حكم ترك المبيت بمنى أيام التشريق في زمن الكورونا

تاريخ الفتوى: 16 نوفمبر 2020 م
رقم الفتوى: 5144
التصنيف: مستجدات ونوازل
حكم ترك المبيت بمنى أيام التشريق في زمن الكورونا

هل يجوز لأصحاب الأعذار وكبار السن والأمراض المزمنة الإقامة بمكة المكرمة أيام المبيت بمنى (أيام التشريق)؟ ولكم خالص الشكر والتحية.

المفتى به أن مبيت الحجاج بمنى في أيام التشريق سنة، وذلك في ظل ما نزل بالناس في هذه الأيام على المستوى العالمي من انتشار وباء كورونا الذي يسهل انتقاله عبر التجمعات البشرية المزدحمة، حيث يكون الجسم أكثر عرضة لالتقاط العدوى، ولا يلزمهم بذلك فدية؛ خاصة لكبار السن والمرضى وذوي المناعة الضعيفة.

المحتويات

 

التيسير في فتاوى الحج وأحكامه في زمن الوباء

المحافظة على النفس من أهم مقاصد الشريعة، ودرء المفاسد مقدَّم على جلب المصالح، وإذا تعارضت المصالح قدم أعلاها على حساب أدناها. ونفس المؤمن تتوق لأداء الحج إلا أن ذلك منوط بالاستطاعة، وقد جُعِلَ الإحصارُ عذرًا في ترك تكملة أداء الناسك. والمحافظة على أرواح الحجيج واجب شرعي؛ لعظم حرمتها؛ فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لَمّا نَظَرَ رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى الكعبة قال: «مَرحَبًا بكَ مِن بَيتٍ، ما أَعظَمَكَ وأَعظَمَ حُرمَتَكَ، ولَلمؤمنُ أَعظَمُ عندَ اللهِ حُرمةً منكَ» رواه البيهقي.

وفي هذه الأيام تزداد الحاجة إلى التيسير في فتاوي الحج وأحكامه؛ لتجنيب الحجيج ما قد يصيبهم من أمراض وأوبئة انتشرت في بلدان العالم؛ مثل وباء كورونا، خاصة في الأماكن التي يكثر فيها التجمع.

آراء المذاهب الفقهية في حكم المبيت بمنى ليالي التشريق

المبيت بمنى لياليَ التشريق مختلف فيه بين العلماء: فذهب الحنفية إلى أنه سنة، وهو قول للإمام الشافعي ورواية عن الإمام أحمد، وذهب المالكية إلى أنه واجب، وهو معتمد الشافعية والحنابلة.
قال العلاّمة الميرغناني الحنفي في "الهداية" (2/ 501-502 ط. دار الفكر-مع "العناية" للبابرتي-): [ويُكرَه أن لا يَبِيتَ بمنى لياليَ الرمي؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام بات بمنى، وعمر رضي الله عنه كان يُؤَدِّبُ على ترك المُقام بها. ولو بات في غيرها متعمدًا لا يلزمه شيء عندنا خلافًا للشافعي رحمه الله؛ لأنه وجب ليسهل عليه الرمي في أيامه فلم يكن مِن أفعال الحج، فتركه لا يوجب الجابر] اهـ.
والقول بسنية المبيت في منى هو قول للإمام الشافعي؛ قال الشيخ أبو إسحاق الشيرازي في "المهذب" (8/ 222 ط. المنيرية -مع المجموع-) في تعليله: [لأنه مبيت؛ فلم يجب، كالمبيت ليلةَ عرفة] اهـ.
ونقل العلاّمة المرداوي الحنبلي في "الإنصاف" (4/ 60، ط. دار إحياء التراث العربي) قولًا عن الإمام أحمد أيضًا أنه سنة. ويدل على القول بالسُّنِّيَّة ما رواه الشيخان عن ابن عمر رضي الله عنهما أن العباس رضي الله عنه استأذن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليبيت بمكة ليالي منى من أجل سقايته، فأذن له. ولو كان المبيت واجبًا لما رُخِّص في تركه لأجل السقاية، فعلم أنه سُنَّة. ومما يقوي القول بالسنية أيضًا أن يقال: إن المبيت ليس مقصودًا في نفسه، بل قد شُرِعَ لمعنى معقول، وهو الرفق بالحاج؛ بجعله أقرب لمكان الرمي في غده، فهو مشروع لغيره، لا لذاته، وما كان كذلك فالشأن فيه ألا يكون واجبًا.
وإذا أضفنا إلى ما سبق اعتبار ما يَعتَرِي الحجيجَ مِن تعب شديد وضيق مكان وخَوف مرض؛ خاصة مع انتشار وباء كورونا المستجد: كان القول بسنية المبيت بمنى وعدم وجوبه هو المختار للفتوى.

الواجب على من ترك المبيت بمنى

إذا قلنا بالسنية لا الوجوب فقد استحب الشافعية في ترك مبيت الأيام الثلاثة جميعًا جبره بدم، ومن ترك مبيت ليلة واحدة جبرها بالتصدق بمُدٍّ من طعام. قال الإمام النووي في "المجموع" (8/ 247، ط. دار الفكر): [فإن قلنا: المبيت واجب كان الدم واجبًا، وإن قلنا سنة فسنة] اهـ.
وقال الحنفية والإمام أحمد في رواية: إنه لا يلزم من ترك المبيت بمنى شيء.
وعلى القول بأن المبيت بمنى واجب فإنه يرخَّصُ للمضطر وصاحب العذر في ترك المبيت ولا إثم عليه حينئذ ولا كراهة ولا يلزمه شيء، ولا شك أن الخوف من الوباء من جملة الأعذار الشرعية المرعية. قال الإمام النووي في "منسكه" (ص: 399، ط. دار الحديث): [أما من ترك مبيت مزدلفة أو منى لعذر فلا شيء عليه، والعذر أقسام.. الثالث: مَن له عذر بسبب آخر؛ كمن يخاف على نفسه أو مال معه، فالصحيح أنه يجوز لهم ترك المبيت، ولهم أن ينفروا بعد الغروب ولا شيء عليهم] اهـ بتصرف يسير.

الخلاصة

بناءً على ذلك: فالمفتى به أن مبيت الحجاج بمنى في أيام التشريق سنة، وذلك في ظل ما نزل بالناس في هذه الأيام على المستوى العالمي من انتشار وباء كورونا الذي يسهل انتقاله عبر التجمعات البشرية المزدحمة، حيث يكون الجسم أكثر عرضة لالتقاط العدوى، ولا يلزمهم بذلك جبران؛ خاصة لكبار السن والمرضى وذوي المناعة الضعيفة.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

ما حكم القنوت في الصلاة لصرف فيروس كورونا؛ فقد انتشر فيروس كورونا الذي اجتاح بعض مدن الصين وانتقل لدول أخرى، ومات بسببه الكثير من الأشخاص؛ من المسلمين وغيرهم: فما حكم القنوت في الصلاة لرفع هذا الفيروس الوبائي والشفاء منه، أو لدفعه وصرفه عن من لم يصل إليهم؟ وهل يشرع القنوت للبلاد التي وقع فيهم هذا الفيروس، أم أنه مشروع من عموم البلدان؟ وهل يجوز الدعاء لعموم الناس، أم لخصوص المسلمين؟


ما هو الحكم الشرعي لقيام الزوجة بتغسيل زوجها المتوفى بوباء كورونا المستجد، وذلك في بعض الحالات التي لا يوجد فيها من الرجال من يغسله، أو لخوف بعضهم من العدوى؟


هل يجب على الرجل تحمُّل تكاليف حج زوجته؟


ما حكم قول المؤذن: "صلوا في رحالكم"، أو "الصلاة في بيوتكم"؟ وهل ورد ذلك في السنة النبويَّة؟ وما موضعها من الأذان؟ هل تكون بدل قوله: "حي على الصلاة، حي على الفلاح"، أم بعدها؟


ما حكم الحج عن المريض؟ فبرجاء التكرم والتفضل من سيادتكم بإعطائي الفتوى الشرعية عن حكم قيامي بالحج وحالتي الصحية غير منتظمة؛ حيث إنني مصاب بالتهاب كبدي -فيروس c- مزمن، وتضخم وتليف بالكبد، ومضاعفات عملية إزالة ورم حميدي نشط بالمخ، واضطراب في إفرازات الغدد الصماء، وكسل في الغدة الدرقية، وخشونة شديدة في المفاصل والعمود الفقري، وسيولة في الدم، وصرع، ويتم علاجي بالمُكَمِّلات الغذائية والمُسَكِّنات -24 صنف علاج يوميًّا-، ولا أقدر على الصلاة واقفًا، فأصلي على كرسي، وأتحرك دائمًا بالتوك توك -أعاذكم الله مِن مِثل هذه الأمراض-، مع ملاحظة أني تقدمت للحج في أكثر من جهة عن طريق القرعة والشركات السياحية منذ ثلاث سنوات. فهل عليَّ وزرٌ إذا لم أحج؟ وهل إذا ذهبت للحج يكون في ذلك إهلاك لنفسي؟ وماذا أفعل في حالتي هذه؟


ما حكم التطعيم بلقاح كورونا؛ فقد ورد طلب مُقدَّم من معالي السيد/ وزير الشؤون الإسلامية بماليزيا، والمتضمن:
توافقًا وتماشيًا مع القضايا الفقهية المستجدة المعاصرة لواقعنا، وانطلاقًا من قوله تعالى: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [النحل: 43]، تلتمس وزارة الشئون الإسلامية بماليزيا تبيين وتوضيح أحكام جائحة (كوفيد-19) كورونا المستجد، ومع ترقب إطلاق لقاح فيروس (كوفيد-19)، وما له من أهمية وأثر بالغين، وحيث إن موضوع الحل والحرمة أمر حساس، وله شأن كبير لدى المسلمين عامة، والماليزيين خاصة؛ فإننا نلتمس من دار الإفتاء المصرية المحترمة موافاتنا بحكم استخدام اللقاح بشكل فقهيٍّ منضبط ومؤصل، وذلك حرصًا لخدمة الدين الحنيف، ومواءمة لروح العصر وأحكامه؟ شاكرين لكم حسن إسهامكم لخدمة دين الله وأحكامه، ومشاركتكم لنا في ذلك.