي فيه في مكانه ولو أصبح وسط المسجد، أو يُتْرَك المسجد كما هو حتى يقيض الله تعالى له مَن يتولى توسعته مِن عباده المخلصين الذين يعرفون لأوليائه قدرهم وحرمتهم، وينأون بأنفسهم عن التعدي على أضرحة الصالحين.
المحتويات
المقرر في الشريعة الإسلامية أنَّ أماكن القبور مختصة بأصحابها؛ إما على جهة الملكية لهم قبل موتهم، أو الوقفية عليهم لدفنهم، فإذا وُقِفَتْ عليهم ليدفنوا فيها صارت مُحَبَّسةً على ما أُوقِفَتْ له بأرضها وبنائها، ولا يجوز إخراجُها عن وقفيتها؛ لأنَّ "شرطَ الواقفِ كنصِّ الشارع"؛ أي: في وجوب العمل به وتنفيذه والتزامه، لا في شرفه ورتبه، فليس ككلام الشارع كلام:
قال العلَّامة ابن نُجيم الحنفي في "الأشباه والنظائر" (1/ 163، ط. دار الكتب العلمية): [شرط الواقف يجب اتباعه؛ لقولهم: شرط الواقف كنص الشارع، أي: في وجوب العمل به، وفي المفهوم والدلالة] اهـ.
وقال الإمام المجتهد تقي الدين السبكي الشافعي في "الفتاوى" (2/ 13، ط. دار المعارف): [والفقهاء يقولون: شروط الواقف كنصوص الشارع، وأنا أقول من طريق الأدب: شروط الواقف من نصوص الشارع؛ لقوله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «الْمُؤْمِنُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ»، وإذا كانت مخالفة النص تقتضي نقض الحكم؛ فمخالفة شرط الواقف تقتضي نقض الحكم] اهـ.
ولذلك لا يجوز أن تُتَّخَذَ أماكن القبور لأي غرض آخر غير ما وُقِفَت عليه، ولا يجوز التعرض لها بنبش أو هدم أو نقلٍ، ولا التجاسر عليها ولا نزع ملكيتها بعد دفنهم فيها، تحت أي مبرر كان؛ لما فيه من انتهاكٍ لُحرمة أصحابها، وقد حرَّم الإسلام انتهاك حرمة الأموات؛ لأن حرمة الإنسان ميتًا كحرمته حيًّا.
فإذا كانت هذه القبور أضرحةً لآل البيت والأولياء والصالحين فإن حرمتَها حينئذ أعظم، والتعرض لها أشد جرمًا؛ فإنهم موضع نظر الله تعالى، ومن نالهم بسوء فقد تعرض لحرب الله تعالى، كما جاء في الحديث القدسي: «مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ» رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه.
صاحب الضريح المذكور ولي صالح معروف مشهور النسبة عند أهل قريته؛ وهو: السيد موسى أبو العمران الحفيد، من نسل السيد شرف الدين موسى أبي العمران، شقيق قطب العارفين أبي العينين السيد إبراهيم الهاشمي الشّافعي القرشي الدسوقي رضي الله عنه وأرضاه، من نسل آل بيت المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم. وقد اطَّلعنا على هذا النسب الشريف، الذي كتبه السيد/ مصطفى سالم الحافي في 1280هـ، المنسوخ عن النسخة القديمة للنسب والتي نسخها/ السيد يعقوب.
وما دام مكان الضريح ثابتًا فليس لأحد أن يتعرَّض له بنقلٍ أو هدمٍ ويهتك حُرمة من فيه زاعمًا أنه يريد توسعة المسجد، وأنَّ الضريح يعوق عملية التوسعة؛ حيث إنَّ أرض المسجد وقفٌ للمسجد، وأرض الضريح وقفٌ على صاحب الضريح، وكلاهما وقفان مشروعان صحيحان، فإذا أريد إدخال الضريح للمسجد: كان ذلك مشروطًا ببقائه على وقفيته، وإلَّا كان ضم أرضه لأرض المسجد حينئذ تعديًا غير مشروع وعدوانًا وانتهاكًا لحق الغير، وليست التوسعة مبررًا لهدم الضريح؛ فإن الحق لا يُتَوصَّل إليه بالباطل، بل يجب إبقاء الضريح على حاله؛ إذ لا يجوز انتهاك حرمة الأموات بدعوى توسعة المساجد، والله تعالى لا يُتَقرَّب إليه بالاستيلاء على حقوق عباده، فضلًا عن انتهاك حرمة أوليائه وذرية نبيه صلى الله عليه وآله وسلم.
لا يجوز إزالة الضريح وتسويته بالأرض ليدخل في صحن المسجد (المُصلَّى) -حسبما جاء في السؤال- كما لا يجوز نقل صاحبه منه؛ فإنها أفعالٌ محرَّمة شرعًا، ومجرَّمة قانونًا، ومخالفةٌ للوائح الرسمية الخاصَّة:
فمن الناحية الشرعية: فقد شدَّدت الشريعةُ النهيَ عن انتهاك حرمة الأموات والتعرض لقبورهم، وأجمع على ذلك العلماء في كل عصر، وليس من شأن أهل العلم والفضل وأولياء الأمور أن يسيروا خلف كل مُدَّعٍ يريد تسوية ضريحٍ لولي صالح اشتهر قبره بدعوى توسعة المساجد وإقامة الشعائر، وإلا لصار الأمر تُكَأَةً وأُلْعوبةً لكل ناعق دعيٍّ أو باغٍ عادٍ يُسَوِّل له شيطانه الأثيم التعديَ على أضرحة آل البيت وأولياء الله بهذه الشُّبَه الفاسدة والأُغلوطات الكاسدة، بل ذلك من الإفساد في الأرض، والعدوان السافر على حرمات الأموات، واستنسار البغاث على أولياء الله الصالحين.
ومن الناحية القانونية: فإنَّ الاعتداء على مقامات آل البيت وأولياء الله الصالحين يُعَدُّ جريمةً في القانون المصري؛ على ما تنص عليه المادة 160 من قانون العقوبات: [يُعاقَب بالحبس مدةً لا تزيد عن خمس سنوات وبغرامة لا تقل عن مائة جنيه ولا تزيد على خمسمائة جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين: كلُّ مَن شوَّش على إقامة شعائرِ ملةٍ أو احتفالٍ ديني خاص بها أو عطَّلها بالعنف أو التهديد، وثانيًا: كلُّ مَن خرّب أو كسر أو أتلف أو دنس مباني معدة لإقامة شعائر دين أو رموزًا أو أشياء أخرى لها حرمة عند أبناء ملة أو فريق من الناس، وكذلك كل من انتهك حرمة القبور أو الجبانات أو دنسها] اهـ.
وأما اللوائح الرسميِّة: فمن جهة اختصاصها بوزارة الأوقاف، وهي الجهة المختصة بأمور المساجد وتوسعتها وترميمها، فقد أصدرت الوزارة بيانًا عامًّا واضحًا ترفض فيه بشدَّةٍ التطاولَ على مقامات أولياء الله وأضرحتهم الشريفة بالنبش أو الهدم أو الحرق أو نحو ذلك؛ مما يسبب إيذاء مشاعر المسلمين المُحبِّين لأولياء الله تعالى والمُعظِّمين لهم، خاصة أهل مصر الذين حفظوا لآل البيت حقَّهم وحفظوا حُرمتهم.
ومن جهة اختصاصها بالمشيخة العامَّة للطرق الصوفية، وهي الجهة المختصَّة والمتولِّية لقبور الأولياء والصالحين، فقد شدَّدت المشيخة النكيرَ على التدخل في أمر الأضرحة إطلاقًا إلَّا بعد الرجوع لها.
دار الإفتاء المصرية تُهِيبُ بعموم المسلمين أن يتصدَّوْا لهذه الدعوات الهدامة التي ما تفتأ ترفع عقيرتها بين الفَيْنَة والأخرى زاعمة أن قبور الصالحين التي بنى المسلمون المساجد عليها شرقًا وغربًا سلفًا وخلفًا -بدءًا بنبيها صلى الله عليه وآله وسلم في روضته الشريفة بالمدينة المنورة؛ حيث أدخل الصحابة والسلف الصالح البقعة الشريفة التي فيها المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم وصاحباه رضي الله عنهما في مسجده الشريف عند توسعته، وذلك بإجماع فقهاء عصرهم من غير نكير، ولم يكن ذلك معوقًا لهم بحال، ولم يدَّع أحد منهم هذه الدعاوى الكاسدة التي يدَّعيها المدَّعون المتهجمون على أضرحة أهل البيت وأولياء الله تعالى الصالحين، ومرورًا بالصحابة وآل البيت الكرام كسيدنا أبي بصير في جدة البحر، والإمام الحسين والسيدة زينب والسيدة نفيسة بأرض مصر، والأئمة المتبوعين كالشافعي والليث بن سعد بمصر، وأبي حنيفة وأحمد ببغداد، وأولياء الله الصالحين كالشيخ عبد القادر الجيلاني الحنبلي ببغداد وأبي الحسن الشاذلي بمصر، وعلماء الأمة ومحدثيها كالإمام البخاري في بخارى وابن هشام الأنصاري والعيني والقسطلاني وسيدي أحمد الدردير في مصر، وغيرهم ممن يضيق المقام عن حصرهم- هي من شعائر الشرك وأعمال المشركين، وأن المسلمين إذ فعلوا ذلك فقد صاروا مشركين بربهم سبحانه، ويجعلون التوسل بالأنبياء والصالحين وتعظيم أماكنهم وزيارة أضرحتهم -مما أطبقت عليه الأمة وعلماؤها جيلًا إثر جيل- ضربًا من ضروب الوثنية والشرك، غير عابئين بتراث الأمة ومجدها وحضارتها، فلا يعود المسلم يحس بمجد تاريخي ولا علمي ولا ثقافي ينتسب إليه، ولا يعود يرى سَلَفَه إلا شُذّاذ آفاقٍ مُضلّلين يعبدون غير الله ويشركون به من غير أن يشعروا، فينهار المسلم أمام نفسه ويصغر في عين ذاته؛ وذلك كله جريًا منهم وراء فهم سقيم لبعض الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي وردت في المشركين الذين يعبدون غير الله، لا في المسلمين الموحدين الذين يحبون الله ورسوله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم وأولياء الله الصالحين ويكرمونهم أحياءً وأمواتًا، وهذه كلها دعاوى الخوارج؛ يعمدون إلى الآيات التي نزلت في المشركين فيجعلونها في المسلمين، كما رواه الإمام البخاري في "صحيحه" عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما في وصف الخوارج تعليقًا، ووصله الطبري في "تهذيب الآثار" بسند صحيح. فعلى المسلمين أن يأخذوا على تلك الأيدي الآثمة التي لا تريد أن تعرف لقبور الصالحين حرمة، ولا أن ترقب في أولياء الأمة إلًّا ولا ذمة.
بناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فإن إزالة الأضرحة من المساجد أو نقل رفاتها إلى أماكن أخرى -تحت أي دعوى، حتى لو كانت توسعة المسجد وتجديده- هو أمر محرم شرعًا؛ لما فيه من الاعتداء السافر على حرمة الأموات، وسوء الأدب مع أولياء الله الصالحين، وهم الذين آذن اللهُ بالحرب مَن آذاهم، وقد أُمِرنا بتوقيرهم وإجلالهم أحياءً وأمواتًا، ولا يجوز التوصل إلى فعل الخير بالباطل، ومن أراد توسعة مسجد أو تجديده فيجب عليه شرعًا أن يُبْقِيَ الضريح الذي فيه في مكانه حتى لو أصبح وسط المسجد، أو يُتْرَك المسجد كما هو حتى يقيض الله تعالى له مَن يتولى توسعته مِن عباده المخلصين الذين يعرفون لأوليائه قدرهم وحرمتهم، وينأون بأنفسهم عن التعدي على أضرحة الصالحين؛ لتتحقق إقامةُ المساجد على تقوى مِن الله تعالى ورضوان.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ما حكم إقامة المتاحف والمعابد التي تقوم بعرض التماثيل؟ وما حكم استخدم التماثيل للتَّعلُّم أو للتاريخ أو للزينة أو لأيّ منفعة أخرى؟ وهل يجب تكسير هذه التماثيل كما يفعل بعض المتشددين؟
يقول السائل: نسمع عن مفهوم (الوحدة الوطنية) وأهميتها في المجتمع؛ فنرجو منكم توضيح كيف نظر الشرع إلى هذا المفهوم؟ وهل يوجد في الشرع الشريف ما يدعو إلى ذلك؟
يقول السائل: أحد الأشخاص متعصّبٌ في بعض أمور الدين، ولا يقبل الرأي المخالف، ولا يقتصر على ذلك، بل يعادي صاحبه ويذمه؛ ممَّا يؤدي إلى إثارة الفتن بين الناس؛ فنرجو منكم بيان الرأي الشرعي الصحيح في ذلك؟
ما حكم ما يحدث في مصر من حملات التخريب لمنشآت الدولة المصرية والقتل الموجَّه لرجال الجيش والشرطة والمدنيين ودور العبادة من كنائس ومساجد، وهي التي تقوم بها التنظيمات الإرهابية تحت دعوى الجهاد في سبيل الله، ويَعُدُّون مَن لم يوافقهم على رأيهم وخروجهم ومقاومتهم للجيش والدولة مِن أعداء الإسلام المناصرين للمرتدين؟
السؤال عن صحة المعلومات التي تضمنتها مطوية منسوبة لتنظيم منشقي القاعدة، المعروف إعلاميًّا باسم "داعش"؛ وهي بعنوان: "عشر مسائل في العقيدة لا يسع المسلم جَهلُها، ويجب عليه تعلُّمُها".
شاهدنا وسمعنا في وسائل الإعلام عن العمليات التفجيرية التي حدثت في الصومال مؤخرًا، والتي استهدفت مجموعة من المسؤولين الحكوميين، وقد نسبت هذه العمليات لبعض الجماعات المنتسبة للإسلام، وصرح بعض مؤيدي هذه العمليات بمشروعيتها، فما حكم هذه الأعمال المذكورة؟