يقول السائل: أعمَل في مهنة النِّقَاشة، ويَعْلَق في يدي بعض المواد التي أستخدمها في الدهان؛ فهل لا بُدَّ من إزالة ما عَلَق بيدي قبل الوضوء أو لا؟
ما عليه الفتوى: أنه يُعْفَى عن بقايا المواد التي يقوم باسْتخدمها في الدَّهان إذا تعذَّر التَّحرُّز والتَّخلُّص منها إلَّا بعسرٍ شديدٍ؛ فيصحّ الوضوء مع بقائها؛ لحصول المشقة المُوجِبة للتخفيف، ولأنَّه مما عَمَّت به البلوى؛ خاصةً أنَّه لا يُوجد تَعمَّد في ذلك.
المحتويات
من المقرَّر شرعًا أنَّ الوضوء شرط لصحة الصلاة؛ قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا﴾ [المائدة: 6].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لَا تُقْبَلُ صَلاَةُ مَنْ أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ» متفق عليه.
اتفق الفقهاء على اشتراط إزالة ما يَمْنَع وصول الماء إلى الجسد ليصح الوضوء؛ على اختلافٍ بينهم في بيان المانع وصفته؛ فيشترط وصول الماء إلى جميع أعضاء الوضوء وإزالة جميع ما يَعْلَق بالأعضاء؛ يقول العَلَامة الشُرُنْبلالي الحنفي في "مراقي الفلاح" (ص: 30، ط. المكتبة العصرية): [(وشرط صحته) أي: الوضوء (ثلاثة.. و) الثالث (زوال ما يمنع وصول الماء إلى الجسد؛ كشمع وشحم)] اهـ. بتصرف.
وقال الإمام الخَرَشي عند كلامه على غَسْل اليد في الوضوء في كتابه "شرح مختصر خليل" (1/ 123، ط. دار الفكر): [(ص) بتخليل أصابعه (ش) لما كان في اليد ما قد يَغفَل عنه كما في الوجه نَبَّه على بعضه بهذا.. أي: الفرض غَسْل يديه مع مرفقيه مع تخليل أصابعه.. (ص) لا إجالة خاتمه (ش) هو بالجر عطف على تخليل، أي: وغَسْل يديه مع تخليل أصابعه لا مع إجالة، أي: إدارة وتحريك خاتمه.. (ص) ونُقِض غيره (ش).. أي: ونُقِض غير الخاتم من كل حائل من يد أو غيرها فيندرج فيه ما يجعله الرماة وغيرهم في أصابعهم من عَظْم ونحوه فلا بد من نزعه إن كان ضَيقًا أو إجالته إن كان واسعًا يدخل الماء تحته وغير ذلك] اهـ. بتصرف.
وقال الشيخ الدردير في "الشرح الكبير" (1/ 87، ط. دار الفكر)، عند كلامه على قول المصنِّف: (ونُقِض غيره)؛ قال: [ودَخَل في الغير كل حائل من شمع وزفت وغيرهما] اهـ.
وقال الإمام النووي في "روضة الطالبين" (1/ 64، ط. المكتب الإسلامي): [ولو تَشقَّقت رجله فجعل في شقوقها شمعًا أو حناء وجب إزالة عينه، فإن بقي لون الحناء لم يضرّ، وإن كان على العضو دهن مائع فجرى الماء على العضو ولم يثبت صَحَّ وضوءه، ولو كان تحت أظفاره وسخ يمنع وصول الماء لم يصح وضوءه على الأصح] اهـ.
وقال العلامة ابن قدامة في "المغني" (1/ 92، ط. مكتبة القاهرة): [إذا كان تحت أظفاره وسخ يمنع وصول الماء إلى ما تحته، فقال ابن عقيل: لا تصحّ طهارته حتى يزيله] اهـ.
هذا هو القَدْر المتفق عليه فيما بين الفقهاء، واختلفوا فيما وراء ذلك في صور كثيرة؛ ومنها: إذا كان الحائل في محل الوضوء يسيرًا، ومنها: مَا يُشَقُّ إزالته مِن الحائل عن محل الوضوء؛ والمشقة هنا شاملة لما يكون على بَدَن أرباب المهن والصناعات؛ فإذا وجد الشخصُ حائلًا على موضعٍ من مواضع فروض الوضوء وكان الحائل يسيرًا؛ فيرى الجمهور من الفقهاء: أنَّ الوضوء غير صحيحٍ، ويلزمه إعادته؛ لأن من شروط صحة الوضوء زوال ما يمنع وصول الماء إلى الجسد لجُرْمِه كشمعٍ وشَحْمٍ وعجين وطينٍ. ينظر: "حاشية ابن عابدين" (1/ 59، ط. دار الفكر)، و"مواهب الجليل" (1/ 183، ط. دار الفكر)، و"تحفة المحتاج" (1/ 186، ط. المكتبة التجارية الكبرى بمصر).
بينما يرى الحنابلة أَنَّ الوضوء صحيحٌ ولو لم يَزِل الشخصُ الحائلَ؛ لأنَّ الحائل اليسير الذي يمنع وصول الماء إلى الأعضاء معفو عنه؛ قال الإمام البهوتي الحنبلي في "كشاف القناع" (1/ 97، ط. دار الكتب العلمية): [(ولا يضر وسخ يسير تحتها، ولو منع من وصول الماء)؛ لأنه ممَّا يكثر وقوعه عادة فلو لم يصح الوضوء معه لبينه النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ لأنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة، (وألحق الشيخ به) أي: بالوسخ اليسير تحت الأظفار، (كلّ يسير منع) وصول الماء (حيث كان) أي وجد (من البدن، كدم وعجين ونحوهما، واختاره) قياسًا على ما تحت الظفر، وعبارة "المنتهى" وغيره: تحت ظفر ونحوه] اهـ، والعفو عن الحائل اليسير عملًا بالقاعدة الفقهية: "المشقة تجلب التيسير".
أمَّا مَن يَشُقُّ عليهم إزالة الحائل الذي يمنع إيصال الماء للبشرة، ومِنْهم أرباب المهن والصناعات الذين يَشُقُّ عليهم إزالة آثار مهنتهم؛ كالجزَّار والنَّقَّاش ونحوهم؛ فقد نَصَّ الفقهاء على أنَّه معفو عنه؛ قال العلامة الشُرُنْبلالي الحنفي في "مراقي الفلاح" (ص: 63): ["ولا يَمْنَع الدَّرَن" أي: وسخ الأظفار سواء القروي والمصري في الأصح]؛ قال العلامة الطحطاوي في "حاشيته": [قوله: "في الأصح"، وعليه الفتوى] اهـ.
وفي "مواهب الجليل" (1/ 201، ط. دار الفكر): [وأمَّا المداد فجعله صاحب الطراز كالمستثنى من مسألة الحائل ونصه أثر كلامه السابق. (فرع) إذا قلنا: إنه لا يجزئه فإن كان ذلك ممَّا لا يمكن الاحتراز منه ولا من مثله؛ فهل يعفى عنه وينتقل الفرض للجسم الحائل كما في الظفر يُكْسَى مَرَارَة من ضرورةٍ؟ فقد قال مالك في "الموازية" فيمن توضأ وعلى يديه مداد فرآه بعد أن صلَّى على حاله: إنَّه لا يضره ذلك إذا أمرَّ الماء على المداد، ثم قال: إذا كان الذي كتب، كأنه رأى أن الكاتب لا يمكنه الاحتراز عن ذلك بخلاف غير الكاتب] اهـ. وقوله: [كما في الظفر يُكْسَى مَرَارَة]، أي: مَرَارة حيوان يُكْسَى بها الظفر. انظر "التاج والإكليل" للإمام المواق، (1/ 531، ط. دار الكتب العلمية).
وقال الإمام ابن حجر في "تحفة المحتاج" (1/ 187، ط. المكتبة التجارية الكبرى): [وأن لا يكون على العضو ما يغير الماء تَغيُّرا ضارًّا أو جرم كثيف يمنع وصوله للبشرة لا نحو خضاب ودهن مائع، وقول القفال: تراكم الوسخ على العضو لا يمنع صحة الوضوء ولا النقض بلمسه يتعين فرضه فيما إذا صار جزءًا من البدن لا يمكن فصله عنه] اهـ، يقول العلامة الشرواني في "حاشيته": [(قوله: أو جرم كثيف) كَدُهْنٍ جَامِدٍ وَكَوَسَخٍ تَحْتَ الْأَظْفَارِ نِهَايَةٌ، زَادَ شَرْحُ بَافَضْلٍ خِلَافًا لِلْغَزَالِيِّ، قال الكردي عليه: قال الزيادي في "شرح المحرر": وهذه المسألة ممَّا تعمّ بها البلوى، فقلَّ مَن يسلم من وسخ تحت أظفار يديه أو رجليه فليتفطن لذلك. انتهى] اهـ.
وقال الإمام المرداوي في "الإنصاف" (1/ 158-159، ط. دار إحياء التراث العربي): [فائدة: لو كان تحت أظفاره يسير وسخ يمنع وصول الماء إلى ما تحته لم تصح طهارته، قاله ابن عقيل.. وقيل: يصح ممَّن يشق تحرزه منه، كأرباب الصنائع والأعمال الشاقة من الزراعة وغيرها، واختاره في "التلخيصِ"، وأطلقهن في "الفروع" وأَلْحَق الشيخ تقي الدين كلّ يسير منع، حيث كان من البدن، كدم وعجين ونحوهما] اهـ.
ووجه العفو عَمَّا يَشُقُّ إزالته مِن الحائل الذي يمنع إيصال الماء للبشرة حصول المشقة الـمُوجِبة للتخفيف؛ فقد قال تعالى: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ [البقرة: ٢٨٦]، وقال تعالى: ﴿فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ [التغابن: ١٦]، وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث الذي أخرجه الإمام أحمد في "مسنده": «وَمَا أَمَرْتُكُمْ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ».
بناءً على ما سَبَق وفي واقعة السؤال: فإنه يُعْفَى عن بقايا المواد التي تَسْتخدمها في الدَّهان إذا تعذَّر التَّحرُّز والتَّخلُّص منها إلَّا بعسرٍ شديدٍ؛ فيصحّ الوضوء مع بقائها، ولا يشترط إزالتها؛ لأنَّ هذا ممَّا عَمَّت به البلوى؛ خاصةً أنَّه لا يَتعمَّد ذلك.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ما حكم وجود عماص العين بعد الانتهاء من الوضوء؟ وما حكم الوضوء إن لم أتخلص من إفرازات العين ووجدتها بعد الوضوء، فهل أعيد الوضوء مرة أخرى؛ لأنه يجب إزالة إفرازات العين قبل الوضوء، أم يكون الوضوء صحيحًا؟
إذا اغتسلت المرأة من الدورة الشهرية؛ فهل يجب عليها غسل الشق الأيمن قبل الأيسر؟
سائل يسأل عن الحكم الشرعي في "النافتا الحيوية/ المتجددة"، والتي يتم إنتاجها من مواد خام طبيعية مثل الزيوت النباتية والدهون الحيوانية وزيوت الطبخ المستعملة، ومن خلال عملية الإنتاج يتم إزالة بلمرة المواد الخام الطبيعية وتتحلل إلى مستوى جزيئي فورًا، وبعد ذلك يتم إنتاجها كـ "نافتا حيوية"، والتي تستخدم كمادة خام لإنتاج أشياء؛ مثل: البلاستيك الحيوي والمطاط الحيوي والرقائق الحيوية، وهي لا تستخدم في تناول الطعام، وذلك البلاستيك الحيوي صديق للبيئة؛ حيث يعمل على الحدّ من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون والاستخدام الثانوي للدهون والزيوت المهدرة.
ما حكم إسباغ الوضوء؟ وما المقصود به؟ وبماذا يتحقق؟
يحتاج بعض مرضى قصور وظائف الكُلى إلى القيام بعملية الغسيل البريتوني، فهل غسيل الكُلى بهذه العملية يؤثر على صحة الطهارة، فيحتاج المريض إلى إعادة الوضوء بعدها، أو أنه يظل على طهارته؟
ما حكم صلاة المريضٍ الذي يحمل نجاسة في كيس؟ فقد أصيب أحد المواطنين بورم في القولون، وتَطَلَّب العلاجُ أن يتم إلغاء فتحات الإخراج للبول والبراز وعمل فتحات إخراج صناعية في جدار البطن لإخراج البول والبراز بشكل لا إرادي، وتوصل هذه الفتحات بأكياس تجمع فيها الفضلات، فهل يمكن لهذا المريض أن يصلي وهو يحمل هذا الكيس الذي به فضلات جرَّاء عملية الإخراج، علمًا بأنه من الصعب عليه أن يقوم بتغيير الكيس عند كل صلاة؟