ما حكم من ذهب لأداء العمرة وترك الحلق أو التقصير وحلَّ من إحرامه، هل عليه شيء؟
الذي عليه جمهور الفقهاء أن الحلق أو التقصير من مناسك العمرة؛ فمن ترك هذا النسك فقد ترك واجبًا يُجبر بدم، وهذا هو الأصل، ومن العلماء من قال بعدم نسكيَّتِهما، بل هما استباحة محظور كان محرَّمًا؛ كاللباس والطيب وسائر المحظورات، فيحصل التحلل بدونهما، ولا شيء على من تركهما، فمن لم يتيسر له الذبح فليأخذ بهذا القول.
المحتويات
اتفق الفقهاء على أن العمرة لها تحلُّلٌ واحد، ويحصل بأمرين: الطوف والسعي، وكذلك بالحلق أو التقصير عند من يقول بِنُسُكِيَّتهِ؛ قال الإمام النووي الشافعي في "المجموع شرح المهذب" (8/ 232، ط. دار الفكر): [وأما العمرة: فليس لها إلا تحلُّلٌ واحد بلا خلاف، وهو بالطواف والسعي، ويُضم إليهما الحلق إن قلنا هو نسك، وإلَّا فلا] اهـ.
ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية، وهو قول عند الشافعية ورواية للحنابلة، إلى أنَّ الحلق أو التقصير نُسُكٌ من مناسك العمرة؛ فلا يحصل التحلل منها إلا بفعل واحد منهما، ومن تركه فعليه دم.
بينما ذهب بعض الفقهاء؛ كأبي ثور، وأبي يوسف، وبعض المحققين من الحنفية والمالكية، وهو قول عند الإمام الشافعي ورواية عند الإمام أحمد: إلى أنَّ الحلق أو التقصير ليس نُسُكًا؛ بل هما استباحة محظور كان محرَّمًا؛ كاللباس والطيب وسائر المحظورات، فيحصل التحلل بدونهما، ولا شيء على من تركهما.
قال العلَّامة ابن رُشد الحفيد في "بداية المجتهد" (2/ 132، ط. دار الحديث): [وبالجملة: فمن جعل الحِلَاق أو التقصير نُسُكا: أوجب في تركه الدم، ومن لم يجعله من النسك: لم يوجب فيه شيئًا] اهـ.
وقال الإمام ابن قُدامة الحنبلي في "المُغني" (3/ 387، ط. مكتبة القاهرة): [فصلٌ: والحلق والتقصير نُسُكٌ في الحج والعمرة، في ظاهر مذهب أحمد، وقول الخرقي، وهو قول مالك وأبي حنيفة والشافعي. وعن أحمد: أنه ليس بنسك، وإنما هو إطلاق من محظور كان محرمًا عليه بالإحرام، فأطلق فيه عند الحل، كاللباس والطيب وسائر محظورات الإحرام. فعلى هذه الرواية: لا شيء على تاركه، ويحصل الحل بدونه، ووجهها: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر بالحل من العمرة قبله] اهـ.
وقد استدل الجمهور على نُسُكِيَّتِهما بعموم النصوص الواردة بالأمر بهما في الحج والعمرة؛ كقول الله تعالى: ﴿لَقَدْ صَدَقَ اللهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ﴾ [الفتح: 27].
وحديث عبد الله بن عُمرَ رضي الله عنهما: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم حلقَ يَوم الْحدَيبِيَةِ وطائفة من أصحابه وقصَّر بعضهم، فقال النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُحَلِّقِينَ» فقالَ رجلٌ: وللمُقصِّرين؟ فقال صلى الله عليه وآله وسلم: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُحَلِّقِينَ» حتى قالها ثلاثًا أو أربعًا، ثم قال: «وَلِلْمُقَصِّرِينَ» متفقٌ عليه.
وقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «إِذَا رَمَيْتُمْ وَحَلَقْتُمْ، فَقَدْ حَلَّ لَكُمُ الطِّيبُ وَالثِّيَابُ وَكُلُّ شَيْءٍ إِلَّا النِّسَاءَ» أخرجه الإمام أحمد في "المسند" وغيره، من حديث عائشة رضي الله عنها.
واستدل من يرى من الفقهاء عدم نُسُكيتهما بما ورد أنَّ المعتمر يحلُّ من عمرته إذا طاف وسعى، وإن لم يكن حلق ولا قصَّر، بل نقل بعض المحققين اتفاق أئمة الفتوى على ذلك؛ فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، قال: قدمت على النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالبطحاء وهو مُنِيخٌ فقال: «أَحَجَجْتَ؟» قلت: نعم، قال: «بما أهْلَلْتَ؟» قلت: لبيك بإهلالٍ كإهلال النبي صلى الله عليه وآله وسلم، قال: «أَحْسَنْتَ، طُفْ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ثُمَّ أَحِلَّ» متفق عليه.
فإنه صلى الله عليه وآله وسلم يخبر أنَّ المعتمر: يحل بعد الطواف بالبيت، والسعي بين الصفا والمروة؛ كما قال العلَّامة بدر الدين العيني في "عمدة القاري" (10/ 129، ط. دار إحياء التراث العربي).
وعن جابرٍ بن عبد الله رضي الله عنهما، في حديث الحج الطويل: أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم لَمّا سعى بين الصفا والمروة قال: «فَمَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيَحِلَّ وَلْيَجْعَلْهَا عُمْرَةً» أخرجه مسلم.
قال الإمام ابن بطال المالكي في "شرح صحيح البخاري" (4/ 447، ط. دار الرشد): [اتفق أئمة الفتوى على أن المعتمر يحلُّ من عمرته إذا طاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة وإن لم يكن حلق ولا قصَّر، على ما جاء في هذا الحديث، ولا أعلم في ذلك خلافًا، إلا شذوذًا رُوِيَ عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: "العمرة الطواف". وتبعه عليه إسحاق بن راهويه، والحجة في السنة لا في خلافها.. قال الطبري: وفي حديث أبي موسى رضي الله عنه بيان فساد قول من قال: إن المعتمر إن خرج من الحرم قبل أن يقصر أنَّ عليه دمًا، وإن كان قد طاف وسعى قبل خروجه منه] اهـ.
وقال الإمام ابن رشد الحفيد في "بداية المجتهد" (2/ 134): [واتفقوا على أنَّ المعتمر يحلُّ من عمرته إذا طاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة وإن لم يكن حلق ولا قصَّر؛ لثبوت الآثار في ذلك، إلا خلافًا شاذًّا، وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه يحل بالطواف] اهـ
وقال العلَّامة مجد الدين ابن الأثير في "الشافي في شرح مسند الشافعي" (3/ 419، ط. مكتبة الرشد): [معنى قوله: «فَلْيَحِلل وَلْيَجْعَلْهَا عُمْرَةً»: أنهم كانوا قد أحرموا بالحج، فلما وصلوا إلى مكة وطافوا وسعوا بقي عليهم من أعمال الحج: الوقوف والرمي والحلق وغير ذلك من باقي أعماله، فأمرهم أن ينقضوا فيه الحج ويجعلوا بدله عمرةً ويحلوا] اهـ.
وقد رجَّح هذا القولَ بعضُ العلماء:
قال الإمام الماوردي الشافعي في "الحاوي" (4/ 161، ط. دار الكتب العلمية): [وفي الحلاق قولان: أحدهما: نسك يتحلل به.. والثاني: أنه إباحة بعد حظر، وهو أقيس؛ لقوله تعالى: ﴿وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ﴾، فحظر الحلق وجعل لحظره غاية وهو التحلل، فلم يجز أن يكون نسكا يقع به التحلل. ولأن الأمر الوارد بعد الحظر يقتضي الإباحة؛ لقوله تعالى: ﴿ وَإذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا﴾، فكذا الأمر بالحلق بعد تقدم حظره يقتضي الإباحة. ولأن كل شيء لو فعله في غير وقته لزمته الفدية لم يكن فعله في وقته نسكًا؛ كالطيب واللباس وتقليم الأظافر. وينعكس بالرمي والطواف والسعي من حيث كان نسكا في وقته لم تجب فيه الفدية بتقدمه قبل وقته، فلما كان الحلق موجبًا للفدية قبل وقته: ثبت أنه ليس بنسك في وقته] اهـ.
وقال العلَّامة الدَّميري في "النجم الوهاج" (3/ 528، دار المنهاج): [قوله: (والحلق نسك على المشهور) وكذلك التقصير.. والثاني: أنه استباحة محظور كسائر محرمات الإحرام لا ثواب فيه؛ لأنه محرم في الإحرام فلم يكن نسكًا كلبس المخيط، واختاره القاضي أبو الطيب، وقال الماوردي: إنه الأقيس، وقال أبو يوسف: إنَّه سنة] اهـ.
العلماء مختلفون في نُسُكِيّة الحلق والتقصير في العمرة؛ فالقائلون بأنه نُسُكٌ أوجبوا على تاركه الدم، ومن رأوا أنه استباحة محظور وليس نسكًا جوَّزوا للمعتمر الإحلال بدونه؛ اكتفاءً بالطواف والسعي، والقولُ بأن التحلل من العمرة يحصل بدون الحلق أو التقصير قال به أئمة مجتهدون وعلماء محققون من أصحاب الفتوى والاجتهاد في مختلف المذاهب الفقهية، وقد تقرر أن تصرُّفات المكلفين بعد صدورها منهم محمولة على ما صحَّ من مذاهب المجتهدين وأقوالهم، ومتى وافق عمل العامي قول أحد المجتهدين ممن يقول بالصحة أو الحل كفاهُ ذلك، ولا إثم عليه باتفاق العلماء، وهذا هو المعتمد في الفتوى، والذي جرت عليه دار الإفتاء المصرية؛ قال العلامة محمد بخيت المطيعي مفتي الديار المصرية الأسبق في "الفتاوى" (1/ 225، ط. دار وهبة): [متى وافق عمل العامي مذهبًا من مذاهب المجتهدين ممن يقول بالحل أو بالطهارة كفاهُ ذلك، ولا إثم عليه اتفاقًا] اهـ.
بناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فالذي عليه جمهور الفقهاء أن الحلق أو التقصير من مناسك العمرة؛ فمن ترك هذا النسك فقد ترك واجبًا يُجبر بدم، وهذا هو الأصل، ومن العلماء من قال بعدم نسكيَّتِهما، فمن لم يتيسر له الذبح فليأخذ بهذا القول.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ما حكم من بيت النية بالعمرة ولم يتلفظ بها عند الميقات؟ فهناك رجلٌ أكرمه اللهُ بالعمرة، ونَوَى الإحرام قبل الميقات بعدما تجرَّد مِن المخيط ولبس ملابس الإحرام الخاصة، لكنه نَسِيَ التلفُّظَ بالتَّلْبِيَة عند المرور بالميقات، ولم يتذكر إلا بعده، فلَبَّى عند مَوضِع تَذَكُّرِهِ، فهل إحرامه صحيحٌ شرعًا؟
ما حكم النيابة في الحج عن المتوفى وشروط النائب؟ فأنا أمي ماتت قبل أن تؤدي فريضة الحج، وأريد أن أُنيب شخصًا يؤدي عنها فريضة الحج من مالي الخاص؛ فما هي الشروط الواجب توافرها في الشخص النائب عن أمي في الحج؟ وهل يلزم أن يكون من أهل بلدها؟ وهل هناك قدر مُحَدَّد من المال يُدْفَع لمَن يؤدي هذه الفريضة؟
هل يجوز للحاج أن يتوجه إلى عرفات يوم الثامن من ذي الحجة بدلًا من التوجه لِمِنًى؛ وذلك نظرًا للزحام الشديد الذي يحصل عند الصعود إلى عرفات؟
ما حكم مَن وقف بعرفة قبل الزوال فقط؟ وهل يجوز للحجاج أن ينفروا من عرفة قبل المغرب؟ وما حكم مَن وقف بها جزءًا من ليلة النحر فقط؟ وهل يجوز شرعًا أن تكون نفرة الحجيج من عرفات على مراحل لتتم النفرة في سهولة ويسر لهذه الأعداد الغفيرة المتزايدة؟ وهل هذا يعتبر تغييرًا لمناسك الحج؟
ما هو الميقات المكاني لمن يحج عن المتوفى؟ فأنا مصري مقيم في الإمارات توفِّي لي قريب من مصر لم يحج عن نفسه مع استطاعته للحج، فهل يجب عليّ أن أحج عنه؟ وإذا كان يجب فما هو الميقات الواجب علي أن أحجّ منه؟
نحن شركة نقوم بدور الوساطة بين من يرغب في الحج عن ذويه وبين من يقوم بأداء الحج من المقيمين بالسعودية؛ حيث إننا نرى التكلفة باهظة جدًّا تصل إلى ثلاثين أو أربعين أو خمسين ألف جنيه، وبمناسبة وجودنا بالمملكة العربية السعودية واستطاعتنا تقديم هذه الخدمة فإننا نرغب في التوسط بين راغب الحجِّ عن ذويه وبين بعض الأفراد المقيمين بالسعودية لأدائه الحج؛ وذلك من خلال عقدٍ ملزمٍ بأدائه بالقيام بالحج وأداء القسم وبثمن أقل من ستة آلاف جنيه تقريبًا –تكلفة فعلية- نحن نوكله ونتولى تسهيل القيام له بأداء المناسك؛ فنكون بذلك وسطاء بين من يرغب الحج عن ذويه وبين من يقوم بذلك من خلال الحج الداخلي ضمن حملات داخلية؛ لذلك نرجو الإفتاء شرعًا في سؤالنا.