حكم إلقاء السلام على الذاكر والداعي وحكم رده

تاريخ الفتوى: 23 أغسطس 2023 م
رقم الفتوى: 7917
التصنيف: الذكر
حكم إلقاء السلام على الذاكر والداعي وحكم رده

ما حكم إلقاء السلام على الذاكر والداعي وحكم رده؟ حيث مرت بي إحدى صديقاتي وأنا أذكر الله تعالى وأتوجه إليه بالدعاء، فجلستْ بجانبي حتى انتهيتُ، وأخبرتني أنها كانت مترددة في إلقاء السلام عليَّ والحالة هذه، فهل يلزمها إلقاء السلام؟ وإذا فَعَلَتْ، هل يلزمني الرد؟

لا يلزم إلقاءُ السلام على الذَّاكر والدَّاعي؛ فترك إلقاء السلام في هذه الحالة أولى؛ لانشغاله بالذكر والدعاء، ولكن متى أُلْقِي عليه السلام لزمه الرد؛ خروجًا من الخلاف؛ إذ إن "الْخُرُوجَ مِن الخِلَافِ مُسْتَحَبٌّ".

المحتويات

 

فضل إفشاء السلام

من المقرر شرعًا أنَّ إلقاء السلام من جملة المستحبات، فقد حثَّ الشرع الشريف على إفشاء السلام، وجعله بابًا مِن أبواب المحبة والمودة؛ قال تعالى: ﴿فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً﴾ [النور: 61]، وشرع له سننًا وآدابًا ينبغي على المسلم أن يتحلَّى بها، غير أنَّ إلقاءَ السلام يتأكد في بعض الأحوال، وينهى عنه في البعض الآخر.

حكم إلقاء السلام على الذاكر والداعي وحكم رده وأقوال الفقهاء في ذلك

اختلف الفقهاء في حكم إلقاء السلام على مَن كان مشتغلًا بالذكر والدعاء، ورده على مَن سلَّم عليه.

فذهب الحنفية والحنابلة إلى كراهة إلقاء السلام على المشتغل بالذكر والدعاء؛ للمشقة التي تلحقه في الرد، وقطعه عن الاستغراق فيهما، بل ونصّوا على أنه لو سلَّم عليه أحد: لا يلزمه الرد على هذا الحال؛ لأنَّ السلام ورد في غير مَحَلٍّ، و"كُلُّ مَحَلٍّ لَا يُشْرَعُ فِيهِ السَّلَامُ لَا يَجِبُ رَدُّهُ"؛ كما في "رد المحتار" للعلَّامة ابن عابدين الحنفي (1/ 618، ط. دار الفكر).

قال بدر الدين العيني الحنفي في "البناية" (2/ 442، ط. دار الكتب العلمية): [ويكره السلام على المصلي والقارئ والذاكر والجالس للقضاء] اهـ.

وأورد سراج الدين ابن نُجَيْم الحنفي في "النهر الفائق" (1/ 271، ط. دار الكتب العلمية) نَظْمَ صَدْرِ الدين الغَزِّي الذي جَمَعَ فيه المواضعَ التي يُكرَه فيها السلامُ على الغير، حيث قال:

[سَلَامُكَ مَكْرُوهٌ عَلَى مَنْ سَتَسْمَعُ *** ومِنْ بَعْدِ مَا أُبْدِي يُسَــــنُّ ويُشْـرَعُ

مُصَلٍّ، وَتَالٍ، ذَاكِـرٍ، وَمُحَــدِّثٍ *** خَطِيبٍ، وَمَنْ يُصْغِي إِلَيْهِمْ ويَسْمَــعُ] اهـ.

وقال العلَّامة ابن عابدين الحنفي في "رد المحتار" (1/ 618، ط. دار الفكر): [وفي "شرح الشرعة": صرَّح الفقهاء بعدم وجوب الرد في بعض المواضع: القاضي إذا سلَّم عليه الخصمان، والأستاذ الفقيه إذا سلَّم عليه تلميذه أو غيره أوان الدرس، وسلام السائل، والمشتغل بقراءة القرآن، والدعاء حال شغله، والجالسين في المسجد لتسبيح أو قراءة أو ذكر حال التذكير] اهـ.

وقال الشيخ البُهوتي الحنبلي في "كشاف القناع" (2/ 178، ط. دار الكتب العلمية): [(و) يكره السلام (على تالٍ) للقرآن، وعلى (ذاكرٍ) لله تعالى، وعلى (مُلَبٍّ ومُحَدِّثٍ) أي: مُلْقٍ لحديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم، (وخطيب وواعظ، وعلى مَن يستمع لهم) أي: للمذكورين مِن التالي ومَن بعده.. (ومَن سلَّم في حالة لا يستحب فيها السلام) كالأحوال السابقة (لم يستحق جوابًا) لسلامه] اهـ.

وذهب المالكية في المشهور عندهم، وأكثر الشافعية إلى جواز إلقاء السلام على الذاكر والداعي من غير كراهة، وأنه متى سلَّم عليهما أحد وجب عليهما رد السلام، بل وجعل الشافعية إلقاء السلام على الذاكر والداعي كغيرهما في الاستحباب.

قال شهاب الدين النفراوي المالكي في "الفواكه الدواني" (2/ 323، ط. دار الفكر): [(والابتداء به سنة) على الكفاية على المشهور.. وتلك السُّنَّة لِكُلِّ مَن لقيته عرفته أو لم تعرفه، ولو كان امرأة أو صبيًّا أو قارئًا أو آكلًا أو شاربًا أو مشتغلًا بذكر أو دعاء] اهـ.

وقال الإمام النووي الشافعي في "الأذكار" (ص: 251، ط. دار الفكر): [أما إذا كان مشتغلًا بالدعاء، مستغرقًا فيه، مجتمع القلب عليه، فيحتمل أن يقال هو كالمشتغل بالقراءة، والأظهر عندي في هذا أنه يكره السلام عليه؛ لأنه يتنكد به ويشق عليه أكثر من مشقة الأكل] اهـ.

وقال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري الشافعي في "أسنى المطالب" (4/ 183، ط. دار الكتاب الإسلامي): [(والقارئ كغيره) في استحباب السلام عليه ووجوب الرد باللفظ على مَن سلَّم عليه، وهذا ما بحثه في "الروضة" بعد نقله عن الواحدي: أن الأولى ترك السلام عليه، وأنه إن سلم عليه كفاه الرد بالإشارة، وما نقله عنه ضعفه في "التبيان" وغيره، قال في "الأذكار": أما إذا كان مشتغلًا بالدعاء، مستغرقًا فيه، مجتمع القلب عليه، فيحتمل أن يقال: هو كالمشتغل بالقراءة، والأظهر عندي في هذا أنه يكره السلام عليه؛ لأنه يتنكد به ويشق عليه أكثر من مشقة الأكل] اهـ.

قال الإمام شهاب الدين الرملي مُحَشِّيًا عليه: [(قوله: وهذا ما بحثه في "الروضة") وجزم به في "المجموع" في باب ما يوجب الغسل، وبه أجاب الحنَّاطي في "فتاويه" (قوله: والأظهر عندي في هذا أنه يكره) أشار إلى تصحيحه (قوله: فهو كالداعي بل أولى) أشار إلى تصحيحه (قوله: لا سيما المستغرق في التدبر) وكذا المستغرق في الذكر ونحوه] اهـ.

المختار للفتوى في هذه المسألة

الذي نختاره للفتوى: ترك ابتداء الذاكر والداعي بالسلام على جهة الأولى؛ لانشغالهما بالذكر والدعاء، وقد تقرَّر في قواعد الفقه أن "الْمَشْغُولَ لَا يُشْغَلُ"؛ كما في "الأشباه والنظائر" للحافظ السيوطي (ص: 151، ط. دار الكتب العلمية)، لكن متى ابتدأهما أحدٌ بالسلام لزمهما الرد؛ خروجًا من خلاف العلماء؛ إذ إن "الْخُرُوجَ مِن الخِلَافِ مُسْتَحَبٌّ"؛ كما في "الأشباه والنظائر" للحافظ السيوطي (ص: 136).

الخلاصة

بناء على ذلك وفي واقعة السؤال: فلا يلزم صديقتكِ إلقاءُ السلام عليكِ حال انشغالكِ بالذكر والدعاء، فتركها الإلقاء أولى؛ لانشغالكِ بهما، لكن متى ألقت عليكِ السلام والحال هذه: لزمك الرد؛ خروجًا من الخلاف.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

فضيلة المفتي المحترم، ينبغي -على ما قرأت- أن يُسلِّمَ الصغير على الكبير، والراكب على الماشي، والداخل على الحاضر (المار على القاعد)، فكيف يكون الحال إذا كان الراكب أو الداخل هو الأكبر؟


سائل يقول: توفي والدي رحمه الله في يونيه 1998م، ووالدتي موجودة، ونحن خمسة أشقاء: ثلاثة ذكور وبنتان والكل متزوج، وقبل وفاة والدي بعشر سنوات أو أكثر سجل ووثق قطعة أرض بناء لكل من شقيقتي، لكل واحدة قيراط وثلث مبانٍ، وقام أزواجهما بالبناء، وفي مارس 2003م توفيت شقيقتي وتركت طفلتين، وبعد أقل من عام من وفاتها فوجئنا بأن الشقيق الثاني قام بسلب نصف منزل شقيقتي المتوفاة، وذلك بطريقة لا أخلاقية، وقام بتسجيل نصف المنزل باسمه، وهو الآن في نزاع بينه وبين زوج شقيقتي المتوفاة.
القضية في المحكمة الآن، وقام بحصر التركة بدون معرفة أمه وأشقائه، وقال: إن كل ما فعلته مثل القرآن بل أفضل، فأنا دارس للشريعة والقانون، واستطرد محذرًا: لو تم الطعن فيما فعلته سيكون مصير من يفعل ذلك السجن لسنوات لا يعلم مداها أي إنسان.
إن كل ما عمله هذا الشقيق لم يرض أمه أو أشقاءه، والأم تتمنى له الموت أو الهداية، وقد أساء سمعتنا في القرية. فهل نسكت ويضيع حق الطفلتين اليتيمتين بنتَي أختي؟ أم يسجن الأخ الشارد؟


ما حكم قول: "تشفعت بجاه الحبيب عليه الصلاة والسلام"؟ حيث يوجد مقولة منتشرة بين الناس يقولون: "تشفعت بجاه الحبيب عليه الصلاة والسلام"، فما حكم التلفظ بها؟


نرجو من فضيلتكم توضيح خطورة عقوق الوالدين، وبيان عاقبة ذلك في الدنيا والآخرة.


بعض الناس تُوكَل إليهم المهامّ بحكم وظيفتهم فيُسَخِّرُونها لخدمة مصالحهم الشخصية، ويتربَّحُون من ذلك؛ فما حكم الشرع في هذه الأفعال؟


هل رجل الأعمال حر في إنفاق أمواله بالصورة التي يراها، وكيفما شاء دون مراعاة لمشاعر الفقراء والمعوزين؟ وتطلب السائلة بيان الحكم الشرعي في ذلك.