حكم الجمع بين الأضحية والوكيرة التي سببها بناء منزل جديد في ذبيحة واحدة

تاريخ الفتوى: 30 يناير 2022 م
رقم الفتوى: 6139
التصنيف: الذبائح
حكم الجمع بين الأضحية والوكيرة التي سببها بناء منزل جديد في ذبيحة واحدة

ما حكم الاشراك في النية في ذبيحة واحدة بين الأضحية وعمل الوليمة ودعوة الناس إليها بمناسبة بناء منزلٍ جديدٍ وهي التي تُسمَّى بالوكيرة، أو أن الأولى عمل هذه الوكيرة من الثلث الخاص بي وبأهل بيتي في الأضحية؟

إشراك النية في ذبيحة واحدة بين الأضحية وعمل وليمة الوكيرة بمناسبة بناء منزل جديد ودعوة الناس إليها جائز شرعًا، كما يجوز عملها بإطعام الطعام من ثلث الأضحية الخاص بالمُضَحِّي وأهل بيته، باعتبار اشتراكهما في مقصد واحد، وهو إطعام الطعام والتوسعة على الأهل والفقراء.

المحتويات

 

مفهوم الأضحية والحكمة من مشروعيتها ودليلها

الأضحية هي: اسمٌ لمَا يُذبَحُ من الإبل والبقر والغنم يومَ النَّحر وأيام التشريق، تقربًا إلى الله تعالى، وقد شرعها الله سبحانه إحياءً لسنة نبيّه إبراهيم عليه السلام؛ كما في حديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم حين سُئِل: يا رسول الله، ما هذه الأضاحي؟ قال: «سُنَّةُ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ» أخرجه ابن ماجه والبيهقي في "السنن"، والحاكم في "المستدرك" وصححه، ولما فيها من التوسعةِ على الناس أيام العيد والتشريق؛ كما في قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّمَا هِيَ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرٍ للهِ» أخرجه مالك في "الموطأ" واللفظ له، وأحمد في "المسند"، والحاكم في "المستدرك" وصححه.

والأصلُ في مشروعيتها قول الله تعالى: ﴿إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ۝ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ﴾ [الكوثر: 1-2]، وما رواه الشيخان عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: "ضَحَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ، ذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ، وَسَمَّى وَكَبَّرَ، وَوَضَعَ رِجْلَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا".

حكم الأضحية وما يجزئ فيها

الأضحية سنةٌ مؤكدةٌ في حقِّ كلّ مسلم قادرٍ موسرٍ، وهذا ما عليه الفتوى، وهو الراجح من أقوال الفقهاءِ ومذهب جماعةٍ من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين.

قال الإمام النووي في "المجموع" (8/ 385-386، ط. دار الفكر): [مذهبنا -أي في الأضحية- أنها سنة مؤكدة في حق الموسر ولا تجب عليه، وبهذا قال أكثر العلماء، وممَّن قال به: أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وبلال وأبو مسعود البدري وسعيد بن المسيب وعطاء وعلقمة والأسود ومالك وأحمد وأبو يوسف وإسحاق وأبو ثور والمزني وداود وابن المنذر، وقال ربيعة والليث بن سعد وأبو حنيفة والأوزاعي: واجبة على الموسر إلا الحاجّ بمنًى، وقال محمد بن الحسن: هي واجبة على المُقِيم بالأمصار، والمشهور عن أبي حنيفة أنه إنَّما يوجبُها على مقيمٍ يملك نصابًا.. وأمَّا الجواب عن دلائلهم؛ فما كان منها ضعيفًا: لا حجة فيه، وما كان صحيحًا: فمحمولٌ على الاستحباب جمعًا بين الأدلة] اهـ.

ولا تكون الأضحية إلا من الإبل والبقر والغنم؛ لقول الله تعالى في بيانها: ﴿لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ﴾ [الحج: 34]، فيجزئ من الضأن ما له نصف سنة فأكثر، ومن المعِز ما له سنة، ومن البقر ما له سنتان، أو بلغ بالعلف وزن ما له سنتان على ما عليه الفتوى؛ بأن يزن المضحَّى به منها 350 كيلوجرامًا فأكثر حيًّا، ومن الإبل ما له خمس سنين، يستوي في ذلك الذكر والأنثى.

مفهوم الوكيرة وحكمها

قد ذكر الفقهاء أنواعًا من الولائم يُدعَى إليها الناس ويجتمعون على طعامها؛ منها ما يُعْرَف بـ"الوكيرة"، والتوكير: هو أَن يدعوَ الرجلُ الناسَ إِلَى طَعَامٍ يتّخذه إِذا فرغ من بِنَاء بَيته أَو دَاره؛ كما في "جمهرة اللغة" للعلامة ابن دريد (2/ 800، ط. دار العلم للملايين)، و"تبيين الحقائق" للإمام الزيلعي (5/ 110، ط. المكتبة الكبرى الأميرية)، و"الذخيرة" للإمام القرافي (4/ 168، ط. دار الغرب)، و"البيان" للإمام العمراني (9/ 479، ط. دار المنهاج)، و"المغني" للإمام ابن قدامة (7/ 275، ط. مكتبة القاهرة).

قال الإمام المرداوي في "الإنصاف" (8/ 315-316، ط. دار إحياء التراث): [الأطعمة التي يُدْعَى إليها الناس عشرة.. الخامس: الْوَكِيرَةُ: لدعوة البناء] اهـ.

ومن المعلوم أنَّ إطعام الطعام سنةٌ حسنةٌ رغَّب فيها النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَفْشُوا السَّلَامَ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَصِلُوا الْأَرْحَامَ، وَصَلُّوا بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ، تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلَامٍ» أخرجه الدارمي والترمذي وابن ماجه والبيهقي في "السنن"، وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم في "المستدرك" وصححه.

ودعوة الناس إلى طعام الوكيرة بخصوصها مستحبة؛ لدخولها في عموم استحباب إطعام الطعام والدعوة إليه، كما نصَّ على استحبابها جماعةٌ من الفقهاء.

قال الإمام النووي الشافعي في "روضة الطالبين" (7/ 333، ط. المكتب الإسلامي): [وأما سائر الولائم فمستحبةٌ ليس بواجبة على المذهب، وبه قطع الجمهور] اهـ.

وقال شمس الدين المنهاجي الشافعي في "جواهر العقود" (2/ 38، ط. دار الكتب العلمية): [وأمَّا وليمة غير العرس كالختان ونحوه؛ فقال أبو حنيفة ومالك والشافعي: تستحب] اهـ.

وقال الإمام ابن قدامة الحنبلي في "المغني" (7/ 286): [فحكم الدعوة للختان وسائر الدعوات غير الوليمة أنها مستحبة؛ لما فيها من إطعام الطعام، والإجابة إليها مستحبة غير واجبة] اهـ.

حكم الجمع بين الأضحية والوكيرة التي سببها بناء منزل جديد في ذبيحة واحدة

تصحُّ الوكيرة بالذبح والإطعام قياسًا على الأضحية والعقيقة، وبمطلق الإطعام كسائر الولائم وإن لم يوافقها ذبح.

فإن كانت بالذبح: جاز الجمع بينها وبين الأضحية في ذبيحة واحدة؛ لاتحاد الجنس فيهما بما يُذْبَحُ تقربًا إلى الله تعالى من بهيمة الأنعام، واتحاد المقصود منهما بمطلق الذبح وشكر الله على النعمة وتجددها.

ومن المقرّر في الضوابط الفقهية: أنه "إذا اجتمع أمران من جنس واحد ولم يختلف مقصودهما؛ دخل أحدهما في الآخر غالبًا"؛ كما قال الإمام السيوطي في "الأشباه والنظائر" (ص: 126، ط. دار الكتب العلمية).

ومدرك الإجزاء في كلٍّ هو ما اعتبره جماعةٌ من الفقهاء وفرَّعوا عليه، ومثال ذلك:

جواز الجمع بين الأضحية والعقيقة في ذبيحة واحدة؛ قال الشمس الرملي في "نهاية المحتاج" (8/ 145-146، ط. دار الفكر): [ولو نوى بالشاة المذبوحة الأضحية والعقيقة حَصَلَا] اهـ.

وقال العلامة الرحيباني في "مطالب أولي النهى" (2/ 492، ط. المكتب الإسلامي): [(وإن اتَّفق وقت عقيقةٍ وأضحيةٍ فعَقَّ أو ضَحَّى) ونوى عنهما (أجزأ) ما ذبحه (عن الأخرى)] اهـ.

وكذا جواز الجمع بين الأضحية وهدي التمتع والقران في ذبيحة واحدة؛ قال العلامة الرحيباني في "مطالب أولي النهى" (2/ 492): [وكذلك لو ذبح المتمتع والقارن شاةً يوم النحر أجزأ عن دم المتعة أو القران وعن الأضحية؛ قاله ابن القيم (وفي معناه: لو اجتمع هديٌ وأضحيةٌ بمكة) فتجزئ ذبيحته عنهما؛ لحصول المقصود منهما بالذبح] اهـ.

ويقوِّي هذا التخريج الفقهي: أنَّ الذبح في كلٍّ من الأضحية والوكيرة قربةٌ مقصودةٌ، وإلى هذا المعنى أشار العلامة البجيرمي في توجيه اختيار الشمس الرملي جوازَ الجمع بين نِيَّتَي الأضحية والعقيقة واستحسنه؛ فقال في "حاشيته على شرح منهج الطلاب" (4/ 302، ط. الحلبي): [وَلَوْ نَوَى بِهَا الْعَقِيقَةَ وَالضَّحِيَّةَ حَصَلَا عِنْدَ شَيْخِنَا خِلَافًا لحج (أي: العلامة ابن حجر الهيتمي)؛ حَيْثُ قَالَ: لَا يَحْصُلَان؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا سُنَّةٌ مَقْصُودَةٌ، وَهُوَ وَجيهٌ] اهـ.

وإن كانت الوكيرة بمطلق الإطعام من غير اقترانها بقربة الذبح: جاز أيضًا اتخاذ طعامها من الأضحية؛ باعتبار اشتراكهما في مقصد واحد هو إطعام الطعام والتوسعة على الأهل والفقراء؛ حيث قال تعالى في شأنها: ﴿لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ﴾ [الحج: 28]، وقال سبحانه: ﴿فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [الحج: 36].

قال الإمام الماوردي في "الحاوي الكبير" (15/ 120، ط. دار الكتب العلمية): [مقصود الأضحية إراقة الدم وإطعام اللحم] اهـ.

وعلى هذا المقصد نصَّ الإمام العالِمُ العامِلُ منجبُ الفقهاء وقدوةُ الأتقياء أبو بكر الفهري الطرطوشي المالكي [ت: 520هـ] مبيِّنًا أن المقصود من الوليمة الإطعام؛ وهو حاصل من الأضحية ولا ينافي قربة الذبح؛ فجاز اتّخاذ طعام الوليمة من لحم الأضحية، ونقله عنه القاضي أبو بكر بن العربي في "القبس في شرح موطأ مالك بن أنس" (ص: 651، ط. دار الغرب الإسلامي)؛ حيث قال: [المقصود في الأضحية: إراقة الدم؛ وقد وقع موقعه، والمقصود من الوليمة إقامة السُنَّةِ بالأكل؛ وقد وجد ذلك الفعل] اهـ، ونقله عنه الإمام القرافي في "الذخيرة" (4/ 166، ط. دار الغرب) مُقَرِّرًا لإمكانية الجمع بقوله: [والمقصود من الوليمة: الإطعام، وهو غير منافٍ للإراقة؛ فأمكن الجمع] اهـ.

الخلاصة

بناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فإنه يجوز شرعًا إشراك النية في ذبيحة واحدة بين الأضحية وعمل وليمة الوكيرة ودعوة الناس إليها بمناسبة بناء منزل جديد، كما يصحّ عملها بإطعام الطعام من ثلث الأضحية الخاص بالمُضَحّي.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

ما حكم الاشتراك في قيمة الأضحية؟


ما هي الأضحية؟ ولماذا شُرعت؟ وهل هي واجبة؟ وما هي شروط الأضحية؟ وما موعد ذبحها؟ وكيف تقسَّم وتوزع؟ وما هو آخر ميعاد للذبح المشروع؟


ما حكم بيع المنتجات منتهية الصلاحية؟


ما الحكم الشرعي في شراب البيرة؟ 


جمعية خيرية بصدد إنشاء مشروع تحت اسم مشروع الأضحية الذي يهدف إلى قيام الجمعية بذبح الأضاحي نيابةً عن الراغبين في ذلك من مصر ودول العالم كافة وتوزيعها على الفئات غير القادرة التي تقوم الجمعية بدراسة حالاتها والمتوافرة بقاعدة بياناتها. ولذا نرجو إفادتنا في الآتي:
1- هل يجوز توكيل شخصية معنوية للقيام بالذبح والتوزيع نيابة عن الشخص الراغب في ذلك؟
2- ما هي الصيغة الشرعية لهذا التوكيل؟
3 - بناء على دراسة الأسعار تم تحديد مبلغ ثمانمائة وخمسين جنيهًا مصريًّا أو مائة وخمسين دولارًا أمريكيًّا قيمة الأضحية شاملة الذبح والسلخ والتقطيع والتغليف والنقل والتوزيع وغيره، وذلك على أساس كبش واحد سِنُّه سنة وذلك للفرد الواحد، أو عجل سِنُّه سنة لسبعة مُضَحِّين:
أ- ففي حالة زيادة التكلفة عن هذا المبلغ: هل يجوز أن يتم تعويض زيادة التكلفة بتقليل عدد الأضاحي؟
ب- وفي حالة نقص التكلفة هل يجوز استخدام الفائض في مصاريف خيرية أخرى غير الأضحية تذهب للمستحقين في شكل طعام؟
4 - في حالة نفوق بعض الرؤوس قبل ذبحها فماذا نفعل؟
5 - ما هو موعد بداية الذبح ونهايته؟
6 - في حالة وجود فرق في التوقيت بين مكان المضحي ومكان الذبح فما هو حكم الشرع في ذلك؟
7 - هل تشترط فترة زمنية محددة للتوزيع بعد الذبح؟
8 - هل يجوز توزيع الأضحية بكاملها على الفقراء والمحتاجين دون الأكل منها أو إهداء جزء منها للأقارب والمعارف؟


ما حكم التشارك في الطعام والشراب في إناء واحد؟ فنحن مجموعة من الشباب خرجنا معًا في رحلة، وجلسنا في استراحة الطريق لنتناول الغداء، فكنا نأكل في طبق واحد، ونتناوب زجاجة الماء نشرب منها جميعًا، فأَنِف أحدنا من هذا الفعل، وأنكر علينا إنكارًا شديدًا بحجة أنه قد تنتقل بسبب ذلك الأمراض، فرد عليه أحد الزملاء بأن ما نقوم به من التشارك في إناء الطعام والشراب سنة نبوية، فلا يجوز أن تنكر علينا ذلك، فما صحة هذا الكلام؟