ما حكم الأضحية بالبهيمة التي في بطنها حمل دون علم بذلك قبل الذبح؟ فهناك رجلٌ اشترى بهيمةً للأضحية مستوفيةً لكافَّة الشروط الشرعية، مِن بلوغ السِّنِّ، والسلامَةِ من العيوب، إلا أنه بعد ذبحها فوجئ بأن في بطنها حملًا، وقد خرج هذا الحمل ميتًا بعد ذبحها وقد تم خَلْقُه وكَسَاه بعضُ الشَّعر، فهل تجزئ هذه البهيمة عن الأضحية شرعًا؟ وهل يجوز أكلُ هذا الولد الخارج من الأضحية ميتًا بعد ذبحها؟
ذبح البهيمة الحامل دون العلم بحملها قبل ذبحها -لا يَقدَح في إجزائها عن الأضحية، وللمسلم أن يأكل مِن ولدها الذي خرج مكتملًا مُشْعِرًا ميتًا دون أن يذبحه، شأنُهُ في ذلك شأنُ كافَّة أجزاء الأضحية، فذكاة أمِّهِ ذكاةٌ له، مع التأكيد على ضَرُورَةِ تفحُّص إناث الأضاحي قبل ذبحها؛ اتقاءً لذبح البهائم العِشار، سواء في الأضحية أو غيرها؛ خروجًا مِن خلاف العلماء، وعملًا باللوائح والقوانين المقررة في هذا الشأن.
المحتويات
الأضحية شعيرة مِن شعائر الإسلام، قال الله تعالى: ﴿وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ﴾ [الحج: 36]، ومِن أَجَلِّ ما يُتَقَرَّبُ به إلى الله يوم النحر وأيام التشريق، قال تعالى: ﴿لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ﴾ [الحج: 28]، وعن السيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أَنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَا عَمِلَ آدَمِيٌّ مِنْ عَمَلٍ يَوْمَ النَّحْرِ أَحَبَّ إِلَى اللهِ مِنْ إِهْرَاقِ الدَّمِ، إِنَّهُ لَتَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِقُرُونِهَا وَأَشْعَارِهَا وَأَظْلَافِهَا، وَإنَّ الدَّمَ لَيَقَعُ مِنَ اللهِ بِمَكَانٍ، قَبْلَ أَنْ يَقَعَ مِنَ الْأَرْضِ، فَطِيبُوا بِهَا نَفْسًا» أخرجه الأئمة: الترمذي وابن ماجه في "السنن"، والحاكم في "المستدرك" وصحَّحه، والبيهقي في "شعب الإيمان".
قد بيَّن الفقهاءُ أنَّ للأضحية شروطًا شرعيَّة لا بد مِن توفُّرِها حتى تقع مقبولةً مجزئةً عن النُّسُك، ومنها: أن تكون مِن بهيمة الأنعام (الإبل، والبَقَر والجامُوس، والضَّأْن والمَعْز)، وأن تبلغ سِنًّا محدَّدةً أو ما يقوم مقامَها مِن عِظَمِ اللحم واستيفاء الوزن عند بعض الفقهاء وفي بعض الحالات، وهو ما عليه الفتوى، وأن تكون سليمةً عن العيوب.أمَّا كونها خاليةً عن الحمل: فليس بشرطٍ في الأضحية عند جمهور الفقهاء مِن الحنفية والمالكية والحنابلة، ولم يَعُدُّا الحملَ عيبًا مانعًا مِن الإجزاء والقبول شرعًا. ينظر: "رد المحتار" لابن عَابِدِين الحنفي (3/ 655، ط. دار الفكر)، و"الشرح الكبير" للإمام أبي البَرَكَات الدَّرْدِير المالكي (2/ 122، ط. دار الفكر)، و"كشاف القناع" للإمام أبي السعادات البُهُوتِي الحنبلي (3/ 11، ط. دار الكتب العلمية).
بينما ذهب الشافعية في المعتمد إلى اعتبار الحمل عيبًا مانعًا مِن الإجزاء في الأضحية، إلا أنه ليس عيبًا في ذاته، وإنما لِمَا يترتب عليه مِن هُزَالِهَا ونُقصَان لَحمِها، كما في "المجموع" للإمام النَّوَوِي (5/ 428، ط. دار الفكر)، و"حاشية الإمام البُجَيْرِمِي على شرح المنهج" (4/ 296، ط. مطبعة الحلبي).
ولذلك ذهب بعض الشافعيَّة كالإمام ابن الرِّفْعَة إلى إجزاء الحامل في الأضحية، ووافَقَهُ الإمامُ تقي الدين الِحصْنِي فيما إذا كانت سمينةً رغم حملها؛ حيث لم يتضرر اللحم مِن حملها، فلم يكن للحمل تأثيرٌ على المقصود مِن الأضحية.
قال الإمام تقي الدين الحِصْنِي الشافعي في "كفاية الأخيار" (ص: 531، ط. دار الخير): [وهل تُجزِئ الحامل؟ فيه خلافٌ، قال ابن الرِّفْعَة: المشهورُ أنها تجزئ؛ لأنَّ نقص اللحم يُجبَرُ بالجنين، وفيه وجهٌ: لا تجزئ... قُلتُ: ينبغي أن يُفصَّل فيقال: إن كانت الحامِل سمينًا فتجزئ قطعًا؛ للمعنى المقصود مِن الأضحية، وليس في الحديث ما يمنعها، ولا هي في معنى المنصوص عليه. وإن لم تكن سمينةً فإنْ بَانَ بها الهُزَال فلا تجزئ، وإلا أجزأت كنظيرها ممن لا حمل بها، على أنَّ في كلام الرَّافِعِي ما يدل على إجزائها مطلقًا، ولهذا قال: إنها لو عُيِّنَت عما في الذِّمَّةِ أجزأت، ثم قال في أثناء كلامِه: ولهذا لو عابت عادت إلى مِلكِه، وهو يقتضي أنَّ الحمل ليس بعيبٍ هنا؛ لأنَّ المعيب لا يجوز تعيينه عما في الذِّمة] اهـ.
أمَّا حكم الولد الخارج مِن الأضحية مكتملًا مُشعِرًا ميتًا، والذي لم يتبين حملُها به إلا بعد تمام الذَّبح -كما ورد في السؤال-، فإنه يجوز أكلُه بلا ذكاةٍ -أي: ذبح- عند جماهير الفقهاء مِن الحنفية في قول الصاحبين، والمالكية، والشافعية، والحنابلة؛ حيث إنه بمثابة عضوٍ مِن أعضاء أُمِّهِ، فتكفي فيه ذكاتُها، واكتمالُ خِلقَتِه مع نمو شَعره دليلٌ على استمرار حياته في بطن أمه، وأنه ليس مجرد دم، فكانت ذكاتُه بذكاة الأم؛ عملًا بما ورد عن أبي سعيد الخُدْرِي رضي الله عنه في ذلك، حيث قال: سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْجَنِينِ، فَقَالَ: «كُلُوهُ إِنْ شِئْتُمْ». وَقَالَ مُسَدَّدٌ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، نَنْحَرُ النَّاقَةَ، وَنَذْبَحُ الْبَقَرَةَ وَالشَّاةَ، فَنَجِدُ فِي بَطْنِهَا الْجَنِينَ، أَنُلْقِيهِ أَمْ نَأْكُلُهُ؟ قَالَ: «كُلُوهُ إِنْ شِئْتُمْ؛ فَإِنَّ ذَكَاتَهُ ذَكَاةُ أُمِّهِ» أخرجه الإمامان: أبو داود في "سننه" واللفظ له، والترمذي في "سننه" وقال: حَدِيثٌ حَسَنٌ.
قال الإمام برهان الدين المَرْغِينَانِي الحنفي في "الهداية" (4/ 351، ط. دار إحياء التراث العربي): [(ومَن نَحَرَ ناقةً أو ذبح بقرةً، فوَجَد في بطنها جنينًا ميتًا...)... قال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله: إذا تمَّ خَلْقُه أُكِل... لأنَّه جزءٌ مِن الأمِّ حقيقةً، لأنه متصلٌ بها حتى يُفصَل بالمِقراض، ويَتغذَّى بغذائها، ويتنفس بتنفسها... وإذا كان جزءًا منها فالجرح في الأم ذكاةٌ له عند العجز عن ذكاته] اهـ.
وقال الإمام الخَرَشِي المالكي في "شرحه على مختصر خليل" (3/ 40، ط. دار الفكر) في معرِض بيان حُكم ولدِ الأضحية: [وأمَّا الخارج منها بعد ذبحها ميتًا فهو كجزءٍ منها، أي: حكمه حكم لحم أمِّه إنْ حَلَّ بتمام خَلْقه ونَبَاتِ شَعرِه] اهـ.
وقال الشيخ عِلِيش المالكي في "منح الجليل" (2/ 450، ط. دار الفكر): [(وشرط كون ذكاة أم الجنين ذكاةً له (إن تم خَلْقُه)... استمرارُ حياته لوقت تذكية أمِّه، وإلا فلا يؤكَل، ومِن علامات استمرار حياته غالبًا تمامُ خَلْقه ونباتُ شَعره] اهـ.
وقال الإمام شمس الدين الخطيب الشِّرْبِينِي الشافعي في "مغني المحتاج" (6/ 158، ط. دار الكتب العلمية): [(ويَحِلُّ جنينٌ وُجِدَ ميتًا) أو عَيْشُهُ عَيْشُ مذبوح، سواء أَشْعَرَ أم لا (في بطنِ مُذَكَّاةٍ) بالمعجمة، سواء كانت ذكاتُها بذبحها، أو إرسالِ سهمٍ أو كلبٍ عليها... وشرط حِلِّهِ أن يَخرج مُضغةً مخلَّقةً، فإن كان عَلَقَةً لم يؤكَل؛ لأنَّه دَمٌ] اهـ.
وقال الإمام مُوفَّق الدين ابن قُدَامَة الحنبلي في "المغني" (9/ 400، ط. مكتبة القاهرة): [(وذكاتها ذكاة جنينها، أَشْعَرَ أو لم يُشْعِرْ) يعني إذا خرج الجنين ميتًا مِن بطن أمِّهِ بعد ذبحها، أو وَجَدَه ميتًا في بطنها، أو كانت حركتُه بعد خروجه كحركة المذبوح، فهو حلالٌ] اهـ.
هذا ومما يجب التأكيد عليه في هذا المقام التَّنَبُّهُ إلى تفحُّص إناث الأضاحي جيدًا قبل ذبحها، حتى لا يُفَاجَأ المُضَحِّي بحملها بعد ذبحها -كما ورد في السؤال-؛ لأنه لا ينبغي الابتداء بذبح الحوامل مِن إناث الأنعام عامَّةً في الأضحية وغيرها؛ لِمَا ورد في المادة الخامسة مِن قرار وزير الزراعة رقم 517 لسنة 1986م بشأن ذبح الحيوانات وتجارة اللحوم، وفيها أنه: [يُحظَر ذَبحُ الإِناثِ العِشار] اهـ، وقد تقرَّر في قواعد الشرع الشريف أن "تصرف الإمام على الرعية منوط بالمصلحة"، كما في "الأشباه والنظائر" للإمام السُّيُوطِي (ص: 121، ط. دار الكتب العلمية)، ومما لا شك فيه أن مَنْع ذبح الإناث العِشار مِن البهائم للأضحية أو غيرها هو مما تتحقق به المصلحة العامة.
بناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فإنَّ ذبح الرَّجل المذكور تلكَ البهيمةَ الحاملَ دون علمٍ منه بحملها قبل أن يَذبحها -لا يَقدَح في إجزائها عن الأضحية، وله أن يأكل مِن ولدها الذي خرج مكتملًا مُشْعِرًا ميتًا دون أن يذبحه، شأنُهُ في ذلك شأنُ كافَّة أجزاء الأضحية، فذكاة أمِّهِ ذكاةٌ له، مع التأكيد على ضَرُورَةِ تفحُّص إناث الأضاحي قبل ذبحها بعد ذلك في حقه وحقِّ غيره؛ اتقاءً لذبح البهائم العِشار، سواء في الأضحية أو غيرها؛ خروجًا مِن خلاف العلماء، وعملًا باللوائح والقوانين المقررة في هذا الشأن.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ما حكم إعطاء الجزار من الأضحية؟ فقد اشتركنا جماعة في ذبح عجل كأضحية، واتفقنا مع الجزار على أجرة معينة، فذَبَحَ الأضحية وأخذ حق الذبح، وأخذ أيضًا الرأس والرجلين، ثم اكتشفنا أنه لا يحق له أخذ شيءٍ من الأضحية، فرجعنا له نطالبه بما أخذ فقال بأنه قد باعها لينتفع بثمنها، فما حكم ما أخذه الجزار من الأضحية بهذه الطريقة، وهل يؤثر ذلك على قبول الأضحية؟ وهل لنا أن نسترد هذه الأموال من الجزار؟ أفيدونا أفادكم الله.
تقوم إحدى الجمعيات بعرض صكوك الأضاحي على المتبرعين في كافة أنحاء الجمهورية، ونقوم بالذبح والتوزيع نيابة عنهم، وجزء من هذه الأضاحي يتم ذبحه داخل جمهورية مصر العربية أيام التشريق، ويتم التوزيع فور الذبح، والجزء الآخر من الأضاحي يتم ذبحه خارج مصر في أيام التشريق، ثم يتم نقلها بعد أيام التشريق إلى مصر وتوزيعها على فقراء المسلمين؛ لأن تكلفة نقلها حيةً أكبرُ من تكلفة نقلها لحمًا بعد ذبحها، مما يعود بالفائدة على زيادة أعداد الأضاحي، فتزداد نسبة المستفيدين منها من الفقراء والمحتاجين. فهل يجوز توزيع لحوم الأضاحي التي تم ذبحها أيام التشريق خارج مصر بعد انقضاء أيام التشريق ووصولها إلى مصر؟
ما حكم ترك عمل العقيقة عن الأولاد لمَن يقدر على فعلها؟ وهل يأثم بذلك؟
ما حكم إمساك مريد التضحية لشعره وظفره؟ السؤال عن قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيما رواه مسلم: «إذَا رَأَيْتُمْ هِلالَ ذِي الْحِجَّةِ وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ فَلْيُمْسِكْ عَنْ شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ».
ما هو موقف من لم يعقد النية لتقديم أضحية إلا حين يتيسر له ذلك، وقد لا يتيسر له إلا صباح يوم العيد؟
وما هو موقف المسافر للحج متمتعًا؛ أي عليه هدي، وكان إحرامه وسفره في الرابع من ذي الحجة، ولم يمسك عليه شعره وأظافره إلا حينما نوى الإحرام بالحج ثم السفر؟
وما هو موقف الحاج متمتعًا، والذي يحل من إحرامه عقب أداء العمرة دون إمساك عن الشعر والأظافر وحتى النساء، حتى الإحرام مرة أخرى يوم التروية؟
ما حكم بيع دماء الأضاحي لمصانع الأسمدة؟ فهناك جمعيةٌ خيريةٌ تعمل على ذبح الأضاحي كلَّ عامٍ بكمياتٍ كبيرةٍ، وعرضت عليها بعض مصانع الأسمدة شراء دماء الأضاحي. فهل يجوز شرعًا للقائمين على هذه الجمعية بيع دماء الأضاحي لتلك المصانع؟
ما حكم الأضحية إذا انتشر في الحيوانات مرض وبائي؟ نظرًا لانتشار أمراض جنون البقر والحُمَّى القلاعية في البلاد التي نعيش فيها حيث من الممكن أن تصاب الأضحية بهذه الأمراض التي تؤثر على الإنسان وتصيبه؛ هل من الممكن إخراج ثمن هذه الأضحية بدلًا من ذبحها، وما هي البدائل المتاحة؟