ما حكم إخراج الأضحية في صورة لحم أو مال للفقراء؟ فقد سمعنا أن سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما كان يشتري اللحم بدلًا من الأضحية ويقول: "هذه أضحيتنا"، فهل يجوز استبدال اللحم أو المال بالأضحية؟
ما يجزئ في شعيرة الأضحية هي أن تكون من بهيمة الأنعام: الإبل، والبقر، والغنم، ولا يجزئ شراء اللحم وغيره أو التصدق بالمال؛ لكونها عبادةً مقصودةً لذاتها.
وما ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما من شراء اللحم، فإنما هو محمول على معنى خاص هو بيان عدم وجوب الأضحية وجوبًا محتمًا، ولئلا يظن الناس أنها واجبة، وهو إمام يقتدى به.
ولمريد الأضحية أن يتصدق بالمال إذا رأى أن مَن حوله في حاجة إلى المال أكثر من اللحم، إلا أنها لا تُعَدُّ حينئذٍ أضحية، وإنما صدقةٌ من الصدقات.
المحتويات
الأضحية شعيرة من شعائر الدين ومَعْلَمٌ من معالمه الثابتة، وهي مشروعة بالكتاب والسُّنَّة والإجماع، وهي على المختار للفتوى سنة مؤكدة، فعلها النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأَمَر بها ورَغَّب فيها أصحابه، فعن أنس رضي الله عنه قال: "ضَحَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ، ذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ، وَسَمَّى وَكَبَّرَ، وَوَضَعَ رِجْلَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا" متفقٌ عليه.
ويكره تركها في حقِّ القادر عليها؛ لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ كَانَ لَهُ سَعَةٌ، وَلَمْ يُضَحِّ، فَلَا يَقْرَبَنَّ مُصَلَّانَا» أخرجه الإمام أحمد في "المسند" وابن ماجه في "السنن".
ومن المقرر شرعًا أَنه لا تُجزئ الضحية بغير الإِبل والبقر والغنم وما يصح أن يندرج تحت ذلك كالجاموس والماعز، وقد حكى الإجماع على ذلك غير واحد من العلماء، كالإمام ابن عبد البر في "التمهيد" (23/ 188، ط. وزارة الأوقاف)، والإمام النووي في "المجموع" (8/ 394، ط. دار الفكر).
ومقتضى ذلك أنه لا يجزئ في الأضحية إعطاء المال أو شراء اللحم ونحوه والتصدق به على أنه أضحية، وما ورد عن بعض السلف من التصدق بالمال بدلًا من الأضحية، فإن ذلك محمول على أن بعضهم كان يرى أن التصدق على اليتيم والمحتاج بثمن الأضحية أفضل من ذبحها، وبذلك قال الشعبي وهو قول لمالك وأبي ثور، كما في "الجامع لأحكام القرآن" للإمام القرطبي (15/ 107-108، ط. دار الكتب المصرية).
ما ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما -مما هو مستشهد به في السؤال-: من أنه كان يشتري اللحم ويضحي به، فإن ذلك لا يعني أن اللحم يغني عن شعيرة الأضحية أو يسد مسدها، وإنما كان ذلك بقصد تعريف الناس أن الأضحية ليست بواجبة محتمة، بل هي سنةٌ مؤكدةٌ اختياريةٌ في حق القادر عليها.
فعن عكرمة أنه قال: أرسلني ابن عباس رضي الله عنهما أشتري له لحمًا بدرهمين، وقال: "قل: هذه ضحية ابن عباس" أخرجه عبد الرزاق في "المصنف" واللفظ له، والبيهقي في "معرفة السنن والآثار".
قال الإمام الشافعي في "الأم" (2/ 246، ط. دار الفكر): [وقد بلغنا أن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما كانا لا يضحيان؛ كراهية أن يقتدى بهما ليظن من رآهما أنها واجبة، وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه جلس مع أصحابه ثم أرسل بدرهمين فقال: "اشتروا بهما لحمًا، ثم قال: "هذه أضحية ابن عباس"، وقد كان قلما يمر به يوم إلا نحر فيه أو ذبح بمكة، وإنما أراد بذلك مثل الذي روي عن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، ولا يعدو القول في الضحايا هذا أن تكون واجبة] اهـ.
وقال الإمام ابن عبد البر في "التمهيد" (23/ 194-195): [محمله عند أهل العلم لئلا يعتقد فيها للمواظبة عليها أنها واجبة فرضًا، وكانوا أئمة يقتدي بهم من بعدهم ممن ينظر في دينه إليهم؛ لأنهم الواسطة بين النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبين أمته، فساغ لهم من الاجتهاد في ذلك ما لا يسوغ اليوم لغيرهم، والأصل في هذا الباب أن الضحية سنة مؤكدة؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فعلها وواظب عليها أو ندب أمته إليها] اهـ.
وقال الإمام القرطبي في "الجامع لأحكام القرآن" (15/ 108) في ما ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما: [ومحمل هذا وما روي عن أبي بكر وعمر أنهما لا يضحيان عند أهل العلم؛ لئلا يعتقد في المواظبة عليها أنها واجبةٌ فرض، وكانوا أئمة يقتدي بهم من بعدهم ممن ينظر في دينه إليهم؛ لأنهم الواسطة بين النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبين أمته، فساغ لهم من الاجتهاد في ذلك ما لا يسوغ اليوم لغيرهم] اهـ.
فما ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما إذن من شرائه اللحم: إنما كان لعدم اقتداء الناس به وظنهم أن الأضحية واجبة، وليس أن شراء اللحم أو غيره يجزئ عن الأضحية، بل إنه محمول أيضًا على أنه ضحى وتصدق بجميع لحم الأضحية، واشترى لنفسه لحمًا.
قال الإمام القدوري في "التجريد" (12/ 6327، ط. دار السلام): [وأما ابن عباس فيجوز أن يكون ضحى وتصدق بجميع اللحم وابتاع لنفسه لحمًا، وقال: "هذه أضحية ابن عباس" أي: عوض نصيبه من الأضحية] اهـ.
بالإضافة إلى أنه رضي الله عنه كان كثير الذبح والنحر كل يوم كما أفادت الأخبار والآثار عنه، فكيف له أن يذبح كل يوم ولا يذبح في يوم النحر؟
فعن طاوس رحمه الله قال: "ما رأيت بيتًا أكثر لحمًا وخبزًا وعلمًا من بيت ابن عباس رضي الله عنهما، يذبح وينحر كل يوم، ثم لا يذبح يوم العيد! وإنما كان يفعل ذلك؛ لئلا يظن الناس أنها واجبة، وكان إمامًا يُقتَدى به"، ذكره الإمام الطرطوشي في "الحوادث والبدع" (ص: 43، ط. دار ابن الجوزي)، والإمام الشاطبي في "الاعتصام" (2/ 603، ط. دار ابن عفان).
شراء اللحم للتصدق به أو إعطاء الأيتام والمحتاجين من الفقراء والمساكين مالًا أمرٌ محمودٌ شرعًا ويثاب عليه، ولكنه لا يجزئ عن الأضحية ولا يقوم مقامها.
بناء على ذلك: فإن ما يجزئ في شعيرة الأضحية هي أن تكون من بهيمة الأنعام: الإبل، والبقر، والغنم، ولا يجزئ شراء اللحم وغيره أو التصدق بالمال؛ لكونها عبادةً مقصودةً لذاتها.
وما ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما من شراء اللحم، فإنما هو محمول على معنى خاص هو بيان عدم وجوب الأضحية وجوبًا محتمًا، ولئلا يظن الناس أنها واجبة، وهو إمام يقتدى به.
ولمريد الأضحية أن يتصدق بالمال إذا رأى أن مَن حوله في حاجة إلى المال أكثر من اللحم، إلا أنها لا تُعَدُّ حينئذٍ أضحية، وإنما صدقةٌ من الصدقات.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ما حكم الأضحية بالنسبة للمسافر عن بلده، وكذا الحاج؟ وهل هي مشروعة في حقهما؟
ما حكم الاستبدال في لحوم الأضاحي؟ فنحن نحيط سيادتكم علمًا بأننا جهة خيرية تقوم بتنفيذ مشروع الأضاحي للاستفادة من لحوم الصدقات والأضاحي، ومنذ تأسيس المشروع لا نخطو خطوة إلا بعد الرجوع إلى دار الإفتاء المصرية. وحيث إننا حصلنا على فتوى باستبدال اللحوم (في المطلق) لزيادة الكمية الموزعة على المسلمين فإننا نسأل سيادتكم استكمالًا لهذه الفتوى: هل يجوز أخذ الجزء المستبدل (الكمية الزائدة) قبل العيد لتوزيعها صدقات لإدخال الفرحة على المسلمين لحين وصول كمية لحوم الأضاحي بعدها بشهرين؟ وهل يمكن استبدال جميع الكمية بعد ذبحها أضاحي ونأخذ بدلًا منها لحومًا مذبوحةً صدقات لتصنيعها معلبات؟ حيث إننا نتعاقد مع المجازر ونقوم بإدارة المشروع كاملًا ونحن نعين الجزارين، ونتفق مع المجزر بأن يأخذ الأجزاء الخلفية المرتفعة الثمن ويعطينا بدلًا منها لحومًا أمامية أكثر.
ولو فرضنا أن العجل يعطي 150 كيلو من اللحم الأمامي والخلفي فإننا نأخذ كمية زائدة تصل إلى 50 كيلو لكل عجل، ويصبح إجمالي كمية اللحوم المأخوذة من العجل 200 كيلو بدلًا من 150 كيلو، وللعلم نذبح هذه العجول والخراف جميعها في أوقات التشريق كأضاحٍ، أما كمية الزيادة المستبدلة فتذبح قبل أو بعد أيام التشريق كصدقات.
وقد تبين من خلال المسؤولين عن جهتنا الخيرية أنهم يدفعون ثمن الأضاحي قبل مدةٍ مِن ذبحها وقبل أخذ الأموال من المُضَحِّين، ويتفقون مع المجازر على أخذ الجزء الزائد ابتداءً قبل العيد، ثم يأخذون الباقي بعد العيد.
ما حكم الأضحية بالحيوانات المريضة؟ فإني اعتدت على القيام بالأضحية وعندي حيوان مريض؛ فهل يجوز شرعًا التضحية به؟
ما حكم ذبح الأضحية في غير بلد المضحي؟ فرجلٌ اعتاد أن يضحي بشاة، لكنه عجز هذا العام عن شرائها بسبب غلوِّ الأسعار، وقد أشار عليه أحد الأشخاص أن يوكل من يذبح له في بعض الدول الإفريقية التي ترخص فيها أسعار الماشية؛ لكون المبلغ الذي معه يكفيه للأضحية في إحدى هذه الدول، فهل يلزمه ذلك، وهل يختلف الحكم لو نذرها؟ وهل يوجد فرق بين الأضحية والعقيقة في ذلك، أرجو الإفادة وجزاكم الله خيرًا.
ما حكم الاقتراض للأضحية؟ فالأضحية لها فضل عظيم، فهل إذا حضر وقتها ولم يكن معي مال كاف لها، هل يجوز لي أن أقترض من غيري لكي أقوم بها؟
ما حكم ذبح شاة الأضحية قبل العيد؟ فأنا اشتريت شاةً للأضحية، وقبل حلول عيد الأضحى بثلاثة أيام أكلت فوق طاقتها وأشرفت على الموت، فقمت بذبحها خوفًا من نفوقها وقمت بتوزيعها على الفقراء، فهل تعتبر أضحية أم صدقة؟