سقوط الحق بالتقادم في الشريعة الإسلامية

تاريخ الفتوى: 20 نوفمبر 2012 م
رقم الفتوى: 4779
التصنيف: أحوال شخصية
سقوط الحق بالتقادم في الشريعة الإسلامية

أرجو إعطائي شهادة تفيد برأي الشريعة في حالتي، وهي أني اشتريتُ في عام 1977م دَورًا كاملًا في مبنى، واشتريت في عام 1994م غرفتين وحمامًا ومطبخًا بالدور الأرضي من نفس المبنى، وعند قيامي بإجراءات التسجيل قاموا برفض التسجيل، وقيل لي: إن العقد مضى عليه أكثر من 15 عامًا، وأنا على يقين من أن الشرع يخالف هذا الرأي؛ لأني أعتقد أن من حقي امتلاك ما قمت بشرائه حتى ولو مضى عليه أكثر من 15 عامًا. لذلك أرجو من معاليكم إعطائي شهادة تفيد رأي الشرع في هذا الموضوع.

هناك فرق بين ثبوت الحق وإثباته؛ فالحق في نفسه ثابتٌ لا يتقادم، لكنه يحتاج في إثباته إلى البينات أو القرائن التي تجعل نسبته إلى صاحبه غير مطعون فيها، وهو ما يعرف في الشرع والقانون بـ"شروط سماع الدعوى"، والغرض من هذه الشروط هو الحد مِن التلاعب والاحتيال والغصب في الملك العام أو الخاص، والإثبات يقبل التقادم؛ حيث إن الإعراض المديد عن رفع الدعوى والترك المتطاول لها مع التمكن من إقامتها يعد قرينةً وشاهدًا على عدم الحق ظاهرًا؛ لأن العادة جارية بأن الإنسان لا يسكت عن حقه مدة طويلة من غير مانع حسي أو معنوي، فتكون المطالبة بعد مضي هذه الفترة الطويلة محل تهمة؛ فإن من شروط صحة الدعوى أن تنفك عما يكذبها عرفًا وعادة، وليس ذلك مسقطًا للحق في نفسه؛ فإن الحق إذا ثبت لم يسقط بحال؛ فالكلام هنا في الإثبات لا في الثبوت.
وهذا المنع من سماع الدعوى ليس قاطعًا في عدم ثبوت الحق، وإنما هو ظنٌّ غالبٌ؛ بحيث إذا أقر الخصم به لزمه الحق، أو أن يثبت صاحب الحق صحة ما يدعيه بالبينات والقرائن التي لا معارض لها، وذلك بكافة وسائل الإثبات المتاحة لديه، والأمر في النهاية موكول إلى قاضي الموضوع ليقدر مدى توافر شروط المطالبة وانتفاء موانعها، خاصة إذا كان هناك نزاع مع أطراف أخرى.

المحتويات:

 

النهي عن أكل أموال الناس بالباطل

نهى الله تعالى عن أكل أموال الناس بالباطل فقال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ﴾ [النساء: 29].
وأخرج الإمامان البخاري ومسلم في "صحيحيهما" عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ ظَلَمَ قيدَ شِبْرٍ مِنَ الأَرْضِ طُوِّقَهُ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ».
وروى الإمام أحمد والدارقطني والبيهقي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا عَنْ طِيبِ نَفْسٍ منه».

موقف الشريعة الإسلامية من سقوط الحق بالتقادم

من القواعد الشرعية المقررة أن الحقوق مصونة شرعًا، وأن الحقوق متى ثبتت لا تسقط عن صاحبها بمرور الزمان، كما أن الغصب وسلب أموال الغير لا يثبت الحق للمغتصِب بمرور الزمان.
يقول العلامة ابن نجيم الحنفي في "الأشباه والنظائر" (ص: 188، ط. دار الكتب العلمية): [الحق لا يسقط بتقادم الزمان: قذفًا، أو قصاصًا، أو لعانًا، أو حقًّا للعبد] اهـ.
غير أن هناك فارقًا بين الثبوت والإثبات؛ فإن الحق ثابت في نفسه، لكنه يحتاج في إثباته إلى البينات أو القرائن التي تجعل نسبته إلى صاحبه غير مطعون فيها، وليس ذلك متعلقًا بثبوت الحق من حيث هو، وإنما هو منصبٌّ على شروط سماع الدعوى بإثباته، ولذلك وسائلُ رتَّبها القانون ورسم خطواتها للحد مِن التلاعب والاحتيال والغصب في الملك العام أو الخاص، ومن المقرر شرعًا أن تصرفات الحاكم مَنُوطة بالمصلحة؛ ولذا فله تقييد المباح.
وهذا ما عبر عنه بعض الفقهاء بالتقادم في رفع الدعوى والمنع مِن سماعها قضاءً؛ حيث جعلوا الإعراض المديد عن رفع الدعوى والترك المتطاول لها مع التمكن من إقامتها قرينةً وشاهدًا على عدم الحق ظاهرًا؛ لأن العادة جارية بأن الإنسان لا يسكت عن حقه مدة طويلة من غير مانع حسي أو معنوي، فتكون المطالبة بعد مضي هذه الفترة الطويلة محل تهمة؛ فإن من شروط صحة الدعوى أن تنفك عما يكذبها عرفًا وعادة، وليس ذلك مسقطًا للحق في نفسه؛ فإن الحق إذا ثبت لم يسقط بحال؛ فالكلام هنا في الإثبات لا في الثبوت.
ثم إن هذا المنع من سماع الدعوى ليس قاطعًا في عدم ثبوت الحق، وإنما هو ظن غالب بحيث إذا أقر الخصم به لزمه الحق.

وقد اختلف الفقهاء في تحديد مدة التقادم بحسب الأحوال، وبحسب الشيء المدَّعَى به، وبحسب القرابة وعدمها، ومدة الحيازة، والصحيح مرجعها إلى اجتهاد القاضي في ملابسات كل قضية.
ولا تسقط الدعوى بالتقادم إلا بعد أن يغلب على ظن القاضي علم المدعي بذلك، وأنه لا يوجد مانع للمدعي من المطالبة طيلة هذه الفترة.
يقول العلامة ابن نجيم الحنفي في "البحر الرائق شرح كنز الدقائق" (7/ 228، ط. دار الكتاب الإسلامي): [قال ابن الغرس: وفي "المبسوط": رجل ترك الدعوى ثلاثًا وثلاثين سنة، ولم يكن له مانع من الدعوى ثم ادَّعى: لم تُسمَع دعواه؛ لأن ترك الدعوى مع التمكن يدل على عدم الحق ظاهرًا. اهـ، وقدمنا عنهم: أنّ مِن القضاءِ الباطلِ القضاءَ بسقوط الحق بمُضِيِّ سنين، لكن ما في "المبسوط" لا يخالفه؛ فإنه ليس فيه قضاء بالسقوط، وإنما فيه عدم سماعها، وقد كثر السؤال بالقاهرة عن ذلك مع ورود النهي من السلطان -أيده الله- بعدم سماع حادثة لها خمسة عشر، وقد أفتيت بعدم سماعها عملًا بنهيه اعتمادًا على ما في خزانة المفتين. والله أعلم] اهـ.
وقال العلامة ابن عابدين في "العقود الدرية في تنقيح الفتاوى الحامدية" (2/ 4، ط. دار المعرفة): [اعلم أن عدم سماع الدعوى بعد مضي ثلاثين سنة أو بعد الاطلاع على التصرف ليس مبنيًّا على بطلان الحق في ذلك، وإنما هو مجردُ منعٍ للقضاة عن سماع الدعوى مع بقاء الحق لصاحبه؛ حتى لو أقر به الخصم يلزمه، ولو كان ذلك حكما ببطلانه لم يلزمْه، ويدل على ما قلناه تعليلهم للمنع بقطع التزوير والحيل كما مر فلا يرد ما في قضاء الأشباه من أن الحق لا يسقط بتقادم الزمان.. وليس أيضًا مبنيًّا على المنع السلطاني.. بل هو حكم اجتهادي نص عليه الفقهاء] اهـ.

الخلاصة

وبناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: إذا كان الحال كما ورد به فما دمت لم تسجل عقد البيع وقتذاك ولم تسكن به، فإن عليك عبءَ إثبات صحته بالبينات والقرائن التي لا معارض لها، وذلك بكافة وسائل الإثبات المتاحة لديك، والأمر في النهاية موكول إلى قاضي الموضوع ليقدر مدى توافر شروط المطالبة وانتفاء موانعها، خاصة إذا كان هناك نزاع مع أطراف أخرى.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

يعتري بعض الخاطبين حالةٌ من الغيرة الزائدة التي تصل أحيانًا إلى حد الشك وسوء الظن وقلة الثقة، من دون مبررٍ حقيقيٍّ لذلك. فما حكم الشرع في ذلك؟


سائل يسأل: عقد رجل زواجه على فتاة، وأثبت بالعقد أن المهر باق لحين زفافه، وتوفي قبل الزفاف. فما صحة هذا العقد؟ وما هي الآثار المترتبة عليه؛ كالميراث مثلًا؟


 هل تسقط الحضانة لامرأة مطلقةٌ تعمل في مكانين مختلفين، وهي حاضنة لطفلها، ولا تذهب إلى البيت إلا في وقت متأخر من الليل، حيث تمكث طوال النهار وجزءًا كبيرًا مِن الليل في العمل؟


ما حكم الزواج بقصد الإنجاب في المختبر من دون جماع والطلاق بعده؟ فأنا امرأة تجاوزتُ الأربعين من عمري، وكنت قد مررتُ بتجربة زواج سابقة، ولم يتيسَّر لي أمر الإنجاب، وذلك لوجود مشكلة صحية تتعلق بأني لا أُطيق العلاقة الزوجية؛ حيث عانيتُ في بداية حياتي الزوجية من وجود بكتريا حادَّة تمنع من الاتصال الجنسي، وحينما ذهبنا إلى الأطباء أخبروني بوجود فيروس يسمى "فيروس الهربس البسيط"، وأن العَدوَى به تستمر مدى الحياة، وعادة ما تكثر عند حصول العلاقة، وكنت أُعالَج أنا وزوجي في وقت واحد، واستمررنا على ذلك 3 سنوات، وإن تحسن الوضع قليلًا سرعان ما يرجع مرة أُخرى، فلم يتحمل طليقي الأمر، واتفقنا على الانفصال، وأنا الآن تعرفت على رجلٍ ذي خلق، واتفقنا على الزواج على أن لا يحدث بيننا معاشرة، ولكن نجري عملية الحقن المجهري بقصد الإنجاب الذي حرمتُ منه طول العمر، وهو قد رضي بذلك، إلَّا أنه أخبرني بيني وبينه بأنه بعدما يتم الإنجاب سوف ننفصل، وتراضينا على ذلك وتزوجنا.

فما حكم هذا الزواج شرعًا؟ وهل يدخل ضمن تأقيت النكاح المنهيِّ عنه؟

مع العلم أننا لم نكتب ما اتفقنا عليه وتراضينا في عقد الزواج، ومعي التقارير الطبية التي تفيد حالتي المرضية. أفيدونا أفادكم الله.


نرجو منكم بيان كيف حث الشرع الشريف على مراعاة الإحسان في المعاملة بين الزوجين. 


سُئل في رجل توفي وتوفيت بعده زوجته، وانحصر إرثها بالمناسخة في أولادهم الثلاثة، وقد رفع أحد هؤلاء الأولاد دعوى أمام المحكمة الشرعية الكلية المختصة على أخويه طلب فيها الحكم له عليهما بوفاة والديهم على التعاقب، وانحصار إرثهما في أولادهما -أي المدعي والمدعى عليهما- من غير شريك، وقد أنكر أخواه الدعوى، فأثبتها بالبينة المعدلة، فحكم القضاة للمدعي على أخويه بوفاة والديه، وبانحصار إرثهما في أولادهم الثلاثة المدعي والمدعى عليهما فقط، ولما استؤنف هذا الحكم إلى المحكمة العليا تَأَيَّد؛ لأنه حكم صحيح.
بعد ذلك رفعت دعوى ممن اشترى نصيب مدعي الوراثة على الورثة وعلى شخص غير وارث لكنه واضع اليد على بعض التركة، فقال واضع اليد: إن حكم الوراثة لم يكن في مواجهته، وأنه ينكر وراثة المدعي الذي هو أحد الأولاد.
فهل حكم المحكمة بنسب المدعي لأبويه ووراثته لهما؛ بناءً على دعوى شرعية أقام عليها بينة زكيت وعدلت شرعًا يكون حكمًا على المدعى عليهما وعلى جميع الناس ومنهم هذا الخصم الآخر، أم يكون مثل هذا الحكم قاصرًا على المدعى عليهما لا يتعداهما إلى غيرهما؟ نرجو الجواب، ولفضيلتكم من الله الثواب.