ما حكم الفطر للمسافر إذا كان سفره يبدأ من بعد الظهر وينتهي قبل المغرب؟ فقد عزم رجل على السفر في أحد أيام شهر رمضان، وسفره يبدأ مِن بعد الظهر، وينتهي قبل المغرب، فهل يجوز له الفطر في سفره هذا؟
ترخُّص المسافر بالفطر إذا كان سفرُه يبدأ بعد الفجر أو أثناء النهار، مَحَلُّ خلافٍ بين الفقهاء، ما بين مانعٍ مِن الترخُّص بالفطر في هذا اليوم، ومجيزٍ له، والأفضل والأكمل والأتمُّ للرجل المذكور الذي يبدأ سفره مِن بعد الظهر وهو صائمٌ في شهر رمضان وينتهي في نفس اليوم قبل المغرب أنْ يتمَّ صومه ولا يترخص بالفطر حتى لا يفوِّت على نَفْسه فضيلةَ الشهر وثوابَه الكبير، لكن إذا أراد أن يترخص بالفطر فله أنْ يقلد مَن أجاز ذلك وهو خلاف الأولى، إلا إذا شقَّ عليه الصوم أثناء سفره، فلَه الأخذ برخصة الفطر مِن غير إثمٍ عليه حينئذٍ ولا حرج.
المحتويات
رخَّصَ الشرعُ الشريفُ للمسافر أن يُفطر مَتَى كانت مسافةُ سَفَرِهِ تُقصَر في مثلها الصلاةُ، ثم يَقضي ما أفطره عدةً مِن أيامٍ أُخَر، قال الله تعالى: ﴿وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ [البقرة: 185].
وهذا ما عليه جماهير الفقهاء مِن المذاهب الفقهية المتبوعة. ينظر: "البحر الرائق" للإمام زين الدين ابن نُجَيْم الحنفي (2/ 304، ط. دار الكتاب الإسلامي)، و"مواهب الجليل" للإمام شمس الدين الحَطَّاب المالكي (2/ 443، ط. دار الفكر)، و"الحاوي الكبير" للإمام المَاوَرْدِي الشافعي (3/ 445، ط. دار الكتب العلمية)، و"كشاف القناع" للإمام أبي السعادات البُهُوتِي الحنبلي (1/ 617، ط. دار الكتب العلمية).
المسافرُ في شهر رمضان لا يخلو مِن عِدَّةِ أحوالٍ، منها: إذا كان سفرُه يبدأ بعد الفجر، أو أثناء النهار -كما هي مسألتنا-، وترخُّص المسافر بالفطر في هذه الحالة مَحَلُّ خلافٍ بين الفقهاء.
فذهب الحنفية والمالكية، والشافعية في الصحيح، والحنابلة في إحدى الروايتين، وهو قول مَكْحُول، والزُّهْرِي، ويحيى الأنصاري، والأَوْزَاعِي، إلى أنَّ المكلَّف يَلزمه صوم ذلك اليوم، ولا يجوز له الفطر فيه؛ لأنه عند وجود سبب الصوم وهو دخول الوقت لَم يوجد سببُ الرُّخصة وهو السفر، ولا يَصِحُّ صوم أوَّل اليوم إلا بصوم باقي أجزائه، وإذا صام أول اليوم لَزِمَهُ تصحيحُه بإتمام الباقي منه؛ لقول الله تعالى: ﴿وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ﴾ [محمد: 33]، وفي إفطاره إبطالٌ للجزءِ المفعول مِن الصوم أنْ يكون صومًا شرعيًّا مع كونه كذلك، كما أنَّ الصوم عبادةٌ تختلف بالسفر والحَضَر، فإذا اجتَمَعَا فيها غُلِّبَ حُكمُ الحَضَر، تمامًا كما هي الحال في الصلاة، إذا اجتَمَع فيها السفر والحَضَر، قُدِّم الحَضَر على السفر، فيُتِمُّ المكلَّفُ الصلاةَ ويَلتزمُ مواقيتها، وحالُه في ذلك ليس كحال المريض الذي يُباح له الفطر بعد أن شرع في الصوم في نهار رمضان؛ لأن المريض مضطرٌّ إلى الفطر، أما المسافر فإنه مختارٌ فيه وليس مضطرًّا إليه.
قال الإمام أبو بكر الجَصَّاص الحنفي في "شرح مختصر الطحاوي" (2/ 411، ط. دار البشائر): [ومَن سافر بعد الفجر لَم يفطر ذلك اليوم] اهـ.
وقال شمس الدين الحَطَّاب المالكي في "مواهب الجليل" (2/ 445، ط. دار الفكر): [إنْ لم يَشْرَعْ في السفر قبل الفجر بل عَزَمَ عليه، فيلزمه أنْ يُبَيِّتَ الصوم] اهـ.
وقال الإمام النووي الشافعي في "المجموع" (6/ 260، ط. دار الفكر): [ومَن أصبح في الحَضَر صائمًا ثمَّ سافَر لَم يَجُز له أن يُفطر في ذلك اليوم] اهـ.
وقال الإمام ابن قُدَامَة الحنبلي في "المغني" (3/ 117، ط. مكتبة القاهرة) في بيان هذه الحالة مِن أحوال المسافر في رمضان وحكم الفطر فيها: [أن يسافر في أثناء يوم من رمضان، فحُكمُه في اليوم الثاني كمَن سافر ليلًا، وفي إباحة فطر اليوم الذي سافَر فيه عن أحمد روايتان.. والرواية الثانية: لا يُباح له الفطر ذلك اليوم، وهو قول مَكْحُول، والزُّهْرِي، ويحيى الأنصاري.. والأَوْزَاعِي] اهـ.
وذهب الشافعية في وجهٍ، وهو قول الإمام المُزَنِي منهم، والحنابلة في الصحيح مِن المذهب، وهو قول عمرو بن شُرَحْبِيل، والشَّعْبِي، وإسحاق، وداود، وابن المُنْذِر، إلى أنه يباح له الفطر في اليوم الذي سافَر فيه؛ وذلك لِمَا رُوي عن عُبَيْد بن جَبْرٍ قَالَ: "كُنْتُ مَعَ أَبِي بَصْرَةَ الْغِفَارِيِّ صَاحِبِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فِي سَفِينَةٍ مِنَ الْفُسْطَاطِ فِي رَمَضَانَ، فَدَفَعَ، ثُمَّ قَرَّبَ غَدَاءَهُ"، قَالَ جَعْفَرٌ فِي حَدِيثِهِ: "فَلَمْ يُجَاوِزِ الْبُيُوتَ حَتَّى دَعَا بِالسُّفْرَةِ، قَالَ: اقْتَرِبْ، قَالَ: قُلْتُ: أَلَسْتَ تَرَى الْبُيُوتَ؟ قَالَ أَبُو بَصْرَةَ: أَتَرْغَبُ عَنْ سُنَّةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ؟"، قَالَ جَعْفَرٌ فِي حَدِيثِهِ: "فَأَكَلَ" أخرجه الإمامان: أبو داود في "السنن"، والبيهقي في "السنن الكبرى" واللفظ له.
وكذا "لأنَّ السفر معنًى لو وُجِدَ ليلًا واستَمَرَّ في النهار لَأَبَاحَ الفطر، فإذا وُجِدَ في أثنائه أَبَاحَهُ كذلك، كالمرض، ولأنه أَحَدُ الأمرَيْن المنصوص عليهما في إباحة الفطر بهما، فأَبَاحَهُ في أثناء النهار كالآخَر"، كما قال الإمام ابن قُدَامَة في "المغني" (1/ 117).
قال الإمام النووي الشافعي في "المجموع" (6/ 261): [إذا سافَر المقيم، فهل له الفطر في ذلك اليوم؟ له أربعة أحوال: (أن) يبدأ السفرَ بالليل، ويفارق عُمران البلد قبل الفجر، فله الفطر بلا خلاف. (الثاني): ألَّا يفارق العُمران إلا بعد الفجر.. قال المُزَنِي: له الفطر.. وهو وجهٌ ضعيفٌ حكاه أصحابُنا عن غير المُزَنِي مِن أصحابنا أيضًا، والمذهب الأول] اهـ.
وقال الإمام ابن قُدَامَة الحنبلي في "المغني (3/ 117): [أن يسافر في أثناء يوم من رمضان، فحُكمُه في اليوم الثاني كمَن سافر ليلًا، وفي إباحة فطر اليوم الذي سافر فيه، عن أحمد روايتان: إحداهما: له أن يفطر، وهو قول عمرو بن شُرَحْبِيل، والشَّعْبِي، وإسحاق، وداود، وابن المُنْذِر] اهـ.
وقال علاء الدين المَرْدَاوِي الحنبلي في "الإنصاف" (3/ 289، ط. دار إحياء التراث العربي): [(وإنْ نَوَى الحاضِرُ صومَ يومٍ، ثم سافَر في أثنائه، فَلَهُ الفطر) هذا المذهب مطلقًا، وعليه الأصحاب، سواء كان طَوْعًا أو كرهًا، وهو مِن مفردات المذهب، ولكن لا يفطر قبل خروجه] اهـ.
وقيَّد الحنابلةُ جواز ترخُّص المسافر بالفطر في هذه الحالة بأنْ "يخلف البيوت وراء ظَهْرِهِ، يعني أنْ يُجَاوِزَهَا ويَخرُجَ مِن بين بُنْيَانِهَا. وقال الحسن: يُفطر في بيته إنْ شاء يومَ يُريدُ أنْ يَخرج، ورُوي نحوُه عن عطاء"، كما قال الإمام ابن قُدَامَة في "المغني" (1/ 117).
بناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فإنَّ ترخُّص المسافر بالفطر إذا كان سفرُه يبدأ بعد الفجر أو أثناء النهار، مَحَلُّ خلافٍ بين الفقهاء، ما بين مانعٍ مِن الترخُّص بالفطر في هذا اليوم، ومجيزٍ له، والأفضل والأكمل والأتمُّ للرجل المذكور الذي يبدأ سفره مِن بعد الظهر وهو صائمٌ في شهر رمضان وينتهي في نفس اليوم قبل المغرب أنْ يتمَّ صومه ولا يترخص بالفطر حتى لا يفوِّت على نَفْسه فضيلةَ الشهر وثوابَه الكبير، لكن إذا أراد أن يترخص بالفطر فله أنْ يقلد مَن أجاز ذلك وهو خلاف الأولى، إلا إذا شقَّ عليه الصوم أثناء سفره، فلَه الأخذ برخصة الفطر مِن غير إثمٍ عليه حينئذٍ ولا حرج.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ما هي حدود الأكل والشرب للصائم إذا كان ناسيًا وهو صائم؟ ومتى يصبح مفطرًا بذلك؟
ما حكم صيام سيدنا داود عليه السلام؛ فإني سمعت من أحد الأصدقاء أن صيام نبي الله داود عليه السلام هو من أحب الأعمال إلى الله تعالى، وما كيفيته؟
هل مَن يقضي يومًا من رمضان أفطره متعمدًا بلا عذر يحصل على مثل الثواب لو كان صامه في رمضان؟
ما حكم الصيام لمرضى السكر على اختلاف درجاتهم، حيث تم تقسيمهم طبيًّا إلى ثلاث فئات:
الفئة الأولى: المرضى ذوو الاحتمالات الكبيرةِ جدًّا للمضاعفات الخطيرة بصورةٍ شبه مؤكدةٍ طبيًّا، وهذه الفئة يقول المتخصصون بأنها معرضة لحصول ضررٍ بالغٍ عند الصيام.
الفئة الثانية: المرضى ذوو الاحتمالات الكبيرة للمضاعفات نتيجة الصيام، وهذه الفئة يغلب على ظن الأطباء المتخصصين وقوع ضررٍ بالغٍ عليهم عند الصيام.
الفئة الثالثة: المرضى ذوو الاحتمالات المتوسطة أو المنخفضة للتعرض لمضاعفاتٍ نتيجة الصيام.
فما حكم الصيام لهذه الفئات على اختلاف درجاتهم؟
ما حكم إتمام من شَرَع في صومِ التطوعِ وحكم قضائه إن أفسده؟ فأنا اعتدتُ على الإكثار من صيام التطوع كنحو يومي الإثنين والخميس من كلِّ أسبوع ما أمكن ذلك، ولكن أفسدت صومي في أحد هذه الأيام بعد الشروع فيه، فهل عليَّ إثم في ذلك؟ وهل يجب عليَّ قضاء هذا اليوم؟
ما حكم الهدي لمن صام ثلاثة أيام في الحج ثم قدر عليه؟ فهناك رجلٌ أحرم بالحج متمتعًا، ولم تكن لديه القدرة المالية على شراء الهدي، فصام ثلاثة أيامٍ في الحج، ثم تيسَّرت حالُه، فهل يجب عليه الهدي؟