ما حكم شرب القدر الذي لا يسكر من البيرة؟
القدر الذي لا يسكر من البيرة محرَّم شرعًا؛ لأنه كالخمر، واسم الخمر يتناول كل مسكرٍ؛ سواء كان الإسكار بالقليل منه أو الكثير.
المحتويات
البيرة: مشروب كحولي، يتم إنتاجه خلال عملية تخمير محتوياته الأساسية التي هي عادةً الماء ومصدر لمادة النشاء بحيث تكون قابلةً للتخمر، كالشعير ونحوه، وهو شراب مسكر مُغيِّب وساتر للعقل كالخمر، وكل ما خامر العقل وستره هو خمر ومحرم شرعًا قليله وكثيره، ومن الأدلة على ذلك قول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الخَمْرُ وَالمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ العَدَاوَةَ وَالبَغْضَاءَ فِي الخَمْرِ وَالمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ﴾ [المائدة: 90-91]، وأخرج الإمام مسلم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ، وَكُلُّ خَمْرٍ حَرَامٌ»، وروى أبو داود عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لَعَنَ اللهُ الْخَمْرَ، وَشَارِبَهَا، وَسَاقِيَهَا، وَبَائِعَهَا، وَمُبْتَاعَهَا، وَعَاصِرَهَا، وَمُعْتَصِرَهَا، وَحَامِلَهَا، وَالْمَحْمُولَةَ إِلَيْهِ».
قال العلامة ابن قدامة في "المغني" (9/ 158، ط. مكتبة القاهرة): [وثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم تحريم الخمر بأخبار تبلغ بمجموعها رتبة التواتر] اهـ.
الخمر يتناول كل شراب مسكر، سواء أكان من العنب أم من غيره، وهذا ما عليه جمهور الفقهاء، ويدل على ذلك ما جاء في "البخاري" عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: خطب عمر رضي الله عنه على منبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: "إنه قد نزل تحريم الخمر، وهي من خمسة أشياء: العنب، والتمر، والحنطة، والشعير، والعسل، والخمر ما خامر العقل".
وما رواه البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "كنت أسقي أبا عبيدة، وأبا طلحة، وأُبَيَّ بن كعب من فضيخ زهو وتمر، فجاءهم آتٍ، فقال: إن الخمر قد حُرِّمت، فقال أبو طلحة: قم يا أنس فأهرقها، فأهرقتها". والفَضيخ: شراب يتَّخذ من البُسْر -ثمر النَّخل قبل أَن يرطب- من غير أَن تمسه النَّار، والزَّهْو: البُسْر الذي يحمرُّ أو يصفرُّ قبل أن يترطب.
ولقد حُرِّمَتُ الخمر بالمدينة، وكانت صناعته من البُسر والتمر؛ فلقد روى البخاري عن بكر بن عبد الله أن أنس بن مالك رضي الله عنه حدثهم: "أن الخمر حرمت، والخمر يومئذٍ البسر والتمر"؛ قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في "فتح الباري" (10/ 49، ط. دار المعرفة): [قال القرطبي: الأحاديث الواردة عن أنس وغيره على صحتها وكثرتها تبطل مذهب الكوفيين القائلين بأن الخمر لا يكون إلا من العنب، وما كان من غيره لا يسمى خمرًا ولا يتناوله اسم الخمر، وهو قول مخالف للغة العرب وللسنة الصحيحة وللصحابة؛ لأنهم لمَّا نزل تحريم الخمر فهموا من الأمر باجتناب الخمر تحريم كل مسكر، ولم يفرقوا بين ما يتخذ من العنب وبين ما يتخذ من غيره، بل سوَّوا بينهما وحرموا كل ما يسكر نوعه، ولم يتوقفوا ولا استفصلوا ولم يشكل عليهم شيء من ذلك، بل بادروا إلى إتلاف ما كان من غير عصير العنب، وهم أهل اللسان وبلغتهم نزل القرآن، فلو كان عندهم فيه تردد لتوقفوا عن الإراقة حتى يستكشفوا ويستفصلوا ويتحققوا التحريم، لمَّا كان مقررًا عندهم من النهي عن إضاعة المال، فلما لم يفعلوا ذلك وبادروا إلى الإتلاف علمنا أنهم فهموا التحريم نصًّا فصار القائل بالتفريق سالكًا غير سبيلهم، ثم انضاف إلى ذلك خطبة عمر رضي الله عنه بما يوافق ذلك وهو ممن جعل الله الحق على لسانه وقلبه، وسمعه الصحابة وغيرهم فلم ينقل عن أحد منهم إنكار ذلك، وإذا ثبت أن كل ذلك يسمى خمرًا لزم تحريم قليله وكثيره، وقد ثبتت الأحاديث الصحيحة في ذلك ثم ذكرها، قال: وأما الأحاديث عن الصحابة التي تمسك بها المخالف فلا يصحُّ منها شيء على ما قال عبد الله بن المبارك وأحمد وغيرهم، وعلى تقدير ثبوت شيء منها فهو محمول على نقيع الزبيب أو التمر من قبل أن يدخل حد الإسكار جمعًا بين الأحاديث، قلت: ويؤيده ثبوت مثل ذلك عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما سيأتي في باب نقيع التمر ولا فرق في الحلِّ بينه وبين عصير العنب أول ما يعصر، وإنما الخلاف فيما اشتد منهما، هل يفترق الحكم فيه أو لا؟ وقد ذهب بعض الشافعية إلى موافقة الكوفيين في دعواهم أن اسم الخمر خاص بما يتخذ من العنب مع مخالفتهم له في تفرقتهم في الحكم وقولهم بتحريم قليل ما أسكر كثيره من كل شراب، فقال الرافعي: ذهب أكثر الشافعية إلى أن الخمر حقيقة فيما يتخذ من العنب مجاز في غيره، وخالفه ابن الرفعة فنقل عن المزني وابن أبي هريرة وأكثر الأصحاب أن الجميع يسمى خمرًا حقيقة، قال: وممن نقله عن أكثر الأصحاب القاضيان أبو الطيب والروياني وأشار ابن الرفعة إلى أن النقل الذي عزاه الرافعي للأكثر لم يجد نقله عن الأكثر إلا في كلام الرافعي، ولم يتعقبه النووي في "الروضة"، لكن كلامه في "شرح مسلم" يوافقه، وفي "تهذيب الأسماء" يخالفه، وقد نقل ابن المنذر عن الشافعي ما يوافق ما نقلوا عن المزني فقال: قال إن الخمر من العنب ومن غير العنب، عمر وعلي وسعيد وابن عمر وأبو موسى وأبو هريرة وابن عباس وعائشة ومن التابعين سعيد بن المسيب وعروة والحسن وسعيد بن جبير وآخرون وهو قول مالك والأوزاعي والثوري وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق وعامة أهل الحديث، ويمكن الجمع بأن من أطلق على غير المتخذ من العنب حقيقة يكون أراد الحقيقة الشرعية، ومن نفى أراد الحقيقة اللغوية، وقد أجاب بهذا ابن عبد البر، وقال: إن الحكم إنما يتعلق بالاسم الشرعي دون اللغوي. والله أعلم. وقد قدمت في باب نزول تحريم الخمر وهو من البسر إلزام من قال بقول أهل الكوفة إن الخمر حقيقة في ماء العنب مجاز في غيره أنه يلزمهم أن يجوزوا إطلاق اللفظ الواحد على حقيقته ومجازه؛ لأن الصحابة لما بلغهم تحريم الخمر أراقوا كل ما كان يطلق عليه لفظ الخمر حقيقة ومجازًا، وإذا لم يجوزوا ذلك صحَّ أن الكل خمر حقيقة ولا انفكاك عن ذلك، وعلى تقدير إرخاء العنان والتسليم أن الخمر حقيقة في ماء العنب خاصة فإنما ذلك من حيث الحقيقة اللغوية، فأما من حيث الحقيقة الشرعية فالكل خمر حقيقة؛ لحديث «كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ» فكل كان خمرًا وكل خمر يحرم قليله وكثيره، وهذا يخالف قولهم. وبالله التوفيق] اهـ.
تحريم القليل من المسكر ككثيره هو المفتى به عند الحنفية؛ قال العلامة الحصكفي صاحب "الدر المختار" (6/ 455، ط. دار الفكر): [وحرمها محمد، أي الأشربة المتخذة من العسل والتين ونحوهما مطلقًا، قليلها وكثيرها، وبه يفتى، ذكره الزيلعي وغيره، واختاره شارح "الوهبانية"، وذكر أنه مروي عن الكل] اهـ.
قال العلامة ابن عابدين في "رد المحتار على الدر المختار" (6/ 455، ط. دار الفكر): [قوله: (وبه يفتى) أي: بقول محمد، وهو قول الأئمة الثلاثة؛ لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ، وَكُلُّ خَمْرٍ حَرَامٌ» رواه مسلم، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ» رواه أحمد وابن ماجه والدارقطني وصححه، وقوله: (وغيره) كصاحب "الملتقى"، و"المواهب"، و"الكفاية"، و"النهاية"، و"المعراج"، و"شرح المجمع"، "وشرح درر البحار"، والقهستاني، والعيني، حيث قالوا: الفتوى في زماننا بقول محمد لغلبة الفساد، وعلَّل بعضهم بقوله: لأن الفساق يجتمعون على هذه الأشربة ويقصدون اللهو والسكر بشربها، أقول: والظاهر أن مرادهم التحريم مطلقًا وسدُّ الباب بالكلية] اهـ.
عليه: فالقدر الذي لا يسكر من البيرة محرَّم؛ لأنه كالخمر، واسم الخمر يتناول كل مسكرٍ، قليله وكثيره.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ما حكم التشارك في الطعام والشراب في إناء واحد؟ فنحن مجموعة من الشباب خرجنا معًا في رحلة، وجلسنا في استراحة الطريق لنتناول الغداء، فكنا نأكل في طبق واحد، ونتناوب زجاجة الماء نشرب منها جميعًا، فأَنِف أحدنا من هذا الفعل، وأنكر علينا إنكارًا شديدًا بحجة أنه قد تنتقل بسبب ذلك الأمراض، فرد عليه أحد الزملاء بأن ما نقوم به من التشارك في إناء الطعام والشراب سنة نبوية، فلا يجوز أن تنكر علينا ذلك، فما صحة هذا الكلام؟
ما حكم الشرع في لون يُستخدم في الطعام اسمه Red 40 وهو يستخرج من قشرة حشرة لونها أحمر، ويتم تذويب القشرة لاستخراج اللون الأحمر لاستخدامه في العديد من الحلوى مثل M & MS. هل يجوز أكل اللون؟
ما حكم عمل الوليمة عند الزواج؟
ما حكم الكتابة على التورتة؛ مثل كتابة جملة: "عيد ميلاد سعيد" وغيرها؟ وما حكم طباعة الصور عليها كذلك؟
ما حكم صيد السلاحف البحرية وتهديدها بالانقراض؟ ففي إطار التعاون الوثيق بين دار الإفتاء المصرية وجهاز شئون البيئة، يطيب الإشارة إلى أنه في إطار قيام جهاز شئون البيئة برصد وتقييم المهددات التي تواجه وتؤثر على تواجد مجتمعات السلاحف البحرية في بيئاتها الطبيعية على السواحل المصرية بالبحر الأحمر المتوسط -أحد أهم مناطق تعشيش وتغذية السلاحف البحرية على مستوى الإقليم-، وذلك نظرًا للدور المهم الذي يقوم به هذا النوع في حفظ توازن وصحة النظام البيئي البحري، وفي ضوء دراسة تلك العوامل المهددة لها، تم تسجيل قيام فئة من الصيادين -سواء من خلال استهداف صيدها، أو خروجها بصورة عرضية في الشباك أو السنانير- بالاتجار بها في أسواق (حلقات) الأسماك بالمناطق الساحلية المتوسطية الرئيسية مثل: بورسعيد، دمياط، الإسكندرية؛ لاستغلاها في ظاهرة (شرب دم السلاحف) كأحد التقاليد الشعبية التي لا أساس لها من الصحة الطبية، أو الدينية؛ حيث تؤكد التقارير والشهادات أن هذا النوع من السلوكيات يتم تنفيذها على النحو التالي:
- تُنفذ هذه الظاهرة في صباح يومي الجمعة والأحد من كل أسبوع، وبناءً عليه: يتم تخزين السلاحف التي يتم صيدها قبل تلك الأيام بصور غير أخلاقية؛ حيث يتم قلبها على ظهرها مما يصيبها بالشلل التام، وكذلك التأثير على دورتها الدموية.
- تنفذ هذه العملية بصورة سرية؛ وذلك لإدراك الصيادين والتجار والمستهلكين بمخالفة القانون بالاتجار في السلاحف البحرية، بحكم قانون حماية البيئة رقم (4) لسنة 1994م، والمعدل بالقانون رقم (9) لسنة 2009م، ولائحته التنفيذية، لحمايتها من الانقراض، وحفاظًا على سلامة النظام البيئي البحري.
- يقوم التاجر أو الجزار بتعليق السلحفاة حيَّة، ويقوم بقطع جزء من الذيل حتى يتم تصفية الدم في أكواب، وبعد تصفية دمها يقوم بذبحها وتقطيع لحمها وبيعه. فهل هذا الذبح مطابق للشريعة الإسلامية ويجوز أكل لحمه في هذه الحالة؟
- يعتقد المستهلكون أن هذا الدم له قدرة على تحقيق كافة الرغبات والأمنيات، للرجال والنساء على حد سواء؛ مثل: الحمل، الجمال، القدرة الجنسية.. الخ.
- بسؤال مجموعة من المستهلكين لهذا الدم، أفادوا باعتقادهم أن هذا الدم هو من سمكة وهو حلال، علمًا بأن السلاحف البحرية ليست سمكة، وإنما هي من أنواع الزواحف، فهل شرب دمها حلال؟
وفي هذا الصدد، وفي ضوء ما سبق، وفي إطار حرص جهاز شئون البيئة على حماية البيئة والأنواع المهددة بخطر الانقراض، وكذلك حماية الإنسان من السلوكيات الخاطئة التي تخالف الشرع والعقل على حد سواء، فإننا نهيب بسيادتكم لاستصدار فتوى موثقة، بما يتراءى لكم من أدلةٍ شرعية بحكم الشرع في هذا السلوك إجمالًا؛ نظرًا لتهديده سلامة النظام البيئي، وحكم الذبح، وكذلك شرب الدم على الحالة المشار إليها بعاليه.
ونحن على ثقة من أن إظهار الحكم الشرعي لهذه الظاهرة سيكون له أثر إيجابيّ في القضاء عليها بصورة تفوق محاولات تشديد الرقابة وتطبيق القانون.
شاكرين لسيادتكم خالص تعاونكم معنا، ودعمكم الدائم لقضايا البيئة والحفاظ على التنوع البيولوجي، وتفضلوا بقبول فائق الاحترام.
ما هو حكم الخمر، وما دليل تحريمه في القرآن؟