ما حكم هدي التمتع إذا حج الوكيل متمتعا مخالفا لما أمر به الموكل؟ فقد وكَّل شخصٌ غيرَه في الحج عن والده المتوفَّى دون أن يحدد له نوعَ الإحرام بالحج، فحجَّ متمتعًا: فَعَلى مَنْ يكون الهدْي؟ وهل يختلف الحكم لو أنه شرط عليه أن يَحُجَّ مُفرِدًا فَحَجَّ مُتمتعًا أو أنْ يُحَجَّ مُتمتعًا فالتزم بذلك؟
إذا وكَّل شخصٌ غيره في الحجِّ عن والده المتوفى دون أن يُحَدِّد له نوع الإحرام بالحجِّ فحج مُتَمَتِّعًا: فإن هدي التمتع يكون واجِبًا على الوكيل، وكذا لو شرط عليه أن يحج مفردًا فخالف فحجَّ مُتَمَتِّعًا، أما لو شرط عليه أن يحج مُتَمَتِّعًا فامتَثَل: فالمختار أنَّ الهدي على المُوكِّل دون الوكيل.
المحتويات
الوكالة أو النيابة جائزةٌ شرعًا، وهي تفويضُ شخص أمرَهُ إلى آخر، فيما يَقْبَلُ النيابة؛ ليفعله حال حياتِهِ.
وشرطُ الأمر الموكَّل فيه أن يكون قابلًا للنيابة، فلا يَصِحُّ التوكيلُ في عبادةٍ بدنية إلَّا ما استُثْنِي، ومن هذا فريضة الحجِّ عند جماهير العلماء؛ فإنَّها عبادةٌ تصحُّ الإنابةُ فيها عن الغير بأن يُوكِّل الإنسانُ من يحُجُّ عنه أو عن غيره أو مَن يَسْتَنِيبُ له مَن يقوم بذلك. يُنظر: "فتح القريب المجيب" للإمام ابن قاسم الغزِّي (ص: 183، ط. دار ابن حزم)، و"الشرح الصغير" للشيخ الدردير (3/ 503، ط. دار المعارف).
والأصل في ذلك: ما جاء عن أبي رَزِينٍ العُقَيْلي، أنه أتى النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: يا رسول الله، إن أبي شيخٌ كبير لا يستطيع الحج، ولا العمرة، ولا الظعن، قال: «حُجَّ عَنْ أَبِيكَ وَاعْتَمِرْ» رواه الترمِذي في "سننه" وقال: هذا حديث حسَنٌ صحيح.
قال الحافظ ابنُ حجر العسقلاني في "فتح الباري" (4/ 69، ط. دار المعرفة): [في هذا الحديث من الفوائد جوازُ الحجِّ عن الغير] اهـ.
ويُشترط أن يكون هذا الشخص الموكَّل بالحجِّ عن غيره قد حَجَّ عن نفسِهِ أولًا؛ وذلك لما جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما: أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم سمع رجلًا يقول: لبَّيْكَ عن شُبْرُمَةَ، قال: «مَنْ شُبْرُمَةُ؟» قال: أخٌ لي -أو قريبٌ لي-. قال: «حَجَجْتَ عَنْ نَفْسِكَ؟» قال: لا، قال: «حُجَّ عَنْ نَفْسِكَ، ثُمَّ حُجَّ عَنْ شُبْرُمَةَ» رواه أبو داود والترمذي في "سننيهما".
إحْرام المُتَنَسِّك بالحجِّ على ثلاثة أوجُهٍ، هي: الإفراد، والتمتع، والقران.
فالإِفرادُ: هو أن يُحرم بالحج مِن ميقاتِهِ ويفرغ منه، ثم يُحرم بالعمرة إن أراد، كإحرام المكي؛ بأن يخرج إلى أدنى الحلِّ فيُحرم بها.
وأما التمتع: فهو أن يُحرم بالعمرة مِن ميقات بلده في أشهر الحج، ويدخل مكة، ويفرغ مِن أفعال العمرة، ثم ينشئ الحجَّ من مكة.
وأما القِران: فهو أن يُحرِم بهما مِن الميقات، ويعمل عمل الحجِّ، فيحصلان معًا.
مَن أحرم بالعمرة مُتمتعًا بها إلى الحج فإنه يلزمه -في الجُملة- أن يذبح هَدْيًا، فإن لم يجد ذلك الهديَ فعليه صيامُ ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله؛ لقوله تعالى: ﴿فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ﴾ [البقرة: 196].
وقد حُكي الإجماع على ذلك.
قال الإمام ابنُ المنذر في "الإشراف" (3/ 296، ط. مكتبة مكة الثقافية): [أجمع أهل العلم على أن من أهلَّ بعمرة في أشهر الحج مِن الآفاق من الميقاتِ، وقدم مكة، ففرغ منها، وأقام بها، فحجَّ من عامه، أنه متمتعٌ وعليه الهدي إنْ وجد وإلَّا فالصيام] اهـ.
أمَّا في خصُوص الحج عن الغير: فإذا تمتَّع الوكيلُ بالعمرة إلى الحجِّ، فإما أن يُعَيِّن له الموكلُ نوعَ الإحرام بالحجِّ أو لا، وإن عيَّن فإما أن يَمْتَثِل المُوكل أو يُخالف، فإن لم يُعَيِّن له نوعَ الإحرام بالحجِّ وفوَّض الأمر إليه فإنَّ هدي التمتع يكون واجِبًا على الوكيل دون المُوكل؛ لأنَّ الإفراد بالحجِّ هو المُتَعَيِّنُ عليه حالتئذٍ، فإذا اعتمر في وقت الحجِّ صحت الوكالة، ولزِمَه دم التمتع؛ لأنَّ المُوكِّل لم يأمره بالعُمرةِ فصار مُخالفًا.
وهو ما ذهب إليه فقهاء الحنفية والمالكية، والشافعية في أحد الوجهين، والحنابلة بشرط ألا يُحرِم بالحجِّ من الميقات.
جاء في متن "كنز الدقائق" وشرحه "البحر الرائق" للإمام ابن نُجَيم المصري (3/ 68، ط. دار الكتاب الإسلامي) من كتب الحنفية: [أشار المصنِّفُ إلى أنَّ المأمور في كلِّ موضعٍ يصير مُخالفًا فإنه يَضْمَن النفقة فمنها... ما إذا أمره بالحجِّ فاعتمر ثم حجَّ من مكة؛ لأنه مأمورٌ بحج ميقاتي، وما أتى به مكي] اهـ.
قال العلامة ابنُ عابدين في الحاشية عمَّا يجب على الأجيرِ إن أطلق المُستأجر الأمر بالحجِّ مَعزِيًّا لـ "شرح شمس الأئمة": [أنه مأمورٌ بتجريد السَّفر للحج عن الميت، فإنه المفروضُ عليه، وينصرِف مُطلق الأمر إليه] اهـ.
وقال الشَّيخ عليش المالكي في "منح الجليل" (2/ 210، ط. دار الفكر): [(وَإلَّا) بأن اشتَرَطه الميتُ حقيقة أو حُكمًا بأن تَعَيَّن حال الإطْلاقِ (فَلَا) يَجزِيه غير الإفرادِ عنه] اهـ أي: تكون عمرته لنفسه ويقع حجُّه عن الآمر.
وقال الإمام العمراني الشافعي في "البيان" (7/ 398، ط. دار المنهاج) عمَّن يجب عليه الدم حيث لم يكن في كلام المُستأجر ما يدل على تمتُّع الأجير في سفره للحجِّ، وبناء على وقوعِ النُّسُكَين عنه: [فيه وجهان: أحدهما -وهو قول الشيخ أبي حامد-: أنه على الأجير؛ لأنَّ المحجُوج عنه لم يُصَرِّح بالرضا بوجُوبِهِ عليه. والثاني: على المحجُوج عنه؛ لأنَّ النسكين وقعا عنه] اهـ.
وقال برهان الدين ابنُ مفلح الحنبلي في "المُبدع في شرح المقنع" (3/ 99، ط. دار الكتب العلمية) في خصوص مخالفة النائب إذا أمره بحجِّ -مطلقًا- فاعتمر لنفسه، ثم حج: [نصَّ أحمد، واختاره المؤلفُ وغيره: إن أحرم من ميقاتٍ فلا، ومن مكة يَرُدُّ من النفقة ما بينهما، ويلزمه دمٌ لترك ميقات] اهـ فأفاد لزوم هدي التمتع للوكيل دون المُوكل؛ لأنه مأمورٌ بالحجِّ من الميقات حال إطلاق الأمر بالحجِّ، وقد خالَفَ الوكيل فأحرم بحجةٍ عن الآمر من مكة.
أمَّا إذا عين الموكل له نوع الإحرام بأن شرط عليه أن يحجَّ مُفرِدًا فخالف الوكيل فحجَّ متمتعًا:
فذهب جمهور الفقهاء من الحنفية في المذهب -خلافًا للصَّاحبين- والمالكية والشافعية والحنابلة إلى وجُوبِ هدي التمتعِ على الوكيل؛ لتَعَمُّده سبب إيجابِهِ ولعدم الإذن فتحققت المخالفة.
قال الإمام ابنُ نجَيْم المصرِي الحنفي في "البحر الرائق" (3/ 70): [الثانية: ما إذا أمره بالحج مفردًا فقرن فإنه يكون ضامنًا للنفقة، لا لأنَّ الإفراد أفضلُ من القران، بل لأنه أمره بإفراد سفر له، وقد خالف، وفي الثانية خلافُهما هما يقولان: هو خلافٌ إلى خير، وهو يقول: إنه لم يأمره بالعمرة، ولا ولاية لأحدٍ في إيقاعِ نسك عن غيره بغير أمره فصار كما لو أمره بالإفراد فتَمَتَّع فإنه يكون مخالفًا اتفاقًا، وأراد بالقران دم الجمع بين النسكين قرانًا كان أو تمتعًا كما صرَّح به في "غاية البيان" لكن بالإذن المُتقدم] اهـ.
وقال الشيخ الحطَّاب المالكي في "مواهب الجليل" (2/ 552، ط. دار الفكر): [ولو تَمَتَّع من غير إذنٍ وقُلنا: يُجزِئه كان الهديُ عليه دون المستأجر؛ لأنه تَعَمَّد سبب إيجابِهِ ولم يستنِدْ إلى إذن] اهـ.
وقال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري الشافعي في "الغرر البهية" (2/ 380، ط. المطبعة الميمنية): [(وعلى الأجيرِ تلكَ) أي: الشاةُ (إذا خالَفَ) مُستأجِرَه (في المأمُورِ) به للزومها بمخالفتِهِ، سواء تضَمَّن أمرُه لزوم دم كأن أمره بالقران فتَمَتَّع أو بالعكس، ولم يَعُدْ إلى الميقاتِ فيهما أم لم يتضمَّن ذلك كأن أمره بالإفراد فتمتع، أو قرن] اهـ.
وقال العلامة البُهوتي الحنبلي في "شرح منتهى الإرادات" (1/ 522، ط. عالم الكتب): [(وما لزم نائبًا بمخالفتِهِ) كفعلِ محظورٍ (فمِنْه) أي: النائب لأنه بجنايته، وكذا نفقة نسك فسد، وقضائه ويرد ما أخذ؛ لأن النسك لم يقع على مستنيبه لجنايته وتفريطه. ودم تمتع وقران على مستنيب بإذن، وشرط أحدهما الدم الواجب عليه على الآخر لا يصح كشرطه على أجنبي] اهـ.
أما إذا امتثل الوكيل لأمر مُوكِّله بأن شَرَطَ عليه أن يحُجَّ مُتَمَتِّعًا فامْتَثَلَ لذلك فحجَّ مُتَمَتِّعًا: فذهب الحنفية والشافعية في مقابل الأصح إلى وجُوبِ هدي التمتع على الوكيل؛ لأنَّ حقيقة الفعل منه، وإن كان الحجُّ يقع على الآمِر.
قال العلامة شيخي زاده الحنفي في "مجمع الأنهر" (1/ 309، ط. دار إحياء التراث العربي): [(ودَمُ المُتعةِ والقرانِ على المأمورِ)؛ لأنه موقوفٌ لأداءِ النسكين، والمأمور مُختصٌّ بهذه النعمة؛ لأنَّ حقيقة الفعل منه، وإن كان الحجُّ يقع على الآمِر] اهـ.
وقال الإمام محيي الدين النووي الشافعي في "المجموع" (7/ 132، ط. دار الفكر) في خصُوص دم النسك: [على من يجِبُ؟ فيه وجهان، وقيل: قولان... (والثاني) على الأجير؛ لأنه المُتَرَفِّه] اهـ.
بينما ذهب جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية في الأصح والحنابلة إلى وجُوبِهِ على المُوكِّل؛ لوجود الإذن فيه.
قال الإمام الخَرَشي المالكي في "شرح مختصر خليل" (2/ 291، ط. دار الفكر): [ولا يجوز للمُستأجر اشتراطُ كهدي تمتع ونحوه على الأجير إذا استأجره على أن يحُجَّ متمتعًا، أو قارنًا، بل الهدي في ذلك على المستأجر لا يُضَمُّ إلى الإجارة] اهـ.
وقال الإمام زكريا الأنصاري الشافعي في "أسنى المطالب" (1/ 454، ط. دار الكتاب الإسلامي): [(فرعٌ: لو استأجَرَهُ للتمتُّع) فامتثل (فالدمُ) الواجِب بالتمتع (على المستأجِرِ)] اهـ.
وقال الإمام النووي في "المجموع" (7/ 132) بيانًا لأصحِّ الوجهين في وجوب هدي القران: [(أصحُّهما) على المستأجر، وبه قَطَعَ الشيخ أبو حامد والبَنْدَنِيجِيُّ كما لو حج بنفسه؛ لأنه الذي شرط القران] اهـ، والتمتع مثلُ القران.
وقال الشيخ البهوتي الحنبلي في "كشاف القناع" (2/ 462، ط. دار الكتب العلمية): [ودمُ المُتعةِ والقرانِ على المُستنيب إن أَذِنَ فيهما، وإلَّا فعلى النائبِ كجنايتِهِ] اهـ.
والمُختار للفتوى في هذه الحالة: هو ما ذهب إليه جمهورُ الفقهاءِ من وجُوبِ هدي التمتع على المُوكِّل دون الوكيل؛ لعدم مُخالفة الوكيل أو جنايتِهِ.
بناء على ذلك وفي السؤال: إذا وكَّل شخصٌ غيره في الحجِّ عن والده المتوفى دون أن يُحَدِّد له نوع الإحرام بالحجِّ فحج مُتَمَتِّعًا: فإن هدي التمتع يكون واجِبًا على الوكيل، وكذا لو شرط عليه أن يحج مفردًا فخالف فحجَّ مُتَمَتِّعًا، أما لو شرط عليه أن يحج مُتَمَتِّعًا فامتَثَل: فالمختار أنَّ الهدي على المُوكِّل دون الوكيل.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ما حكم الخلاف على أتعاب المحاماة؟ حيث قد تعاقدتُ مع اثنين من موكلاتي على الدخول لهما في قضية إرث -بيع عقار- مع بقية الورثة، ولكن لظروف عاجلة وخلاف حادٍّ بين الورثة بعضهم بعضًا من جهةٍ وبينهم وبين المشتري من جانب آخر لم نتمكَّن من الاتفاق على الأتعاب. والآن وبعد إنجاز المطلوب بنجاح فقد عاد على الجميع -الموكلتين وباقي الورثة- إنجاز عظيم وفوائد جمَّة. فما هو حقي تجاه الموكلتين وباقي الورثة، رغم أننا لم نُسمِّ قدرًا معينا؟
ما حكم الكلام في الهاتف المحمول أثناء الطواف؟ حيث إن هناك من تأتي إليهم مكالمات على هواتفهم المحمولة أثناء الطواف بالبيت فيقومون بالرَّدِّ عليها؛ فهل هذا جائز شرعًا؟
هل يجب على المسلم أن يغتسل قبل إحرامه بالحج أو العمرة؟
هل الأولوية للشباب الزواج أم الحج؟ حيث يوجد رجل عزم على الزواج في عام والحج في العام التالي، ولم يتمّ الزواج في العام المتفق عليه لظروف ما، وأتى عام الحج. ويسأل: هل الأَوْلى الزواج، أو أداء فريضة الحج في الوقت المحدد له، وتأجيل الزواج إلى العام المقبل؟
هل يجوز لمَن حجّ عن آخر بعد وفاته الحصول على مال من تركته مساويًا لما أنفقه مقابل تأدية فريضة الحج نيابة عنه؟ وهل يختلف الأمر في حالة الوصية وعدمها؟
أيهما أفضل: القيام بعمرة التطوع أو الإنفاق على الفقراء والمحتاجين؟