ما حكم البيع مع الوعد بخفض السعر وقت التسليم؛ فرجلٌ يتاجر في الحديد، ذهب إليه رجلٌ يحتاج حديدًا، فاشترى منه قَدْرًا معينًا ودفع ثمنه، وطلب من التاجر إبقاء الحديد عنده إلى حين طلبه دون زيادة في الثمن إن زاد يوم التسليم، ثم أضاف التاجر: "وإن انخفض الثمن يوم التسليم حاسبتك بسعر يوم التسليم". فما حكم هذا التعامل؟
بالنظر في التعامل محل السؤال نجده صورةً من صور البيوع، ويزيد عليه عرض البائع على المشتري أن يحاسبه بثمن يوم التسليم إذا انخفض السعر. والعقد بهذا الوصف يُكيَّف شرعًا على أنَّه بيعٌ مع الوعد بالتَّبرُّع من البائع بالحطِّ من الثمن إذا انخفض السعر يوم تسليم المبيع، ويد البائع على السلعة إلى موعد التسليم يد أمانة؛ فيصح البيع في هذه الحالة، ويثاب البائع على وفائه بالوعد، والوفاء بالوعد في هذه المعاملة مستحب، ما لم يدخل المشتري في التزامٍ نتيجة هذا الوعد فيكون الوفاء بالوعد حينئذٍ واجبًا؛ بحيث إن تَرَكه فاته فضل عظيم ووقع في الإثم شرعًا.
المحتويات
أباح الشرع الشريف العقود التي تحقق مصالح أطرافها إذا كانت خاليةً من الغش والغرر والضرر والربا وسائر الممنوعات، ومن أهم العقود التي أباحها الشرع الشريف -رفقًا بالعباد وتعاونًا على حصول معاشهم- عقد البيع؛ وهو كما جاء في "حاشيتا قليوبي وعميرة" (2/ 191): [عقد معاوضة مالية تفيد ملك عين أو منفعة على التأبيد لا على وجه القربة] اهـ.
والأصل في البيع أَنْ يُسَلِّم البائعُ المبيعَ، ويُسَلِّمَ المشتري الثمنَ، فتتحقق المبادلة بذلك، وقد يتفق الطرفان ويتراضيان على تعجيل الثمن وتأجيل تسليم المبيع الموجود إلى أجل، وكل هذا لا بأسَ به ما دام بالتراضي والاتفاق بين الطرفين.
وبالنظر في التعامل محل السؤال نجده صورةً من صور البيوع يلجأ إليها العاقدان -البائع والمشتري- أو أحدهما لتحقيق مصلحتهما أو مصلحة أحدهما؛ أما المشتري فيلجأ إليها طمعًا في ربط سعر الحديد خوفًا من زيادة الأسعار، كما أن هناك فائدةً قد تقع له إذا حدث انخفاض في الأسعار؛ حيث سيُعامَل بالسعر الأقل، والغرض الأول هو الأصل في لجوء المشتري إلى هذا التعامل، أما الثاني فإنْ وَقَعَ فَبِهَا ونعمت، وإن لا فلا بأس؛ إذ قد انتفع بتثبيت السعر. وأما البائع فيلجأ إليها طمعًا في تدوير رأس ماله وزيادة نشاطاته؛ حيث سيأخذ هذا المال ويستثمره في تجارته مما يحقق له نفعًا، فتتحقق بذلك منفعة المتعاقدَين: البائع والمشتري.
والتعامل المسؤول عنه أُضيفَ إليه شيءٌ جديدٌ عن الأصل السابق؛ وهو عرض البائع باختياره محاسبةَ المشتري بثمن يوم التسليم إن انخفض السعر.
وهذا العقد المسؤول عنه يُكيَّف شرعًا على أنَّه بيعٌ صحيحٌ باتٌّ مع وعد بالتَّبرُّع من البائع بالحطِّ من الثمن إذا انخفض يوم تسليم المبيع؛ ويد البائع على السلعة إلى موعد التسليم يد أمانة؛ وعلى ذلك فيصح البيع في هذه الحالة، ويثاب الإنسان على وفائه بالوعد أيضًا، فالوفاء بالوعد من مكارمِ الأخلاق وخصال الإيمان، وقد أثنى المولى سبحانه وتعالى على مَن صدق وعده، فامتدح سيدنا إسماعيل عليه السلام بقوله: ﴿إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ﴾ [مريم: ٥٤]، وكفى به مدحًا، وبما خالفه ذمًّا.
الوفاءُ بالوعد مُختَلَفٌ فيه من الناحية الفقهية على أقوالٍ:
القول الأول: الوعد مُلزِم ديانةً، وهو غير ملزِم قضاءً، إلا أنه يُكْرَه إخلافه، وهذا ما عليه الجمهور من الفقهاء.
قال العلامة السرخسي في "المبسوط" (21/ 29، ط. دار المعرفة): [والإنسان مندوب إلى الوفاء بالوعد من غير أن يكون ذلك مستحقًّا عليه] اهـ.
وقال العلامة القرافي في "الفروق" (2/ 24، ط. عالم الكتب): [أما مجرد الوعد فلا يلزم الوفاء به؛ بل الوفاء من مكارم الأخلاق] اهـ.
وقال الإمام النووي في "روضة الطالبين" (5/ 690، ط. المكتب الإسلامي): [الوفاء بالوعد مستحبٌّ استحبابًا متأكدًا، ويُكرَهُ إخلافه كراهةً شديدةً، ودلائله من الكتاب والسنة معلومة] اهـ.
وقال العلامة البهوتي الحنبلي في "كشاف القناع" (6/ 284، ط. دار الكتب العلمية): [(ولا يلزم الوفاء بالوعد) نص عليه -يعني الإمام أحمد- وقاله أكثر العلماء] اهـ.
وقال العلامة المرداوي في "الإنصاف" (11/ 152، ط. إحياء التراث): [لا يلزم الوفاء بالوعد على الصحيح من المذهب، نص عليه، وعليه الأصحاب؛ لأنه لا يحرم بلا استثناء. ﴿وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا ۞ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللهُ﴾ [الكهف: 23-24]، ولأنه في معنى الهبة قبل القبض. ذكره في الفروع. وذكر الشيخُ تقيُّ الدين رحمه الله وجهًا: أنه يلزمه، واختاره. قال في الفروع: ويتوجه أنه رواية من تأجيل العارية والصلح عن عوض المتلف بمؤجل] اهـ.
القول الثاني: الوعد ملزم ديانةً ويُقضى به، وهذا قولُ العلامة ابن العربي المالكي؛ حيث قال في "أحكام القرآن" (4/ 243، ط. دار الكتب العلمية): [والصحيح عندي أَنَّ الوعد يجب الوفاء به على كُلِّ حال إلا لعذر] اهـ.
القول الثالث: الوعد مُلزِم قضاءً إذا كان مُتَعلقًا بسببٍ مطلقًا، أي: سواء تَرتَّب عليه فعلٌ للموعود له أم لا؛ كأنْ وَعَدَ شخصٌ شخصًا آخرَ ببيع بيت مثلًا، فأَقْدَم الموعود بالشراء على تحضير بعض مواد البناء، وبه قال الإمام الغزالي؛ حيث قال في "الإحياء" (3/ 133، ط. دار المعرفة): [إذا فهم مع ذلك الجزم في الوعد فلا بد من الوفاء؛ إلَّا أن يتعذَّر]، وهو قول عند المالكية أيضًا؛ قال العلامة الخطاب المالكي في "تحرير الكلام في مسائل الالتزام" (1/ 154، ط. دار الغرب الإسلامي): [الوفاء بالعدة مطلوب بلا خلاف، واختلف في وجوب القضاء بها على أربعة أقوال.. فقيل: يُقضى بها مطلقًا، وقيل: لا يُقضى بها مطلقًا، وقيل: يُقْضى بها إن كانت على سبب وإن لم يدخل الموعود بسبب العدة في شيء كقولك: أريد أن أتزوج، أو أن أشتري كذا، أو أن أقضيَ غرمائي فأسلفني كذا... فقال: نعم. ثم بدا له قبل أن يتزوج أو أن يشتري أو أن يسافر، فإن ذلك يلزمه ويُقضى عليه به ما لم يترك الأمر الذي وعدك عليه، وكذا لو لم تسأله وقال لك هو من نفسه: أنا أسلفك كذا، أو أَهَب لك كذا لتتزوج، أو لتقضيَ دَينك، أو نحو ذلك، فإن ذلك يلزمه ويقضى عليه به، ولا يقضى بها إن كانت على غير سبب كما إذا قلتَ: أسلفني كذا، ولم تذكر سببًا، أو أعِرْنِي دابتك أو بقرتك، ولم تذكر سببًا -سفرًا ولا حاجة- فقال: نعم. ثم بدا له أو قال هو من نفسه: أنا أسلفك كذا، أو أهب لك كذا، ولم يذكر سببًا ثم بدا له. والرابع يقضى بها إن كانت على سبب، ودخل الموعود بسبب العِدَةِ في شيء، وهذا هو المشهور من الأقوال] اهـ.
القول الرابع: الوعد مُلزِم قضاءً إذا كان مُتَعلِّقًا بسبب، ودخل الموعود بسبب الوعد في شيء من الالتزام، وهو قول آخر عند المالكية أيضًا.
وعليه: فإنه لا يجب على البائع -تاجر الحديد- الالتزام بالحطيطة في الثمن إذا انخفض السعر يوم التسليم عنه يوم العقد، وإنما يُستَحَبُّ له ذلك، إلا إذا دخل المشتري بالتزامٍ نتيجة هذا الوعد.
ووجه عدم الوجوب بالوفاء بالوعد من البائع أَنَّ دخول المشتري في هذا البيع لم يكن مبنيًّا على هذا الوعد، وإنما كان لغرض آخر هو تثبيت السعر، وأن انخفاض السعر والحطيطة أمر تابع إن وَقَعَا فبها ونعمت، وإلَّا فلا يضر.
كما أَنَّ يد البائع على السلعة إلى حين تسليم السلعة للمشتري يد أمانة؛ فلا يضمن البائع ما تَلَف منها إلَّا بالتعدي أو التفريط بأن يستخدمها في غير ما جُعِلَتْ له أو لا يحفظها بما يحفظ مثلها به.
بناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فإن التعامل بهذه الصورة جائزٌ شرعًا، وهو من قبيل البيع مع الوعد مِن قِبَل البائع بالحطيطة في الثمن إذا انخفض الثمن يوم التسليم عنه في يوم التعاقد، ويستحب الوفاء بالوعد من البائع، إلَّا إذا دخل المشتري بالتزامٍ نتيجة هذا الوعد؛ فيجب على البائع حينئذٍ الوفاء بالوعد، ولو تَرَكه فاته فضل عظيم ووقع في الإثم.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ما هو الرأي الشرعي حول بيع السمك في الماء في الحالات الآتية:
- المزارع السَّمكية: تُعرَض عيّنةٌ من السمك على المشتري، ويُتَّفق على الكمية والسعر، ثم يتم التسليم.
- أسماك الزينة في الأحواض الزجاجية: تُعرَض الأسماك بأسعارها وهي في الحوض.
- الأحواض في المطاعم الكبرى: يختار الزبائن الأسماك وهي في الأحواض، ويكون البيع بالوزن أو بالعدد.
والسؤال: هل تتفق هذه البيوع -التي يتم فيها بيع السمك في الماء- مع ما هو موجودٌ في الفقه الإسلامي الموروث من نصوصٍ تُفيدُ النهيَ عن بيع السمك في الماء؟ مع العلم بأنَّ هذه الأحواض محددة المساحة ومُقسَّمة؛ بحيث يتم الوصول إلى ما فيها من أسماك بسهولةٍ ويسر حسب الكمية المتفق عليها بين البائع المشتري.
ما حكم الرجوع فيما تم شراؤه منذ مدة للاستفادة بانخفاض سعره؟ فقد اشترى رجلٌ ثلاجة من أحد المعارض، وفي اليوم التالي وجد تخفيضًا على مثيلتها في المعرض، ويريد أن يرجعها بسعرها الذي اشتراها به ليشتريها مرة أخرى بسعرها المنخفض، فهل هذا جائزٌ شرعًا؟
علمًا أنه قد جاء في بنود سياسة الاستبدال والإرجاع لهذا المنتج ما يلي:
في حالة رغبة العميل في استبدال أو استرجاع المنتج رغم عدم وجود عيب صناعة به خلال مدة الـ 14 يومًا من تاريخ استلام المنتج يراعى الآتي:
1- فى حالة أنه لم يتم فتح كرتونة الجهاز أو استخدمه والجهاز مازال بحالته الأصلية: طبقاً لنص المادة 17 من قانون حماية المستهلك، يحق للمستهلك طلب استبدال أو استرداد قيمة المنتج خلال 14 يومًا من تاريخ استلام المنتج، وذلك إذا لم يكن الجهاز به عيب صناعة، ولكن بشرط أن يكون بالحالة التى كانت عليها السلعة عند التعاقد (أي لم يتم فتحها أو استخدامها).
2- في حالة قيام العميل بفتح كرتونة الجهاز: طبقاً لنص المادة 17 فقرة 2 من قانون حماية المستهلك لايحق للمستهلك استبدال الجهاز أو استرجاعه في حالة فتح كرتونة الجهاز أو استخدام الجهاز في الحالات التالية: أ- إذا كانت طبيعة السلعة أو خصائصها أو طريقة تعبئتها أو تغليفها تحول دون استبدالها أو ردها أو يستحيل معها إعادتها للحالة التى كانت عليها وقت التعاقد.
ب- إذا لم تكن بذات الحالة التى كانت عليها وقت البيع بسبب يرجع إلى المستهلك.
واستثناءً من نص هذه المادة يتم استبدال المنتج مع تحصيل رد فرق السعر بين الموديلات إن وجد أو استرجاع الجهاز للعميل ورد قيمته ولكن بعد خصم (5%) تغليف من إجمالي قيمة الجهاز.
ما حكم الشرع في إضافة ما يُعرف بـ"المصنعية" إلى الثمن عند بيع الذهب والفضة المَصُوغَين؟ حيث يُضِيفُ تُجَّار المشغولات الذهبية مبلغًا مُحدَّدًا نظير تلك المصنعية التي تختلف باختلاف شكلِ القطعة ونوعها.
ما حكم إجبار الزوجة على بيع بيتها؟ فقد أخذ والدي من أمي ذهبها ونحاسها وأكمل عليه واشترى قطعة أرض وكتبها باسمها، وأقام والدي البيت من ماله الخاص، ولكن وقت الكتابة كان قد تزوج من امرأة أخرى وأنجب منها بنتًا عمرها أربعة أشهر، وكان لوالدي من أمي ابنان، بعد ذلك أنجب والدي من السيدة التي تزوجها ثلاثة أبناء، وأنجب من أمي بنتًا أخرى ليكون عدد الأولاد للسيدة الأولى ثلاثة: ذكران وأنثى، وللسيدة الثانية أربعة: ثلاثة ذكور وأنثى، علمًا بأن السيدة الثانية لم تساهم في ثمن الأرض بأي شيء.
والسؤال: أبي يريد بيع المنزل وإعطاء كل ذي حقٍّ حقه، فما هي القسمة الشرعية؟
هل يجوز استبدال مصوغات ذهبية جديدة بأخرى قديمة مع دفع الفرق؟ وهل يجوز بيع الذهب المصوغ بالآجل؟
أرجو من سيادتكم التكرم بإفادتنا حول هذا الموضوع:
جرت العادة من مئات السنين بين الفلاحين وغيرهم في قياس الأراضي أن يكون القياس بجمع كل ضلعين متقابلين، ثم قسمة حاصل الجمع لهذين الضلعين على 2، ثم ضرب الناتج من متوسط جمع كل ضلعين في بعضهما؛ ليكون ناتج الضرب هو مساحة هذه الأرض، وهذه الأراضي أغلبُها مسجل في الشهر العقاري والمحاكم من يوم أن قُنِّنَ بصحة التوقيع.
ومنذ ست عشرة سنة بعت أرضًا زراعية مساحتها 12 قيراطًا لرجل وأخيه، وكما جرت العادة تم قياس هذه المساحة في وجودي ووجود المشترييَن معًا، وتم وضع العلامات (الحديد) على الجوانب الأربعة لقطعة الأرض، وعليه فتسلمت الثمن واستلما الأرض.
ومنذ سنة تقريبًا اشترى مني نفس المشتري "قيراطين" بجوار الأرض السابقة ليضيفوها إلى مساحتها، ففوجئت بأنه يقيس بشكل مختلف عن سابقه، ولما سألته قال لي: القياس حديثًا يقاس بما يُسمَّى قياس "الوتر"، ولَمّا سألتُه عن الفرق بين القديم والحديث قال: قياس الوتر لمساحة ما يزيد عن القياس القديم بفرقٍ ما، وإذ بالمشتريين يطلبون منه إعادة القياس بالوتر للمساحة التي اشتروها مني منذ ست عشرة سنة، واندهشت من هذا الطلب الذي يلغي تمامًا قاعدة العرف الذي جرى عليها الناس في السنوات الماضية ومئات السنين، لكن لم يسمعا وجهة شرح الموضوع، وفرضا عليَّ القياس مرة أخرى، وعلى أساسه طلع الفرق 90 مترًا بين القديم والحديث، فقلت لهم: معنى ذلك أن كل العقود من مئات السنين يرجع فيه المشتري على البائع بهذا القياس، ويطالبوا بهذا الفرق بالمساحات، أو بأثمانها بالأسعار الجارية.
فنرجو من فضيلتكم إبداء الرأي الشرعي في هذه المسألة بما يفيد، ولكم جزيل الشكر.