ما مدى صحة حديث: «إِذَا رَأَيْتُمْ هِلَالَ ذِي الحِجَّةِ، وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَن يُضَحِّيَ، فَلْيُمْسِكْ عَن شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ»، وهل ينطبق على الحاج؟
الحديث الوارد في عدم أخذ مريد التضحية شيئًا من شعره أو ظفره صحيح وثابت عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهو يفيد استحباب الإمساك عن الأخذ من الشعر والظفر لمريد التضحية؛ كما هو المختار للفتوى.
وهذا لا ينطبق على الحاج، ويستوي في ذلك أن يكون بعد تلبسه بالإحرام، أو قبله؛ لأن إمساكه عن ذلك حال تلبسه بالإحرام واجب لأجل الإحرام لا التضحية، فيحرُم عليه أن يأخذ شيئًا من شعره أو ظفره حال إحرامه بالإجماع، أما غير المتلبس بالإحرام لكنه مريدٌ له مُقْبِلٌ عليه فإنه لا ينطبق عليه أيضًا؛ لأنه يُسن له أن يأخذ من شعره وأظفاره قبل إحرامه.
المحتويات
أخرج الإمام مسلم في "صحيحه" عَن أم المؤمنين السيدة أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا رَأَيْتُمْ هِلَالَ ذِي الحِجَّةِ، وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَن يُضَحِّيَ، فَلْيُمْسِكْ عَن شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ»، وهذا الحديث صحيح تواردت على صحته عبارات المحدثين وتخريجاتهم، وله شواهد من عدة طرق بألفاظ مقاربة.
توضيحًا لمدى انطباق هذا الحديث على الحاج أو عدمه ينبغي بيان أمرين:
الأول: حكم الأخذ من الشعر أو الظفر لمريد التضحية إذا هَلَّ هلال ذي الحجة وَفْقَ ما ورد في الحديث الشريف، وذلك لغير الْـمُحرِم؛ حيث اختلف العلماء في ذلك، والمختار للفتوى هو استحباب هذا الإمساك لا إيجابه؛ لأن التعليق بالإرادة في الحديث ينافي الوجوب، فمَن أراد أن يضحِّي وعزم على ذلك: فإنه يُستحبُّ له ألَّا يأخذ مِن شعره أو ظفره أو بشره شيئًا مِن أول ليلة في شهر ذي الحجة وحتى الفراغ مِن ذبح الأضحية، يستوي في ذلك الرجال والنساء، فإن لم يفعل ذلك، فلا إثم عليه، ولا يُنقص مِن ثواب أضحيته، لكنه فاتته الفضيلة.
قال العلامة ابن عابدين الحنفي في "حاشيته على الدر المختار" (2/ 181، ط. دار الفكر) مُعلِّقًا على الأمر الوارد في الحديث: [.. فهذا محمولٌ على الندبِ دون الوجوبِ بالإجماع] اهـ.
وقال العلَّامة الصاوي المالكي في "حاشيته على الشرح الصغير" (2/ 141، ط. دار المعارف): [يُندب ترك حلق الشعر مِن سائر البدن، وترك قَلْم الأظفار في التسعة الأيام الأوَل مِن ذي الحجة لِمَن يريد التضحية ولو بتضحية الغير عنه] اهـ.
وقال الإمام النووي الشافعي في "المجموع شرح المهذب" (8/ 392، ط. دار الفكر): [مذهبنا أن إزالة الشعر والظفر في العشر لمن أراد التضحية مكروهٌ كراهةَ تنزيهٍ حتى يضحي] اهـ.
الثاني: مدى مخاطبة الحاج بهذا الحديث، وذلك بناء على نوع الحج وأحوال الحاج، والتي لا تخرج عما يلي:
- إما أن يكون الحاج مُحْرِمًا بالحج إفرادًا أو قرانًا، وقد تلبَّس بالإحرام قبل رؤية هلال ذي الحجة: وقد أجمعت الأمة على أنه يحرم على الحاج أن يأخذ شيئًا من شعره أو ظفره أثناء إحرامه، إذ هي من محظوراته.
قال الله تعالى: ﴿وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ﴾ [البقرة: 196].
قال الإمام ابن المنذر في "الإجماع" (ص: 52، ط. دار المسلم): [وأجمعوا على أن المُحْرِمَ ممنوعٌ من: الجماع، وقتل الصيد، والطيب، وبعض اللباس، وأخذ الشعر، وتقليم الأظفار] اهـ.
- وإما أن يكون مُحْرِمًا مُتَمَتِّعًا، فمتى تلبَّس بالإحرام وحتى فراغه من عمرته: حرُم عليه كلُّ هذا بالإجماع؛ كما سبق، فإذا أَحَلَّ من عمرته ينتظر الحج: حلَّ له ما حرُم عليه بسبب إحرامه، ومنه أَخْذه من شعره وظفره، ولا يندب له بعد إحلاله من عمرته ولحين إحرامه بالحج تطبيق الحديث بالإمساك عن الشعر والظفر؛ لأنه يقدم على أيام يحرم عليه فيها حلق شعره وقص أظفاره، فلا يطيل المشقة على نفسه؛ إذ رفع الحرج وإزالة المشقة مقصود عام من مقاصد الإسلام، وهو في ذلك متابعٌ لأحكام الشرع بصورة عامة، وموافق لأعمال شعيرة الحج وأحكامها بصورة خاصة.
قال العلَّامة الدردير في "الشرح الصغير" (2/ 30، ط. دار المعارف): [(وندب) للمحرم (إزالة شعثه) قبل الغسل... ليستريح بذلك من ضررها وهو محرم] اهـ.
- وإما أن يكون مريدًا للإحرام: وهذا غير مخاطب بالحديث؛ لأنه يستحب في حقِّه أن يأخذ مِن شعره وأظفاره قبل إحرامه؛ لأنه أنظف للبدن، وأبعد عن حدوث ضرر منه طوال مدة الإحرام.
قال مجد الدين الموصلي الحنفي في "الاختيار" (1/ 143، ط. الحلبي): [(وإذا أراد أن يحرم: يستحب له أن يُقَلِّم أظفاره، ويقص شاربه، ويحلق عانته) وهو المتوارث، ولأنه أنظف للبدن فكان أحسن] اهـ.
وقال العلَّامة الدردير المالكي في "الشرح الصغير" (2/ 30): [(وندب) للمحرم (إزالة شعثه) قبل الغسل؛ بأن يقص أظفاره وشاربه ويحلق عانته؛ وينتف شعر إبطه، ويرجل شعر رأسه أو يحلقه إذا كان من أهل الحلاق ليستريح بذلك من ضررها وهو محرم] اهـ.
وقال شمس الدين الرملي الشافعي في "نهاية المحتاج" (3/ 269، ط. دار الفكر): [ويندب لمريد الإحرام التنظيف بإزالة نحو شعر إبط وعانة وظفر ووسخ وغسل رأسه بسدر ونحوه] اهـ.
وقال العلَّامة منصور البهوتي الحنبلي في "كشاف القناع" (2/ 406، ط. دار الكتب العلمية): [(و) يسن لمريد الإحرام (أن يتنظَّف بإزالة الشعر من حلق العانة، وقص الشارب، ونتف الإبط، وتقليم الأظفار، وقطع الرائحة الكريهة)؛ لقول إبراهيم: "كانوا يستحبون ذلك ثم يلبسون أحسن ثيابهم" رواه سعيد، ولأن الإحرام عبادة سُنَّ فيه ذلك كالجمعة، ولأن مدته تطول] اهـ.
قد نص بعض العلماء على أن العلة في مخاطبة مريد التضحية بعدم أخذه من شعره وأظفاره هي التشبه بالحجيج لا العكس؛ إذ المضحي لا يعتزل النساء ولا يترك الطيب ولا المخيط كما يفعل المحرم.
قال الحافظ السيوطي في "حاشيته على سنن النسائي" (7/ 212، ط. مكتب المطبوعات الإسلامية): [مَن أراد أن يضحي فلا يُقَلِّم من أظفاره، ولا يحلق شيئًا من شعره في عشر الأُوَل من ذي الحجة، هذا النهي عند الجمهور نهي تنزيه، والحكمة فيه أن يبقى كامل الأجزاء للعتق من النار، وقيل: للتشبيه بالمحرم] اهـ.
بناء على ذلك: فإن هذا الحديث الوارد في عدم أخذ مريد التضحية شيئًا من شعره أو ظفره صحيح وثابت عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهو يفيد استحباب الإمساك عن الأخذ من الشعر والظفر لمريد التضحية؛ كما هو المختار للفتوى على التوجيه المذكور للحديث.
وهذا لا ينطبق على الحاج، ويستوي في ذلك أن يكون بعد تلبسه بالإحرام، أو قبله؛ لأن إمساكه عن ذلك حال تلبسه بالإحرام واجب لأجل الإحرام لا التضحية، فيحرُم عليه أن يأخذ شيئًا من شعره أو ظفره حال إحرامه بالإجماع، أما غير المتلبس بالإحرام لكنه مريدٌ له مُقْبِلٌ عليه فإنه لا ينطبق عليه أيضًا؛ لأنه يُسن له أن يأخذ من شعره وأظفاره قبل إحرامه، كما سبق بيانه.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
تقوم إحدى الجمعيات بعرض صكوك الأضاحي على المتبرعين في كافة أنحاء الجمهورية، ونقوم بالذبح والتوزيع نيابة عنهم، وجزء من هذه الأضاحي يتم ذبحه داخل جمهورية مصر العربية أيام التشريق، ويتم التوزيع فور الذبح، والجزء الآخر من الأضاحي يتم ذبحه خارج مصر في أيام التشريق، ثم يتم نقلها بعد أيام التشريق إلى مصر وتوزيعها على فقراء المسلمين؛ لأن تكلفة نقلها حيةً أكبرُ من تكلفة نقلها لحمًا بعد ذبحها، مما يعود بالفائدة على زيادة أعداد الأضاحي، فتزداد نسبة المستفيدين منها من الفقراء والمحتاجين. فهل يجوز توزيع لحوم الأضاحي التي تم ذبحها أيام التشريق خارج مصر بعد انقضاء أيام التشريق ووصولها إلى مصر؟
ما حكم الحج بتأشيرة مزورة؟ فإن بعض الناس يذهب لأداء فريضة الحج بموجب تأشيرة حج مزورة وهو على علم بذلك، وكذا الموقف ممن يؤدي الفريضة بتأشيرة مزورة دون أن يكون على علم بذلك.
ما هو مذهب الحنفية في قتل الصيد بالبُندُقية؟ وهل يباح أكل الصيد إذا تم رميه بالبندقية؟
ما المقصود من عبارة (حاضري المسجد الحرام)؟ حيث أعيش في مكة المكرمة، وسافرتُ إلى زيارة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في بداية شهر ذي القعدة، ثم رجعتُ فأحرمتُ من آبار عليٍّ بالعمرة، علمًا بأني قد نويتُ أن أحج هذا العام، فهل ينطبق عليَّ وصف حاضري المسجد الحرام الوارد في قوله تعالى: ﴿ذَلِكَ لِمَن لَمْ يَكُن أَهْلُهُ حَاضِرِي المَسْجِدِ الحَرَامِ﴾؟
هل ارتداء الرجال للسلسلة الفضة حرام حتى لو كان متعارفًا عليها أنها للرجال؟ وهل ربط الرجل لشعره على هيئة ضفائر حرام؟ وهل فيه تشبه بالنساء مع أنه ورد في السنة؟ وهل هناك قواعد محددة لمعنى التشبه بالنساء؟
ما مدى إجزاء السعي بين الصفا والمروة إلى انتهاء السياج المخصص لسير العربات؟ فكان هناك رجلٌ يسعى بين الصفا والمروة، وقد لاحَظَ في أثناء سَعْيه أن السياج المخصص لسَيْر العَرَبات ينتهي عند بداية الصعود قبل الوصول إلى حجارة الجَبَلَين الموجودة حاليًّا، فهل يجزئه أن يستدير عند نهاية هذا السياج مستأنفًا الشوط التالي، سواء عند جبل الصفا أو جبل المروة؟