ما حكم مَنْ ترك السعي في الحج أو العمرة، سواء كان الترك بعذرٍ أو بغير عذرٍ؟
السعي ركنٌ من الأركان التي لا يتم الحج والعمرة إلا بجميعها، ولا يُجبَر تركُه بدمٍ عند جمهور الفقهاء، وعلى من تركه أو ترك بعضه الرجوع إلى مكة والإتيان به حتى لو كان تركه بعذر؛ كأن يكون جاهلًا أو ناسيًا، ويرى فقهاء الحنفية أن مَنْ ترك السعي كاملًا أو معظمَه في حج أو عمرة لعذر خارج عن إرادته فلا شيء عليه، ومَنْ تركه مِن غير عذر فعليه ذبح شاة، ومن ترك ثلاثة أشواط أو أقل من ذلك فعليه نصف صاع من بُرٍّ عن كل شوط، ومن القواعد المقررة شرعًا "أن من ابتلي بالمختلف فيه فله تقليد من أجاز".
السعي لغة: المشيُ والعَدْوُ مِن غيرِ شَدٍّ؛ قال الزبيدي في "تاج العروس" (38/ 279، ط. دار الهداية): [(سَعَى) الرجُلُ (يسعَى سَعْيًا، كرَعَى) يَرعَى رَعْيًا: إذا (قَصَدَ).. (و) سَعَى لهم وعليهم: (عَمِلَ) لهم فكَسَبَ. (و) سَعَى: إذا (مَشَى)، زاد الراغبُ: بسرعةٍ. ومنه: أُخِذَ السعي بين الصفا والمروة. (و) سَعَى: إذا (عَدَا)، وهو دون الشَّدِّ وفوق المشي] اهــ.
والسعي شرعًا: يُراد به المشي بين جبلي الصفا والمروة سبعةَ أشواطٍ بعد طوافٍ في نُسُكِ حجٍّ أو عُمرةٍ؛ قال تعالى: ﴿إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ﴾ [البقرة: 158].
وقد اختلف الفقهاء في حكم السعي مما ترتب عليه اختلافهم فيما يجب على مَن تركَه أو جزءًا منه؛ فذهب الحنفية إلى أن السعي بين الصفا والمروة في الحج والعمرة واجبٌ؛ لأن الأدلة الواردة فيه لا تدل على الركنية وإنما تدل على الوجوب.
قال الإمام ابن مودود الموصلي الحنفي في "الاختيار لتعليل المختار" (1/ 148، ط. مطبعة الحلبي): [السعي بين الصفا والمروة واجبٌ، لقوله عليه الصلاة والسلام: «كُتِبَ عَلَيْكُمُ السَّعْيُ فَاسْعَوْا» وأنه خبر آحاد فلا يوجب الركنية فقلنا بالوجوب، وقوله تعالى: ﴿فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا﴾ [البقرة: 158] ينفي الركنية أيضًا، والأفضل ترك السعي حتى يأتي به عقيب طواف الزيارة لأن السعي واجبٌ، وإنما شُرع مرةً واحدةً، وطواف القدوم سُنَّة، ولا يُجعَل الواجب تبعًا للسنة، وإنما رُخِّص في ذلك؛ لأن يوم النحر يوم اشتغال بالذبح والرمي وغيره، فربما لا يتفرغ للسعي] اهــ.
والواجب يُجبَر تركُه من غير عذر بدَمٍ، ولو ترك معظمَه كذلك، أما لو ترك ثلاثة أشواط أو أقل من ذلك فعليه لكل شوط نصف صاع من حنطة، هذا إذا كان الترك من غير عذر؛ قال الإمام محمد بن الحسن في "الأصل" المعروف بـ"المبسوط للشيباني" (2/ 407، ط. إدارة القرآن والعلوم الإسلامية): [وإنْ ترَكَ السعيَ فيما بين الصفا والمروة رأسًا في حجٍّ أو عُمرةٍ فعليه دم، وكذلك إن ترك منه أربعة أشواط، وإن ترك ثلاثة أشواط أطعَمَ لكل شوطٍ مسكينًا نصفَ صاعٍ من حنطة] اهــ.
أما لو ترك السعيَ لعذر فلا شيء عليه، والعذر عندهم ما يكون خارجًا عن إرادة الإنسان؛ كالحيض والنفاس بالنسبة للنساء؛ قال الإمام الكاساني في "بدائع الصنائع" (2/ 133، ط. دار الكتب العلمية): [أما السعي.. فقد قال أصحابنا: إنه واجب.. وإذا كان واجبًا فإنْ تَرَكَهُ لعذرٍ فلا شيء عليه وإنْ تركه لغير عذر لزمه دم لأن هذا حكم ترك الواجب] اهــ.
وقال الإمام ابن عابدين في "حاشيته على الدر المختار" (2/ 544، ط. دار الفكر): [يُستثنى من الإطلاق المارِّ في وجوب الجزاء ما في اللباب: لو ترك شيئًا من الواجبات بعذرٍ لا شيء عليه على ما في البدائع، وأطلق بعضهم وجوبَه فيها إلا فيما ورد النص به، وهي: ترك الوقوف بمزدلفة، وتأخير طواف الزيارة عن وقته، وترك الصدر للحيض والنفاس، وترك المشي في الطواف والسعي، وترك السعي، وترك الحلق لعِلَّة في رأسه، لكن ذكر شارحه ما يدل على أن المراد بالعذر ما لا يكون من العباد] اهــ.
وقال أيضًا فيه (2/ 512): [وكذا كل واجب إذا تركه بعذر لا شيء عليه.. ولو فاته الوقوف بمزدلفة بإحصارٍ فعليه دم من أن هذا عذر من جانب المخلوق فلا يؤثر] اهــ.
وذهب فقهاء المالكية والشافعية ورواية عند الحنابلة إلى أن السعي ركن من الأركان التي لا يتم الحج والعمرة إلا بجميعها ولا يُجبَر تركُه بدم، وعلى من تركه أو ترك بعضه الرجوع إلى مكة والإتيان به، حتى لو كان تركه بعذر؛ كأن يكون جاهلًا أو ناسيًا.
قال الإمام الحطاب المالكي في "مواهب الجليل في شرح مختصر خليل" (3/ 84، ط. دار الفكر): [وما ذكره المصنف من أن السعي ركن هو المعروف من المذهب، فمن ترك السعي أو شوطًا منه أو ذراعًا من حج أو عمرة صحيحتين أو فاسدتين رجع له من بلده] اهــ.
وقال الإمام النووي الشافعي في "المجموع شرح المهذب" (8/ 76، ط. دار الفكر): [السعي ركن من أركان الحج، لا يتم الحج إلا به، ولا يُجبَر بدمٍ، ولا يفوت ما دام صاحبه حيًّا، فلو بقي منه مرة من السعي أو خطوة لم يصحَّ حجُّه ولم يتحلل من إحرامه حتى يأتي بما بقي، ولا يحل له النساء وإن طال ذلك سنين، ولا خلاف في هذا عندنا] اهــ.
وقال الإمام ابن قدامة في "الكافي في فقه الإمام أحمد" (1/ 517، ط. دار الكتب العلمية): [والسعي ركن لا يتم الحج إلا به؛ لقول عائشة رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: "طاف رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ بين الصفا والمروة، فطاف المسلمون، فكانت سُنَّة، ولَعَمري ما أتم الله حجَّ مَن لم يَطُف بينهما" رواه مسلم. وعن حبيبة بنت أبي تجراة قالت: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ يقول: «اسْعَوْا فَإِنَّ اللهَ كَتَبَ عَلَيْكُمُ السَّعْيَ» رواه أبو داود] اهــ.
والذي ذهب إليه الحنفية من كون السعي واجبًا يُجبَر تركُه بذبح شاةٍ قد وردت به رواية عن الإمام مالك فيمن ترك السعي وعاد لبلده مراعاةً للخلاف، ورجَّحه الشيخ ابن قدامة من الحنابلة؛ قال الإمام اللخمي المالكي في "التبصرة" (3/ 1198، ط. وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية): [وذكر ابن القصار عن إسماعيل القاضي أنه ذكر عن مالك فيمن ترك السعي بين الصفا والمروة حتى تباعد وطال الأمر، فأصاب النساء: أنه يهدي ويُجزِئُه. قال: وأحسبه ذهب في ذلك إلى ما وصفنا للاختلاف، ولقول بعضهم: ليس بواجب. وقال بعضهم: إنه تطوع] اهــ.
وقال الإمام ابن قدامة الحنبلي في "المغني" (3/ 352، ط. مكتبة القاهرة): [وقال القاضي: هو واجبٌ، وليس بركن، إذا تركه وجب عليه دم. وهو مذهب الحسن، وأبي حنيفة، والثوري. وهو أولى؛ لأن دليل من أوجبه دلَّ على مطلق الوجوب، لا على كونه لا يتم الحج إلا به. وقول عائشة في ذلك معارَض بقول مَن خالفها من الصحابة، وحديث بنت أبي تجراة قال ابن المنذر: يرويه عبد الله بن المؤمل، وقد تكلَّموا في حديثه. ثم إنه يدل على أنه مكتوب، وهو الواجب. وأما الآية فإنها نزلت لَمَّا تحرَّج ناس من السعي في الإسلام، لما كانوا يطوفون بينهما في الجاهلية، لأجل صنمين كانا على الصفا والمروة. كذلك قالت عائشة] اهــ.
وبناءً على ذلك: فالسعي ركن من الأركان التي لا يتم الحج والعمرة إلا بجميعها، ولا يُجبَر تركُه بدم، وعلى من تركه أو ترك بعضه الرجوع إلى مكة والإتيان به، حتى لو كان تركه بعذر؛ كأن يكون جاهلًا أو ناسيًا، ويرى فقهاء الحنفية أن مَنْ ترك السعي كاملًا أو معظمَه في حج أو عمرة لعذر خارج عن إرادته فلا شيء عليه، ومَنْ تركه مِن غير عذر فعليه ذبح شاة، ومن ترك ثلاثة أشواط أو أقل من ذلك فعليه نصف صاع من بُرٍّ عن كل شوط، ومن القواعد المقررة شرعًا أن "من ابتلي بالمختلف فيه فله تقليد من أجاز".
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ما حكم الحج عن الابن المتوفى وهبة أعمال البر له؟ لأن امرأة تريدُ أن تَحُجَّ عن ابنها المُتَوفَّى في حادث، وكان قد سبق لها الحج، وتبرع والد المُتوفّى بنفقة الحج؛ لأنه كان طالبًا ولم يكن له مال خاص، كما تريد هذه المرأة أن تصطحب معها ابنتها البالغة من العمر ستة عشر عامًا، وقد تبرع لها والدها بنفقات الحج أيضًا؛ لأنها ما زالت طالبة، فهل يصحُّ حجّهما؟ وإذا كُتِبَ لها الحج عن ابنها، فما الذي يجب عليها عمله اعتبارًا من نية الحج إلى الانتهاء منه؟ وهل إذا صلَّت في الحرمين الشريفين بمكة والمدينة المنورة أن تُصَلي لابنها الصلوات المفروضة؟ وهل يجوز أن تؤدي العمرة عن نفسها بعد أداء الحج عن الابن المتوفى؟
ما حكم لبس قناع الوجه الطبي (Face Shield) للمرأة المحرمة؛ توقيًا من الإصابة بالأوبئة والأمراض، خصوصًا إذا ثبت خطرها وإمكان انتقالها عن طريق العدوى؟ علمًا بأن هذا القناع شفافٌ، ويُثَبَّت بحاملٍ أعلى الجبهة وعلى جانبي الرأس، ولا يكون ملاصقًا للوجه.
ما حكم الإنفاق من صندوق الجزاءات على الحج والعمرة للعاملين بإحدى الشركات؟ فأنا أعمل بإحدى شركات القطاع الخاص، ويوجد بها صندوق يُسَمَّى بصندوق الجزاءات، وهذا الصندوق من حقّ العاملين في الشركة، ويُنفق منه على الرحلات والمصايف. فهل يجوز الإنفاق منه على رحلات الحج والعمرة؟
أيهما أفضل تكرار الحج والعمرة أم التصدق على الفقراء والمحتاجين؟ فالسائل قد بلغ من العمر خمسة وخمسين عامًا وقام بأداء فريضة الحج مرتين، ومن بعدها كل عام يقوم بأداء العمرة مع زوجته ويجد في هذه الرحلة راحة نفسية.
ويقول: إنه قام بتربية جميع أولاده وتخرجوا من جميع الكليات وينوي هذا العام أن يؤدي العمرة كسابق عهده، ولكن بمناقشة مع عالم جليل إمام وخطيب مسجد أفاده بأن أداءه لهذه العمرة ليس له أي معنى، وخير له أن يصرف تكاليفها على أناس فقراء.
وأرسل إلينا بعد أن ختم سؤاله بقوله: إنني بهذه الرحلة استعيد نشاطي من عناء العمل طول العام، حيث إنه يعمل بالتجارة فضلًا عن العبادة في الأماكن المقدسة، فما حكم الشرع؟ هل يذهب لأداء العمرة فضلًا وتطوعًا كل عام، أم ينفق تكاليفها على الفقراء؟
ما حكم ما تم دفعه من ثمن الأضحية التي ماتت قبل استلامها من البائع؟ فقد اشتريت بهيمة للأضحية من أحد تجار المواشي وعاينتُها، ودفعتُ أكثر ثمنها بناءً على وزنها مبدئيًّا وقت المعاينة، مع الاتفاق على أنها في ضمان البائع حتى موعد تسليمها المتفق عليه بيننا وهو يوم العيد؛ حيث يتم الوزن حينئذ ودفع باقي الثمن الذي يتحدد بناءً على هذا الوزن النهائي، وتراضينا على ذلك، وبعد يومين ماتت هذه البهيمة، وأرجع لي التاجر المبلغ الذي كنت قد دفعته له. وسؤالي حتى لا أقع في الإثم: هل يجب عليَّ شيءٌ تجاه البائع؟ وهل يحصل لي ثواب الأضحية في هذه الحالة؟
أولًا: هل يجوز صلاة الابن عن أبيه؛ حيًّا كان الأب أو ميتًا؟
ثانيًا: هل يصح حج الابن عن أبيه إذا كان قد مات منتحرًا؟