حكم الشك في عدد ركعات الصلاة وسجود السهو لذلك

تاريخ الفتوى: 20 ديسمبر 2022 م
رقم الفتوى: 7257
التصنيف: الصلاة
حكم الشك في عدد ركعات الصلاة وسجود السهو لذلك

ما حكم الشك في عدد ركعات الصلاة وسجود السهو لذلك؟ فأنا كنت أصلِّي فوقع عندي شكٌّ في عدد الركعات؛ فلا أدري أصليت أربعًا أم ثلاثًا؛ فما الحكم؟ وماذا أفعل؟

مَن عَرَض له الشكُّ في عدد الركعات أثناء الصلاة فلا يدري أصلى ثلاثًا أم أربعًا، وكان هذا الشك طارئًا ولم يَبْلُغ حد الكثرة؛ فإنَّه يبني على اليقين، وهو الأقل؛ أي: الثلاثة، أمَّا إذا لازمه الشك أغلب أحواله وأيامه بحيث لا ينقطع عنه أو ينقطع لكن زمن إتيانه يزيد على عدم إتيانه؛ فإنه يبني وجوبًا على الأكثر لا الأقل؛ أي: الأربع، دَفعًا للوساوسِ، ويسجد للسهوِ استحبابًا.

المحتويات

مظاهر التخفيف في الشريعة الإسلامية

التشريع الإسلامي الحنيف يمتاز بالتخفيف والتيسير على المكلَّفين؛ قال الله تعالى: ﴿يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ﴾ [النساء: 28]؛ قال الإمام ابن كثير في "تفسير القرآن العظيم" (2/ 234، ط. دار الكتب العلمية): [أي: في شرائعه، وأوامره، ونواهيه، وما يُقَدِّرهُ لكم] اهـ.

بيان معنى الشك

الشك هو التَّردُّد بين أمرين لا مزية لأحدهما على الآخر، ولا فرق فيه بين المساوي والراجح عند الفقهاء. ينظر: "غمز عيون البصائر في شرح الأشباه والنظائر" للإمام شهاب الدين الحموي (1 /193، ط. دار الكتب العلمية).

وجاء في "المصباح المنير" (1/ 320، ط. المكتبة العلمية) [وقد استعمل الفقهاء الشكَّ في الحالين على وَفْق اللغة، نحو قولهم: من شكَّ في الطلاق ومن شكَّ في الصلاة، أي من لم يستيقن، وسواء رجح أحد الجانبين أم لا، وكذلك قولهم: من تيقَّن الطهارة وشكَّ في الحدث وعكسه أنَّه يبني على اليقين] اهـ.

مذهب الحنفية في حكم مَن شكَّ في عدد ركعات الصلاة

الفقهاء مختلفون في حكم مَن شكَّ في عدد ركعات الصلاة؛ فذهب الحنفية إلى التفرقة بين حالتين:

الأُولَى: إن كان الشكُّ يعرض له للمرة الأولى، فعليه أن يستقبل صلاة جديدة.

والثانية: إن تكرَّر الشكُّ وكثُر، وعندئذٍ يعمل بأغلب الظَّنِّ ويسجد للسهو، فإن لم يكن له ظنٌّ بنى على الأقلِّ وسجد للسهو.

قال الإمام ابن مودود الموصلي الحنفي في "الاختيار" (1/ 74، ط. مطبعة الحلبي) [ومن شكَّ في صلاته، فلم يدر كم صلَّى وهو أوَّل ما عرض له، استقبل، فإن كان يعرض له الشكُّ كثيرًا بنى على غالب ظنِّه، فإن لم يكن له ظن بنى على الأقل] اهـ.

مذهب المالكية في حكم مَن شكَّ في عدد ركعات الصلاة

فرق المالكية بين حالتين باعتبار ملازمة الشك أغلب أحوال المصلي من عدمها؛ فإن اعتراه الشك مرةً أو مرتين أو كان متقطعًا بنى على الأقل، وهو اليقين، أما إذا لازمه الشك أغلب أحواله وأيامه بحيث لا ينقطع عنه أو ينقطع لكن زمن إتيانه يزيد على عدم إتيانه وهو ما يُطلقون عليه الـمُسْتنكح، وفي هذه الحالة يبني وجوبًا على الأكثر، دفعًا للوساوس ويسجد للسهو استحبابًا.

قال العلامة الخرشي في "شرحه لمختصر خليل" (1/ 311، ط. دار الفكر): [الشخص المصلِّي إذا شكَّ هل صلَّى ثلاثًا أم أربعًا؟ ولم يكن موسوسًا فإنَّه يبني على الأقلِّ المحقَّق ويأتي بما شكَّ فيه، ويسجد بعد السلام؛ لاحتمال زيادة المأتيِّ به] اهـ.

ثمَّ قال (1/ 312-313): [وكذا يسجد بعد السلام لكن استحبابًا إذا اسْتَنْكَحَهُ الشَّكُّ أي: دَاخَلَهُ وكثرَ منه بأن يطرأ عليه في كل وضوء وفي كل صلاة، أو في اليوم مرة أو مرَّتين وَأَضْرَبَ عنه وجوبًا؛ أي: لا يصلح ويَبْني على الأكثر، فإذا شكَّ فيما صلَّاهُ هل اثنتان أم ثلاثٌ أم أربعٌ؟ بَنى على ثلاث وأتى بركعة وسلَّم، وعلى أربعة وسلم وسجد بعد السلام فيهما تَرْغِيمًا للشيطان؛ لأنَّ الاشتِغَال به يُؤدي إلى الشَّكِّ في الإيمان والعياذُ بالله] اهـ.

وقال العلامة عليش في "منح الجليل" (1/ 295، ط. دار الفكر): [(أو استنكحه) أي: كثُر منه (الشك) في النقص بأن يحصل له كل يوم مرة فيسجد بعد سلامه (ولهي) بكسر الهاء وفتحها أي: أعرض (عنه) وجوبًا، وبنى على التمام؛ إذ لا دواء له مثل الإعراض عنه.

فإن قيل: إذا بنى على التمام فلا وجه للسجود بعد السلام لعدم الزيادة، قيل أنَّه لترغيم الشيطان.. وظاهر المصنف أن سجود مستنكح الشك سنة] اهـ.

وقال العلامة العدوي في "حاشيته على شرح الخرشي على مختصر خليل" (1 /312-313): [الذي يظهر أن يقال: إنه إذا أتاه في يومين متواليين فإنه يكون في اليوم الثاني منهما مُسْتَنكَحًا إن عُلِم من عادته أنه يأتي في اليوم الثالث أيضًا أو ظنَّ ذلك، وأما لو علم أو ظن أو شك أنه لا يأتيه في اليوم الثالث فإنه يكون في اليوم الثاني غير مُسْتَنكَح، والظاهر أنه في اليوم الأول غير مُسْتَنكَح، ولو علم أنه يستمر إتيانه في اليوم الثاني والثالث.. ثم ظهر لي أن الذي ينبغي أن يجري في مسألة الشك ما جرى في مسألة السلس؛ فإذا زاد من إتيانه على زمن عدم إتيانه أو تساويًا فهو مستنكح، وإن قلَّ زمن إتيانه فليس بمستنكح، وليس المراد بزمن إتيانه الوقت الذي يحصل فيه، بل جميع اليوم الذي يحصل في بعض أوقاته يُعَدُّ يومًا، فيوم انقطاعه هو الذي لا يحصل شيء من ذلك بجزء من أجزائه، فإذا أتاه يومًا أو أتاه يومين ولم يأت يومًا مستنكح، فإذا أتاه يومًا وانقطع عنه يومين فليس بمستنكح، بل الذي تقتضيه الحنيفية السمحة أنَّ المراد بالمستنكح ما يشق معه الوضوء في الشك في الوضوء، وفي الصلاة ما تشق معه الصلاة] اهـ.

مذهب الشافعية والحنابلة في حكم مَن شكَّ في عدد ركعات الصلاة

ذهب الشافعية والحنابلة إلى أنَّه يبني على اليقين؛ أي: على الأقل، ويأتي بالركعة التي شكَّ فيها ثمَّ يسجد للسهو، وقيَّد الحنابلة سجود السهو بما إذا كثر الشك وصار كالوسواس.

قال الإمام النووي في "روضة الطالبين" (1/ 308، ط. المكتب الإسلامي): [ولو شكَّ هل صلَّى ثلاثًا أم أربعًا؟ أخذ بالأقلِّ، وأتى بالباقي، وسجد للسهو؛ ولا ينفعه الظن، ولا أثر للاجتهاد في هذا الباب] اهـ.

وقال العلامة المرداوي الحنبلي في "الإنصاف" (2/ 146، ط. إحياء التراث العربي): [وأمَّا الشَّكُّ، فمتى شكَّ في عدد الركعات بَنَى على اليقين، هذا المذهب مطلقًا، وعليه جماهير الأصحاب] اهـ.

وقال الإمام البهوتي الحنبلي في "شرح منتهى الإرادات" (1/ 221، ط. عالم الكتب): [ولا يُشرعُ سجود السهو إذا كَثُرَ الشَّكُّ حتى صار كَوَسْوَاسٍ؛ لأنَّه يخرج به إلى نوعٍ من المُكابرة فَيَقْضِي الزيادة في الصلاة، مع تَيَقُّنِ إتمامها فلزمه طرحُهُ واللَّهْوُ عنه بنَفْلٍ متعلِّقٍ بشرعٍ وفرضٍ] اهـ.

المختار للفتوى في حكم مَن شكَّ في عدد ركعات الصلاة

الذي نختاره للفتوى في هذه الصورة المسؤول عنها: أنَّ الذي عَرَض له الشكُّ في عدد الركعات أثناء الصلاة وكان هذا الشك طارئًا ولم يَبْلُغ حد الكثرة؛ فإنَّه يبني على اليقين، وهو الأقل، على ما ذهب إليه الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة.

والدليل على ذلك: ما رواه الإمام مسلم في "صحيحه" عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: «إِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ، فَلَمْ يَدْرِ كَمْ صَلَّى ثَلَاثًا أَمْ أَرْبَعًا، فَلْيَطْرَحِ الشَّكَّ وَلْيَبْنِ عَلَى مَا اسْتَيْقَنَ، ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ، فَإِنْ كَانَ صَلَّى خَمْسًا شَفَعْنَ لَهُ صَلَاتَهُ، وَإِنْ كَانَ صَلَّى إِتْمَامًا لِأَرْبَعٍ كَانَتَا تَرْغِيمًا لِلشَّيْطَانِ».

فالحديث صريحٌ في وجوب البناء على اليقين، وهو الأقل. ينظر: "شرح النووي على مسلم" (5 /63، ط. دار إحياء التراث العربي).

أمَّا إذا لازمه الشَّكُّ بأن يتكرر معه كلَّ يوم أو يأتيه أكثر ممَّا يَعْزبُ عنه؛ فإنه يبني وجوبًا على الأكثر لا الأقل؛ طَرْدًا للوسواس، ويسجد للسهو استحبابًا، على ما ذهب إليه المالكية.

الخلاصة

بناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فمَن شكَّ أصلَّى ثلاثًا أم أربعًا فإنه يبني على اليقين وهو الأقل، أي: الثلاثة كما في مسألتنا، ثمَّ يأتي بالرابعة، ثمَّ يسجد سجدتين للسهو، وهذا كله إذا لم يكن له ظنٌّ غالب، فإنْ كان له ظنٌ غالبٌ فإنه في هذه الحالة يبني على غالب ظنِّه، وإن كان الأكثر عددًا، وهذا إن اعتراه الشك مرةً أو مرتين، أو كان متقطعًا، أمَّا إذا لازمه الشك أغلب أحواله وأيامه بحيث لا ينقطع عنه أو ينقطع لكن زمن إتيانه يزيد على عدم إتيانه، ففي هذه الحالة يبني وجوبًا على الأكثر أي: الأربع، دَفعًا للوساوسِ، ويسجد للسهوِ استحبابًا.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

ما حكم القنوت في صلاة الفجر؟ وما الحكم إذا فعله الإمام الراتب في صلاة الفجر دائمًا هل يكون ذلك مخالفًا للسنة؟ وما حكم القنوت في غير صلاة الفجر من الصلوات المكتوبة؟


ما حكم صلاة الإمام والمأمومين إذا كان الإمام دائم الحركة يمينًا وشمالًا؟


ما حكم الأذانين لصلاة الفجر؟ فقد ثار نزاع بين الناس في قريتنا حول أذان الفجر، هل هو أذان واحد أو أذانان، فنرجو الإفادة عن حكم الأذانين لصلاة الفجر، وأي المسلكين هو الأصح: الإتيان بأذان واحد أم الإتيان بأذانين؟


ما حكم الصلاة في مسجد على أرض مغصوبة؟ حيث قام مواطنون بالاستيلاء على قطعة أرض مملوكة للجهاز مخصصة للمنفعة العامة، وأقاموا عليها مسجدًا مستغلين فترة الإجازات، ومخالفين بذلك القواعد المعمول بها القاضية بتخصيص أراضٍ للمساجد وفقًا للمخطط العام للمدينة في حدود القواعد العقارية المعمول بها، وتم صدور قرار من الجهاز بإزالة هذا المبنى المخالف، علمًا بأن هذا المبنى محاط بأربعة مساجد أبعدها على مسافة ثلاثمائة متر، فهل تجوز الصلاة في هذا المبنى؟


السؤال عن صيغة التشهد في الصلاة؛ حيث ذكر بعضهم أنه ينبغي أن نقول في التشهد بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "السلام على النبي"، وأن من أخطاء المصلين الشائعة قولهم:" السلام عليك أيها النبي"، زاعمًا أن كاف المخاطبة كانت في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الدنيا، وأما بعد وفاته صلى الله عليه وآله وسلم فالصيغة اختلفت، وأنه على كل مصلٍّ أن يقول: "السلام على النبي"، وليس "السلام عليك أيها النبي"، وزعم هذا القائل أن هذا التغيير كان من السيدة عائشة رضي الله عنها بوصية من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد وفاته، وأنها أعلمت الصحابة بهذه الوصية للعمل بها.


سائل يقول: ما الحكمة من اختلاف صلاة الجنازة عن صلاة الفريضة في هيئتها من حيث كونها لا أذان فيها ولا إقامة، ولا ركوع ولا سجود؟