ما حكم تعليق صور الصالحين؟ وهل صحيح أنها تمنع من دخول الملائكة؟
تعليق الصور الفوتوغرافية في البيت أمرٌ جائز شرعًا ما لم تشتمل على محرمٍ، فإذا ما كانت صورًا للصالحين أو لأصحاب الفضل صار ذلك مندوبًا إليه؛ لما في مشاهدة صورهم من البرّ بهم، وتذكرهم والاقتداء بصلاحهم، وقد ورد في أقوال العلماء ما يتضمن أن الرحمات تتنزل عند ذكر الصالحين.
والمقرر أن تلك الصور لا تمنع من دخول الملائكة؛ لأن المقصود بالصور التي تمنع دخول الملائكة هي التماثيل التي تُتَّخَذ للمضاهاة أو العبادة والتعظيم، أو لأن المقصود بالملائكة ملائكة الوحي، فيكون النهي مخصوصًا ببيت النبوة، ولامتناع مفارقة الحفظة من الملائكة للإنسان على كل حال.
المحتويات
التصوير الفوتوغرافي مصطلح مشتق من اللغة اللاتينية اليونانية مكون من شقين: الشق الأول: كلمة: (photo) وتعني: الضوء، والشق الثاني: كلمة: (Graphic)، وتعني الرسم أو الكتابة، فكلمة (Photographic) تعني بالعربية: الرسم بالضوء.
وحقيقته: أن يستخدم الـمُصَوِّر آلة -عدسة- مُصَمَّمة بطريقة تسمح بعكس المشهد الذي أمامها في وَسَطٍ يمكنه الاحتفاظ به؛ وذلك بواسطة تأثيرات ضوئية، ثم يمكنها بعد ذلك الاحتفاظ بذلك الانعكاس بداخلها؛ وهو ما يطلق عليه الصورة الفوتوغرافية.
وقد توصَّل العلماء لفكرة العدسات الناقلة للصورة من خلال دراستهم للعين البشرية، فآلة التصوير تشبه عمل العين في انعكاس الأجسام التي في حيز الضوء بداخلها، غير أن الآلة تعمل على تسجيلها على ذاكرتها حتى يمكن رؤيتها مرة أخرى.
قال العلامة الحسن بن الهيثم في كتابه "المناظر" (ص: 137، ط. التراث العربي): [قد تبيَّن فيما تقدم أن كلَّ جسم مضيء بأي ضوء كان، فإنَّ الضوء الذي فيه يصدر منه ضوء إلى كل جهة تقابله، فإذا قابل البَصَرُ مُبْصَرًا من المبصَرات وكان المبصَرُ مضيئًا بأي ضوء كان، فإنَّ الضوء الذي في المُبْصَر يرد منه ضوء إلى سطح البَصَرِ، وقد تبين أيضًا أن من خاصة الضوء أن يؤثر في البصر وأن من طبيعة البصر أن ينفعل بالضوء] اهـ.
ويقول العلامة بخيت المطيعي في "الجواب الشافي" (ص: 20، ط. المطبعة الخيرية): [إن أخذ الصور بالآلة المذكورة على ما قد علمناه من الثقات في ذلك، أنه عبارة عن حبس الظل بطريقة مخصوصة معلومة لأربابها، ومن المعلوم في كيفية حدوث الظل أن كل جسم كثيف إذا قابل جرمًا منيرًا حدث للجِرْم الكثيف ظلٌّ في الجهة القابلة للجِرْم المنير] اهـ.
وإنما أُطْلِقَ اسم التصوير على التقاط الأشكال الفوتوغرافية مجازًا؛ تشبيهًا له بالتصوير اللغوي؛ فإن التصوير في أصل الوضع اللغوي هو مصدر "صوَّر"؛ أي: "جعل له صورة مجسَّمة"؛ كما في "المعجم الوسيط"، "والتصاوير: التماثيل"؛ كما في "الصحاح" للجوهري.
ولذلك فالتصوير الفوتوغرافي يختلف عن التصوير الذي ورد النهيُ الشرعيُّ عنه؛ إذ إنه يغايره في حقيقته ويباينه في علة تحريمه.
فأمَّا كونه مغايرًا له في الحقيقة؛ فالتصوير الفوتوغرافي: انحباس ظل، والتصوير الذي ورد النهي عنه: هو التمثيل أو ما جُعِل على نظير مثال سابق قابل للأبعاد الثلاثة، يقال: مثلت الشيء؛ أي: جعلت له مثالًا أو تمثالًا.
قال العلامة ابن منظور في "لسان العرب" (11/ 613، ط. دار صادر): [والتِّمْثالُ: الصُّورةُ، والجمع: التَّماثيل، ومَثَّل له الشيءَ: صوَّره حتى كأَنه ينظر إِليه] اهـ.
وقد تقرَّر في قواعد الفقه في مثل هذه الحالة أن "العبرة في الأحكام للمعاني لا للألفاظ والمباني"، فإذا تغير المعنى تغير الحكم؛ وإن تشابهت الألفاظ والمسميات. قال الإمام السرخسي الحنفي في "المبسوط" (12/ 201، ط. دار المعرفة): [والعبرة للمعنى دون الألفاظ] اهـ.
وأما كونه مباينًا له في علة التحريم: فقد حرم الشرع الشريف التصوير؛ لما ارتبط به في الجاهلية من العبادة والتقديس، أو مضاهاة خلق الله تعالى تحدّيًا وكبرًا.
قال الإمام ابن العربي المالكي في "أحكام القرآن" (4/ 9، ط. دار الكتب العلمية): [والذي أوجب النهي عنه في شرعنا -والله أعلم-: ما كانت العرب عليه من عبادة الأوثان والأصنام، فكانوا يُصَوِّرون ويعبدون، فقطع الله الذريعة وحمى الباب] اهـ.
وقال الإمام النووي الشافعي في "شرح مسلم" (14/ 91، ط. دار إحياء التراث العربي): [وأما رواية: «أشدُّ عذابًا» فقيل: هي محمولة على من فعل الصورة لتُعْبَدَ، وهو صانع الأصنام ونحوها فهذا كافر، وهو أشد عذابًا، وقيل: هي فيمن قصد المعنى الذي في الحديث من مضاهاة خلق الله تعالى واعتقد ذلك] اهـ.
فإذا زالت علة التحريم -وهي العبادة أو المضاهاة- زال التحريم وجاز اتخاذها واستعمالها؛ لما هو مقرر أنَّ الحكم يدور مع علته وجودًا وعدمًا، ويشهد لذلك أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى أن توضعَ الصورة في البيت في موضع يشغله عن الصلاة، ثم أباحها للمصلحة إذا زالت هذه العلل عنها؛ فروى الإمام مسلم في "صحيحه" عن عائشة رضي الله عنها، أنه كان لها ثوب فيه تصاوير، ممدود إلى سهوة، فكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يصلي إليه فقال: «أَخِّرِيهِ عَنِّي»، قالت: "فأخَّرته فجعلته وسائد".
وعنها رضي الله عنها، قالت: "قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من سفر وقد اشتريت نمطًا فيه صورة، فسترته على سهوة بيتي، فلما دخل كَرِه ما صنعت وقال: «أَتَسْتُرِينَ الْجُدُرَ يَا عَائِشَةُ؟» فطرحته فقطعته مرفقتين، فقد رأيته متكئًا على إحداهما وفيها صورة" أخرجه الإمام أحمد في "المسند".
قال العلامة بدر الدين العيني في "عمدة القاري" (22/ 73، ط. دار إحياء التراث العربي): [فهذا يدلّ على أنه استعمل ما عملت منها، وهما المرفقتان] اهـ.
وعلى ذلك: فالتصوير الفوتوغرافي ليس هو التصوير المنهيَّ عنه في الحقيقة، وليست فيه علةُ التحريم التي ورد النهي عن التصوير لأجلها، فإذا خلا من كشف العورات أو اختراق الخصوصيات فلا مانع منه شرعًا.
حكم تعليق الصور الفوتوغرافية في البيت أو الاحتفاظ بها يتبع الحكم بجوازها؛ إذ إنَّ النهي الوارد في "الصحيحين" عن وجودها في البيت -من قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ المَلاَئِكَةَ لَا تَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ صُورَة»- إنما يقصد به التصاوير المحرمة في ميزان الشريعة، والتي غايرت الصور الفوتوغرافية في حقيقتها وفي علة استخدامها. ويضاف إلى ذلك أنَّ امتناع الملائكة عن دخول بيت فيه صورة إنما هو مخصوص ببيت النبوة، والملائكة المقصودة بذلك هي ملائكة الوحي لا ملائكة الرحمة ولا الحفظة، فهم لا يفارقون الإنسان على كل حال.
قال الإمام ابن بطال في "شرح صحيح البخاري" (9/ 181، ط. مكتبة الرشد): [قال ابن وضاح: الملائكة في هذا الحديث ملائكة الوحي، مثل: جبريل، وإسرافيل، فأما الحفظة فيدخلون كل بيت ولا يفارقون الإنسان على كل حال] اهـ.
وقال القاضي عياض في "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (6/ 630، ط. دار الوفاء): [وقال بعض العلماء: وهؤلاء الملائكة هم ملائكة الوحي، فأما الحفظة فيدخلون كل بيت ولا يفارقون بني آدم على كل حال] اهـ.
فتعليق الصور في البيت لتذكّر مَن فيها، أو للوفاء لهم- جائز شرعًا، فإذا ما كانت صورًا للوالدين أو للصالحين أو لأصحاب الفضل ندب ذلك؛ لما في مشاهدة صورهم من البرّ بهم، وتذكرهم والتأسي بصلاحهم، وقد تواردت النصوص على أنه تتنزَّل الرحمات عند ذكر الصالحين.
قال الإمام سفيان الثوري: "عند ذكر الصالحين تنزل الرحمة"؛ حكاه عنه الحافظ ابن عبد البر في "جامع بيان العلم وفضله، وما ينبغي في روايته وحمله" (2/ 1113، ط. دار ابن الجوزي).
وقال الإمام أحمد بن حنبل: سمعت سفيان بن عيينة يقول: "تنزل الرحمة عند ذكر الصالحين"، قيل لسفيان: عمَّن هذا؟ قال: "عن العلماء" أخرجه الهروي في "ذمِّ الكلام".
وأخرجه أبو داود السجستاني في "مسائله" عن الإمام أحمد (ص: 377، ط. الرسالة) فقال: [سمعت أحمد قال: سمعت ابن عيينة يقول: "يقال: تنزل الرحمة عند ذكر الصالحين"] اهـ.
وقال محمد بن يونس: "ما رأيت للقلب أنفع من ذكر الصالحين" ذكره ابن الجوزي في "صفة الصفوة".
بناء على ذلك: فإنَّ التصويرَ الفوتوغرافي يغايرُ التصوير المنهيّ عنه في الشريعة؛ في معناه اللغوي، وفي حقيقته، وفي علة تحريمه، وانتفاء المعنى والحقيقة والعلة ينفي الحكم لا محالة؛ إذ إنَّ الحكمَ على الشيء فرعٌ عن تصوره، والحكم يدور مع علته وجودًا وعدمًا، فالتصوير الفوتوغرافي لا مانع منه شرعًا، وتعليق الصور جائز ما لم تشتمل على المحرمات أو كشف العورات أو انتهاك الخصوصيات، إذ النهي عن الصور في البيت إنما جاء مصاحبًا لحرمة التصوير المقصود به مضاهاة خلق الله أو العبادة، وهذه الصور الفوتوغرافية لا تمنع دخول الملائكة في الجملة؛ إمَّا لأنَّ المقصود بالصور التي تمنع دخول الملائكة هي التماثيل التي تُتَّخذ للمضاهاة أو العبادة والتعظيم، أو لأنَّ المقصود بها ملائكة الوحي، فيكون النهي مخصوصًا ببيت النبوة، ولامتناع مفارقة الحفظة من الملائكة للإنسان على كل حال.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ما حكم إطلاق لفظ العيد على المولد النبوي الشريف؛ حيث يحتفل المسلمون بالمولد النبوي في كل عام، ويقيمون له الولائم ويصنعون الحلوى ويتزاورون كما يفعلون في الأعياد، ويسميه البعض "عيد المولد النبوي"، فهل المولد النبوي من الأعياد حتى يكون كذلك؟
هل قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم عند فتحه لخيبر هذه العبارة: "دجاج خيبر"؟ وهل أساء العَوَام فهم هذه العبارة؟ وهل ثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه أعطى كل دَاجِن بخيبر لجَبَل بن جَوَّال الثعلبي، ولابن لُقَيم العبسي؟
هل يجوز للعاميّ أن يأخذ الأحكام الشرعية من نصوص القرآن والسنة مباشرة دون الرجوع إلى أهل العلم والعلماء؟
ما حكم مقولة: "خد الشرّ وراح"؟ حيث اعتاد الناس في بلدتنا إذا كُسِر إناءٌ أو غيرُه مما تحويه الدَّار أن يقولوا: "خَد الشَّر وراح"، وقد سمعتُ مؤخرًا بعض الناس يُنكر عليهم هذا القول؛ لتنافيه مع الإيمان، حيث إن دفع الشَّر أو جَلْب الخير بيد الله سبحانه، فما حكم هذه المقولة شرعًا؟ وهل تنافي الإيمان؟
نرفع لسيادتكم نموذجًا لما يتم تداوله بين أوساط بعض المسلمين من شبهات حول حكم بناء الكنائس وترميمها، وجاءت هذه الشبهات كالتالي:
الشبهة الأولى: بناء الكنائس والبِيَع حرام؛ حيثُ إنَّ المساجد بيوت عبادة الله للمسلمين، والكنائس والبِيَع معابد اليهود والنصارى يعبدون فيها غير الله، والأرض لله عز وجل، وقد أمر ببناء المساجد وإقامة العبادة فيها لله عز وجل، ونهى سبحانه عن كل ما يُعبَد فيه غير الله؛ لِمَا فيه من إقرار بالباطل، وتهيئة الفرصة للقيام به، وغش الناس بوضعه بينهم، قال الله تعالى: ﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ للهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَدًا﴾ [الجن: 18]، وقال الله تعالى: ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [آل عمران: 85].
وبهذا يُعلم أنَّ السماح والرضا بإنشاء المعابد الكفرية؛ مثل الكنائس، أو تخصيص مكان لها في أي بلد من بلاد الإسلام، من أعظم الإعانة على الكفر وإظهار شعائره، والله عز شأنه يقول: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ [المائدة: 2].
الشبهة الثانية: أجمع العلماء على وجوب هدم الكنائس وغيرها من المعابد الكفرية إذا أُحدثَت في أرض الإسلام، ولا تجوز معارضة ولي الأمر في هدمها؛ بل تجب طاعته.
وبهذا يُعلم أنَّ السماح والرضا بإنشاء المعابد الكفرية؛ مثل الكنائس، أو تخصيص مكان لها في أي بلد من بلاد الإسلام، من أعظم الإعانة على الكفر وإظهار شعائره؛ والله عز شأنه يقول: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ [المائدة: 2].
قال شيخ الإسلام: "من اعتقد أنَّ الكنائس بيوت الله وأنَّ الله يُعبدُ فيها، أو أنَّ ما يفعله اليهود والنصارى عبادة لله وطاعة لرسوله، أو أنه يحب ذلك ويرضاه، أو أعانهم على فتحها وإقامة دينهم وأنَّ ذلك قربة أو طاعة فهو كافر".
وليحذر المسلم أن يكون له نصيب من قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ ۞ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ ۞ فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ ۞ ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ﴾ [محمد: 25-28].
الشبهة الثالثة: صار من ضروريات الدين تحريمُ الكفر الذي يقتضي تحريم التعبد لله على خلاف ما جاء في شريعة الإسلام؛ ومنه: تحريم بناء معابد وفق شرائع منسوخة؛ يهودية، أو نصرانية، أو غيرهما؛ لأنَّ تلك المعابد سواء كانت كنيسة أو غيرها تعتبر معابد كفرية؛ لأنَّ العبادات التي تؤدى فيها على خلاف شريعة الإسلام الناسخة لجميع الشرائع قبلها والمبطلة لها، والله تعالى يقول عن الكفار وأعمالهم: ﴿وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا﴾ [الفرقان: 23]، ولا يجوز اجتماع قبلتين في بلدٍ واحدٍ من بلاد الإسلام، ولا أن يكون فيها شيء من شعائر الكفار لا كنائس ولا غيرها؛ ولهذا أجمع العلماء على تحريم بناء هذه المعابد الكفرية. وقد قال شيخ الإسلام: "من اعتقد أنَّ زيارة أهلِ الذمة كنائسَهم قربةٌ إلى الله فهو مرتدٌّ، وإن جهل أنَّ ذلك محرم عُرِّف ذلك، فإن أصرَّ صار مرتدًّا" اهـ.
الشبهة الرابعة: من المعلوم أنَّ الأشياء التي ينتقض بها عهد الذمي: الامتناع من بذل الجزية، وعدم التزام أحكام الإسلام، وأن يُقاتل المسلمين منفردًا أو في الحرب، وأن يلتحق الذمي بدار الحرب مُقيمًا بها، وأن يتجسس على المسلمين وينقل أخبارهم، والزنا بامرأةٍ مسلمة، وأن يذكر الله تعالى أو رسوله أو كتبه بسوء.
وإذا انتقض عهد الذمي: حلَّ دمه وماله، وسار حربيًّا يُخير فيه الإمام بين القتل، أو الاسترقاق، أو المن بلا فدية، أو الفداء.
الشبهة الخامسة: ذكر البعضُ أنَّ البلاد التي أُنشئت قبل الإسلام وفتحها المسلمُون عنوةً وتملكوا أرضها وساكنيها لا يجوز إحداث كنائس فيها، ويجب هدم ما استحدث منها بعد الفتح؛ لأنَّ هذه الكنائس صارت ملكًا للمسلمين بعد أن فتحوا هذه البلاد عنوة.
وأمَّا البلاد التي أُنشئت قبل الإسلام وفتحها المسلمون صُلْحًا: فهي على نوعين:
الأول: أن يصالحهم على أن الأرض لهم ولنا الخراج عليها، أو يصالحهم على مالٍ يبذلونه وهي الهُدنة؛ فلا يُمنعون من إحداث ما يختارونه فيها؛ لأنَّ الدار لهم.
الثاني: أن يُصالحهم على أنَّ الدار للمُسلمين، ويؤدون الجزية إلينا، فحكمها ما اتُّفقَ عليه في الصلح، وعند القدرة يكون الحكم ألَّا تُهدم كنائسهم التي بنوها قبل الصلح، ويُمنعون من إحداث كنائس بعد ذلك.
الشبهة السادسة: حكم بناء ما تهدَّمَ من الكنائس أو ترميمها: على ثلاثة أقوال:
الأول: المنع من بناء ما انهدم وترميم ما تلف.
الثاني: المنع من بناء ما انهدم، وجواز ترميم ما تلف.
الثالث: إباحة الأمرين.
فالرجاء التفضل بالاطلاع والتوجيه بما ترونه سيادتكم نحو الإفادة بالفتوى الشرعية الصحيحة في هذا الشأن حتى يمكن نشرها بين أهالي القرى؛ تصحيحًا للمفاهيم ومنعًا للشبهات.
ما حكم التضحية بالطيور؟ فإن بعضُ المتصدّرين يُرَوّج للقول بجواز التضحية بالطيور، وأن بعض الصحابة فعل هذا، فما مدى صحة هذا الكلام؟