حكم البيع دون التلفظ بالإيجاب والقبول "بيع المعاطاة"

تاريخ الفتوى: 31 يناير 2024 م
رقم الفتوى: 20561
التصنيف: البيع
حكم البيع دون التلفظ بالإيجاب والقبول "بيع المعاطاة"

ما حكم البيع دون التلفظ بالإيجاب والقبول؟ فأنا أحيانًا أذهب إلى السوق لإحضار بعض الخضراوات، ويكون السعر مكتوبًا على كلِّ صنف، فأنتقي ما أريد وأدفع سعره للبائع دون أن أتلفظ بأيِّ شيءٍ. فهل هذا بيعٌ منعقدٌ وجائزٌ شرعًا؟

البيع المذكور بِانْتِقاء ما يرِيدهُ الشخص مِن الخضراوات أو غيرها مع كون السعر مكتوبًا على كلِّ صنف منها، ودفع ثمنها للبائع دون التلفُّظ بأيِّ شيءٍ مِن الإيجاب والقبول مِن الطرفين -بيعٌ صحيحٌ منعقدٌ وجائزٌ شرعًا.

المحتويات

 

الحكمة من مشروعية البيع وبيان أن الرضا شرط لتمام التعامل فيه

أحلَّ اللهُ سبحانه وتعالى البيعَ؛ لما فيه من تحقيق مصالح العباد، وتبادُل المنافع بينهم، واستمرار حياتهم واستقرارها بالحصول على حاجاتهم من مستلزمات، وحيث إنَّ حاجة الإنسان تتعلق بما في يد صاحبه غالبًا، وصاحبه قد لا يبذله بغير مقابل، ففي شرعية البيع وسيلةٌ إلى بلوغ الغرض مِن غير حرج على أحد، قال تعالى: ﴿وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا﴾ [البقرة: 275].

وجعل سبحانه وتعالى الرضا شرطًا لتمام التعامل؛ حتى لا يكون أكلًا لأموال الناس بغير حقٍّ، ولكون الرضا في التعاملات يُبعد المتعاملين عن المشاحنات والمباغضات والاختلافات، قال جَلَّ شَأْنُهُ: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ﴾ [النساء: 29].

قال الإمام فخر الدين الرَّازِي في "مفاتيح الغيب" (10/ 58، ط. دار إحياء التراث العربي): [ظاهره يَقْتَضِي الحِلَّ عند حصول التَّرَاضي] اهـ.

وورد في السُّنَّة عن أبي سعيد الخُدْرِي رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِنَّمَا الْبَيْعُ عَنْ تَرَاضٍ» أخرجه الأئمة: عبد الرزاق وابن أبي شيبة في "مصنفيهما"، وابن ماجه في "سننه" واللفظ له، وابن حِبَّان في "صحيحه".

قال الإمام الصَّنْعَانِي في "التنوير" (4/ 167، ط. مكتبة دار السلام): [«إِنَّمَا الْبَيْعُ» أي: الشرعي الصحيح المعتبر عند الشارع، الذي يترتب عليه صحة المِلك، هو الصادر «عَنْ تَرَاضٍ» مِن البائع، بإخراج السلعة عن مِلكه، ومِن المشتري بإدخاله في مِلكه، وهو إخراجٌ لبَيْع المُكْرَه فليس ببَيْعٍ معتبَرٍ، قالوا: ولَمَّا كان الرضا أمرًا قَلبيًّا خفيًّا نِيطَ البيعُ بالعقدِ الدَّالِّ صُدُورُه على الرضا، وقيل: لا اعتبار بالألفاظ، بل إذا ظهر الرضا ثَبَت العقد] اهـ.

حكم البيع دون التلفظ بالإيجاب والقبول "بيع المعاطاة"

لَمَّا كان الرضا أمرًا خفيًّا لا يُطَّلَعُ عليه، وَجَب تَعَلُّقُ الحكم بسببٍ ظاهرٍ يدل عليه، ولذلك وُجِدَت الصيغةُ مِن الإيجاب والقبول، حتى يتم بها معرفة الرضا بين البائع والمشتري، فإذا تم البيع بغير تلفُّظٍ مِن إيجابٍ أو قبولٍ كأن يأخذ المشتري السلعةَ ويَدفع ثمنَها للبائع دون كلامٍ بينهما -كما هو في مسألتنا-، فهذا يعرف عند الفقهاء بـ"بيع المُعَاطَاة".

وأصل كلمة "المعاطاة" في اللغة مِن المُفاعَلَة، ويراد بها المُناوَلَة، كما في "مختار الصحاح" للإمام زين الدين الرَّازِي (ص: 212، ط. المكتبة العصرية)، واستعملها الفقهاء في البيع من غير تكلُّم ولا إشارة بين المتبايِعَيْن، فيكون بالإعطاءِ مِن جانِبٍ والأخذِ مِن جانِبٍ آخَر، ويَلزم البيعُ في المعاطاة بالتقابُض، أي: قبض الثمن والمُثمَن، كما في "رد المحتار" للإمام ابن عَابِدِين الحنفي (4/ 513، ط. دار الفكر)، و"الشرح الكبير" للإمام أبي البَرَكَات الدَّرْدِير المالكي (3/ 3، ط. دار الفكر، مع "حاشية الإمام الدُّسُوقِي")، و"المجموع" للإمام شرف الدين النَّوَوِي الشافعي (9/ 163، ط. دار الفكر)، و"الكافي" للإمام موفَّق الدين ابن قُدَامَة الحنبلي (2/ 3، ط. دار الكتب العلمية).

وقد ذهب جمهور الفقهاء مِن الحنفية والمالكية، وهو المختارُ عند جماعة مِن فقهاء الشافعية -ونَصَّ بعضُهم على أنه المختار للفتوى في المذهب-، والصحيحُ عند الحنابلة إلى القول بصحة بيع المعاطاة مطلقًا، وسواء كان في الرَّخِيص أو الغالي مِن الأشياء؛ لأنَّ المقصود هو الرضا، وكما يُوجَد ويُعرَف ويَحصُل بالقول فإنه يُعرَف ويَحصُل كذلك بالفعل، ولكون البيع والشراء بهذه الطريقة وحصول الرضا هو ما تَعَارَفَ عليه الناسُ وتعامَلُوا به خاصةً في هذا الزمان، حيث يَدخل المشتري اليوم للأسواق الكبيرة والصغيرة، فيَجد ما يريد أمامَهُ مُسَعَّرًا، فيأخذ ما يريد ويدفع حسابه دون أن يتكلم ثم ينصرف، فيرجع الحكم في ذلك للعُرف السائد المتعامَل به بين الناس، وحيث لَمْ يَثبُت اشتراطُ لَفظٍ محدَّدٍ، فيصير ما يَعُدُّه الناسُ بيعًا كذلك؛ لِمَا فيه مِن دلالة عُرفية، وهي كافية؛ إذ المقصود مِن التجارة إنما هو أخذُ ما في يَدِ الغير بدفع عِوض عن طِيب نَفْسٍ منهما، فتكفي دلالة العُرْف في ذلك على الرضا وطِيب النفس، سواء حصل ذلك الرضا بالقول أو الفعل.

نصوص الفقهاء في هذه المسألة

قال شمس الأئمة السَّرَخْسِي الحنفي في "المبسوط" (19/ 61، ط. دار المعرفة): [البيع بالتعاطي يَنعقد عندنا؛ لأن المقصودَ تمامُ الرضا... وذلك يَحصُل بالفعل كما يَحصُل بالقول] اهـ.

وقال الإمام أبو عبد الله المَوَّاق المالكي في "التاج والإكليل" (6/ 12-13، ط. دار الكتب العلمية): [(يَنعقد البيعُ بما يدل على الرضا وإنْ بمعاطاة) البَاجِي: البيعُ معروفٌ ويَفتقر إلى إيجابٍ وقبولٍ، وكلُّ لَفظٍ وإشارة فُهِمَ منه الإيجابُ والقبولُ لزم به البيعُ وسائرُ العقود] اهـ.

وقال الإمام شمس الدين الحَطَّاب المالكي في "مواهب الجليل" (4/ 228، ط. دار الفكر): [(يَنعقد البيعُ بما يدل على الرضا وإنْ بمعاطاة)... لأنَّ الصيغةَ كلامٌ أو فِعلٌ... ويعني أن الركن الأول الذي هو الصيغة التي يَنعقد بها البيع هو ما يدل على الرضا مِن البائع ويُسَمَّى الإيجاب، وما يدل على الرضا مِن المشتري ويُسَمَّى القبول، وسواء كان الدَّالُّ قولًا كقول البائع: بِعْتُكَ، وأَعطَيتُكَ، ومَلَّكْتُكَ بكذا وشَبَه ذلك، وقول المشتري: اشتريتُ، وتَمَلَّكتُ، وابْتَعْتُ، وقَبِلْتُ وشَبَه ذلك، أو كان فِعلًا كالمعاطاة... لأنَّ الفعل يدل على الرضا عرفًا، والمقصود مِن البيع إنما هو أخذُ ما في يد غيرك بعِوض ترضاه، فلا يُشترط القول، ويكفي الفعل كالمعاطاة] اهـ.

وقال الإمام شرف الدين النَّوَوِي الشافعي في "المجموع" (9/ 162-163): [اختارَ جماعاتٌ مِن أصحابنا جوازَ البيع بالمعاطاة فيما يُعَدُّ بيعًا... وممن اختار مِن أصحابنا أنَّ المعاطاةَ فيما يُعَدُّ بيعًا صحيحةٌ، وأنَّ ما عَدَّه الناسُ بيعًا فهو بيعٌ: صاحِبُ "الشامل"، والمُتَوَلِّي، والبَغَوِي، والرُّويَانِي وكان يفتي به، وقال المُتَوَلِّي: وهذا هو المختار للفتوى، وكذا قاله آخَرون، وهذا هو المختار؛ لأنَّ اللهَ تعالى أحلَّ البيعَ، ولَم يَثبُت في الشرع لَفظٌ له، فوَجَب الرجوعُ إلى العُرف، فكُلُّ ما عَدَّه الناسُ بيعًا كان بيعًا، كما في القبض والحِرز وإحياء المَوَات وغير ذلك مِن الألفاظ المُطلَقة، فإنها كلَّها تُحمَل على العُرف، ولَفظةُ البيع مشهورةٌ، وقد اشتهرت الأحاديث بالبيع مِن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه رضي الله عنهم في زمنه وبَعْدَه، ولَمْ يَثبُت في شيءٍ منها -مع كَثْرَتِهَا- اشتراطُ الإيجاب والقبول] اهـ.

وقال الإمام علاء الدين المَرْدَاوِي الحنبلي في "الإنصاف" (4/ 263، ط. دار إحياء التراث العربي): [الصحيح مِن المذهب صحةُ بيع المعاطاة مطلقًا، وعليه جماهير الأصحاب، وهو المعمول به في المذهب] اهـ.

الخلاصة

بناءً على ذلك: فإنه يُشترط في البيع أن يَحصُل برضا البائع والمشتري، والرضا كما يكون بالقول الذي يُعرف بـ"الإيجاب والقبول"، يكون أيضًا بالفعل الدالِّ عليه وهو أخذُ السلعة وإعطاءُ ثمنها وإنْ لم يتكلم المشتري ولا البائع، ولا إثم في ذلك ولا حرج.

وفي واقعة السؤال: البيع المذكور بِانْتِقاء ما تُرِيدِينَهُ مِن الخضراوات أو غيرها مع كون السعر مكتوبًا على كلِّ صنف منها، ودفع ثمنها للبائع دون التلفُّظ بأيِّ شيءٍ مِن الإيجاب والقبول مِن الطرفين -بيعٌ صحيحٌ منعقدٌ وجائزٌ شرعًا.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

ما حكم اشتراط البائع البراءة من عيوب السلعة التي يقوم ببيعها؟ فقد ورد سؤال نصه كالتالي: سائل يقول: حصل عقد بيعٍ بيني وبين أحد الأشخاص، واشترط عليَّ البائع أنَّه لا يَلْزَمه ما اشتريتُه منه إن وجدتُ فيه عيبًا، فهل هذا الذي اشترطه البائع يُعدُّ صحيحًا شرعًا؟


ما حكم التسويق بنظام البيع المباشر؟ حيث إنه تقوم شركتنا بالتجارة والتسويق على نظام البيع المباشر؛ حيث تقومُ الشركة بالتسويق لعددٍ من المنتجات المصرية الصنع، ومَنْ يقومُ بالتسويق لصالح الشركة له مكافأة على أساس نظامين:
النظام الأول: العمولة المباشرة، وتضاف في حساب الممثل المستقل إذا قام بعملية بيع مع زبون عن طريق مباشر، وهي نسبة محددة معروفة وثابتة من قيمة أي منتج يتم بيعه.
النظام الثاني: العمولة غير المباشرة، وهي عمولة تضافُ للممثل المستقل في حسابه على أي مبيعات تتمُّ عن طريق الممثلين المستقلين الذين كان هو سببًا في وجودهم في الشركة بمجهوده وعمله.
وهناك أيضًا شرط أساسي من أجل أن تضافَ العمولةُ غير المباشرة للممثل المستقل، وهي من الشروط الأساسية التي تضمن بذل الجهد، وهي تفصيليًّا كالآتي:
يكون لكل ممثل مستقل في حسابه الخاص على الموقع الإلكتروني جهتان: جهة يمنى وجهة يسرى، وهو شكل مثل رسم بياني يستطيعُ من خلاله تحديد جهة ظهور الزبون المباشر له فقط، فهو لا يستطيع تحديد جهة ظهور أي زبون غير مباشر، فكل شخص يستطيع التحكم في جهة الزبون المباشر له فقط، مما يضمن عمل الشرط بنجاح، وهو أَنَّ نسبة العمولة غير المباشرة تضافُ لكل ممثل مستقل فقط على حجم المبيعات التي تتوازن فقط في الجهة اليمنى مع الجهة اليسرى خلال الشهر.
وشرط التوازن في حجم المبيعات بين الجهتين اليمنى واليسرى يعتبرُ هو الشرطَ الأب لجميع الشروط؛ لأنه يضمنُ التزام كل ممثل مستقل بجميع الشروط السابقة حتى يتمكَّنَ من إتمام هذا الشرط.
والمطلوب من فضيلتكم: بيان الحكم الشرعي في هذه المعاملة؟


ما الحكم الشرعي في ظاهرة "المستريح"؟ حيث انتشر في الآونة الأخيرة بشكل واسع نماذج جديدة ممَّن يطلق عليهم "المستريح"، وهو لَقبٌ يطلقه الشخص على نفسه ليجذب أكبر عدد من ضحاياه، والصورة المعتادة للمستريح قيامه بجمع الأموال بحجة الاستثمار، وظهرت نماذج جديدة عن طريق شراء المواشي والحيوانات بأعلى من سعرها في السوق، غير أنَّه لا يُسلِّم للبائع كامل الثمن، وإنما يعطيه عربون، وباقي الثمن يُسدِّده في خلال ثلاثة أسابيع، ثم يبيع هذه المواشي بأقل مِن سعرها في السوق، والبعض يقوم بمثل هذه المعاملة في السيارات، أو في الفاكهة والخضروات ونحو ذلك؛ فما حكم الشرع في هذه الظاهرة؟


ما حكم العمل بالشرط الجزائي في العقود والمعاملات؟


ما حكم الاستفادة من ضرائب الخمر والسجائر؟ فقد خصصت الحكومة التايلاندية جزءًا من الضريبة المجبية من إنتاج وتجارة الخمور والسيجارات في الدولة، قدره 2% سنويًّا، تستخدمه في تأسيس وتمويل جهاز مستقل تسميه صندوق تدعيم الصحة العامة، يقوم هذا الجهاز بمكافحة شرب الخمر والدخان في المجتمع التايلاندي، موزعًا ميزانيته المعطاة من قِبل الحكومة إلى سائر المدن والقرى في تايلند لتنفيذ المشاريع المتحدة؛ بغية تقليل ظاهرة شرب الخمر والتدخين في المجتمع، حدثت المشكلة عندما عرض الصندوق ميزانيته للمجتمع المسلم في تايلاند؛ إذ نشب الخلاف حول ما إذا كانت هذه الميزانية حلالًا أم حرامًا؛ لأنه معلوم أنها ضريبة مأخوذة من إنتاج وتجارة الخمور والسيجارات خاصة، حيث لا تضعها الحكومة في خزانتها العامة فتختلط مع الضرائب الأخرى. يرى البعض أنها حرام؛ لأنها نتاج الأعمال المحرمة شرعًا، والبعض الآخر يرى أنها حلال بحجة أن تايلاند دولة غير إسلامية، فلا يتوقع من حكومتها أن تقتصر على الوسائل الحلال في البحث عن الدخل للدولة، وأنه لو لم يقبلها المسلمون لزادت مشاكل الصحة في مجتمعهم.
فما هو الحكم الإسلامي في هذه القضية؟ نرجو من فضيلتكم إفادتنا بإطناب التوضيح المتوافر بالحجج والأدلة الشرعية.


ما حكم التعامل بالدروب سيرفس؟ حيث أمتلك منصةً إلكترونيةً لبيع بعض الخدمات الرقمية (تصميمات، إعلانات، ترجمة فورية، صور، أبحاث، برمجة وتطوير.. إلخ)، وأقوم بدور الوسيط بين البائع -مقدِّم الخدمة- والمشتري -طالِب الخدمة- مقابل عمولة بنسبة 5% من قيمة الخدمة يتم اقتطاعها من البائع فقط، فما حكم الشرع في هذه المعاملة؟