حكم تغسيل الميت بمرض مُعدٍ

تاريخ الفتوى: 26 ديسمبر 2021 م
رقم الفتوى: 5859
التصنيف: مستجدات ونوازل
حكم تغسيل الميت بمرض مُعدٍ

ما حكم ترك تغسيل المتوفى بمرض مُعدٍ إذا قرر الأطباء أن العدوى تنتقل من خلال هذا إلى الحي؟

لا يجب تغسيل الشخص المتوفَّى بمرض مُعدٍ ما دام الغسل متعذرًا؛ لكونه مظنة حصول العدوى، وأن الأمر الذي يلي الغسل في اللزوم عند تعذره هو التيمم، فإن تعذر هو الآخر ولم يُتمكن من فعله للعدوى تُرِك وسقطت المطالبة به شرعًا، ولكن يبقى للميت بعد ذلك ما أمكن من التكفين والصلاة والدفن.

المحتويات

 بيان حكم تغسيل الميت

اتفق الفقهاء على أن تغسيل المتوفى حق للميت المسلم، وأن القيام به له فرض كفاية على المسلمين؛ فإذا قام به البعض سقطت المطالبة والإثم عن الباقين، وأما إذا لم يكن الميت مسلمًا، فلا يجب على المسلمين غسله.

قال الإمام الشافعي في "الأم" (1/ 312 ط. دار المعرفة): [حَقٌّ على الناس غسل الميت، والصلاة عليه، ودفنه، لا يسع عامتهم تركه، وإذا قام بذلك منهم مَن فيه كفاية له أجزأ إن شاء الله تعالى] اهـ.

وقال الإمام النووي في "المجموع" (5/ 119، ط. المنيرية): [لا يجب على المسلمين ولا غيرهم غسل الكافر بلا خلاف] اهـ.

بيان أقوال الفقهاء في الحكم عند تعذر تغسيل الميت

إن الفقهاء قد تدرجوا في الانتقال من الأصل إلى البدل في حالة تعذر الغسل وعدم إمكان تعميم جميع بدن المتوفى بالماء، فأوجبوا غسل ما يمكن غسله من أعضائه، وهذا كله بناءً على قاعدة: "الميسور لا يسقط بالمعسور"، وهذه القاعدة من أشهر القواعد المستنبطة من قوله صلى الله عليه وآله وسلم: « إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ». انظر: "الأشباه والنظائر" لابن السبكي (1/ 155، ط. دار الكتب العلمية).

وتعذر غسل الميت قد يكون من أجله هو؛ كالمحروق، وقد يكون من أجل الغاسل والمغسول معًا؛ كالرجل بين النساء ولا محرم، أو العكس، وقد يكون من أجل خوف انتقال الضرر من المغسول إلى الغاسل بسبب تغسيله، وهذا الأخير هو الذي عليه مدار الحال المسئول عنه.

قال في "المنهاج" للنووي وشرحه "تحفة المحتاج" لشيخ الإسلام ابن حجر الهيتمي (3/ 184، ط. المكتبة التجارية الكبرى بمصر): [(ومن تعذر غسله)؛ لفقد ماء، أو لنحو حرق، أو لدغ، ولو غُسِّل تهرَّى، أو خيف على الغاسل ولم يمكنه التحفظ (يُمِّم) وجوبًا، كالحي] اهـ. قال مُحَشِّيه العلامة الشرواني: [(قوله: أو خيف... إلخ) عطف على تهرَّى؛ أي: ولو غُسِّل تهرَّى الميت، أو خيف على الغاسل من سراية السم إليه. كردي] اهـ.

والقول بترك الغسل إن خيف على الغاسل من سراية السم نص جلي في ترك الغسل إن خيف على الحي الضرر.

وقد نَصَّ فقهاء المالكية على أن الغسل يسقط فيما هو أهون من ذلك، مثل أن تكثر الموتى جدًّا فيشق غسلهم؛ كما يحدث في الوباء ونحوه.

قال العلامة الموَّاق في "التاج والإكليل" (3/ 46، ط. دار الكتب العلمية): [ولو نزل الأمر الفظيع بكثرة الموتى، فلا بأس أن يدفنوا بغير غسل، إذا لم يوجد من يغسلهم، ويجعل النفر منهم في قبر واحد، وقاله أصبغ وغيره] اهـ.

وقال في "مختصر خليل وشرحه" لسيدي أحمد الدردير (1/ 420 مع "حاشية الدسوقي"، ط. دار إحياء الكتب العربية): [(و) جاز (عدم الدلك لكثرة الموتى) كثرة توجب المشقة؛ أي: الفادحة فيما يظهر, وكذا عدم الغسل، ويُيَمَّم مَن أمكن تيممه منهم، وإلا صلى عليهم بلا غسل وتَيَمُّم على الأصح] اهـ. قال مُحَشِّيه العلامة الدسوقي: [(قوله: المشقة الفادحة)؛ أي: في الدلك، والمراد بها: الخارجة عن المعتاد. (قوله: وكذا عدم الغسل)؛ أي: وكذا يجوز عدم الغسل؛ لكثرة الموتى كثرة توجب المشقة الفادحة في تغسيلهم بلا دلك. (قوله: وإلا صلى)؛ أي: وإلا بأن كان يشق تيممهم مشقة فادحة صلى عليهم بلا غسل وبلا تيمم, وهذا لا يعارض ما مر من قوله: (وتلازما)؛ لما علمت أن المراد تلازما في الطلب، ولا شك أن الغسل مطلوب عند كثرة الموتى ابتداءً، وإن اغتفر تركه؛ للمشقة الفادحة] اهـ.

ولا شك أن المشقة تتعلق بالحاجيات، وهي مرتبة أدنى من الضروريات، فما جاز تركه للحاجة جاز تركه للضرورة من باب أولى، وحفظ النفس من أهم الضروريات.

والمقصود أن نقرر أن الميت إذا لم نستطع تغسيله لعذر شرعي، فإنه يُنتَقَل إلى التيمم، فإن لم نستطعه فقد سقط التيمم أيضًا، لكن يبقى له ما يكون بعد ذلك مما يتيسر من التكفين والصلاة والدفن؛ لأن "الميسور لا يسقط بالمعسور".

الخلاصة

الخلاصة: أنه لا يجب تغسيل جثث الأشخاص المتوفّين بمرض مُعدٍ ما دام الغسل متعذرًا؛ لكونه مظنة حصول العدوى، وأن الأصل الذي يلي الغسل في اللزوم عند تعذره هو التيمم، فإن تعذر هو الآخر ولم يمكن ارتكابه للعدوى تُرِك وسقطت المطالبة به شرعًا، ولكن يبقى للميت بعد ذلك ما أمكن من التكفين والصلاة والدفن.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

في مواكبة مستجدات العصر كيف نوفق برأي فضيلتكم بين فقه الواقع وفقه الأحكام؟


ما حكم الامتناع عن دفن موتى كورونا؛ فقد فوجئنا بامتناع البعض عن دفن المتوفين من جراء وباء كورونا؛ حتى إن بعض أهالي قرية من القرى تجمهروا رافضين دفن إحدى طبيبات القرية في مدفن أسرتها، بعد أن توفيت؛ بسبب مباشرتها المستمرة لعلاج مرضى كورونا، حتى تدخلت قوات الأمن وأنهت المشكلة، وتم الدفن بالفعل، فهل يجوز الامتناع عن دفن من ماتوا بسبب هذا الوباء بحجة أن دفنهم سيعدي الأماكن من حولهم؟


هل الدعاء للميت بعد دفنه يكون سرًّا أم جهرًا؟


ما حكم التهرب من الخدمة العسكرية؟


ما حكم الصلاة في البيت لعذر؟ وما الأجر المترتب على ذلك؟ فقد تلقَّينا خبرَ وقف الصلوات في المساجدِ بسبب فيروس كورونا بحزنٍ شديد؛ حيث إننا ولله الحمد والمنَّة من المحافظين على صلاة الجمعة والجماعة في المسجد مهما حدث من ظروف؛ طمعًا في ثوابها وقبولها، والآن حُرِمنا هذه الفضيلة، وقد سمعنا أنه إذا حال بيننا وبين صلاة الجماعة أمرٌ خارجٌ عنا وصلينا في البيت، فحينئذٍ نأخذ أجر الجماعة، فهل هذا صحيح؟


ما حكم بيع وشراء العملات والحسابات داخل الألعاب الإلكترونية؟ حيث توجد بعض الألعاب المنتشرة على شبكة الإنترنت تكون بين مجموعة من اللاعبين، يأخذ كل متسابق في بداية اللعبة عددًا من العملات الخاصة باللعبة (coins)، فإذا خسر قَلَّ عدد هذه العملات، وإذا تقدم في اللعبة زاد عددها، كما أنَّ اللاعب عند وصوله إلى مستوى معين يكون قد جمع الكثير من هذه العملات ولا يكون في حاجة إليها، فيبيعها لغيره بأموال حقيقية، عن طريق تحويلها إلى حساب الشخص الآخر في اللعبة، أو يبيع حساب اللعبة (account) بالكامل، بأن يعطي اسم الحساب والرقم السري للمشتري؛ فما حكم ذلك شرعًا؟