مفهوم الفتوى المؤصلة

تاريخ الفتوى:17 فبراير 2014 م
عدد المشاهدات: 490

والفرق بينها وبين الفتوى غير المؤصلة، وبين البحث الفقهي

التأصيل: على وزن التفعيل، ومن معاني هذا المصدر: التصيير، والتحويل، والمبالغة، أي: صار له أصل، وتحول الشيء إلى أصله، وبلغ الشيء أصله، فمعنى الفتوى المؤصلة هو: تصوير المسألة تصويرًا صحيحًا، ومراجعة المتخصصين إن دعت الحاجة إلى ذلك؛ وذلك بحسب طبيعة المسألة، ثم ذكر الرأي المختار فيها مع عرض أدلته، وذكر وجه الدلالة من كل دليل منها، ثم الإشارة إلى بعض الآراء والمذاهب الأخرى فيها، ومناقشة بعض أدلتهم ودفعها، وهذا الترتيب ليس مقصودًا، فقد يبدأ بالرأي المختار، وقد يؤخر النص على اختياره بعد مناقشة أدلة جميع الاتجاهات والآراء، وذلك كله في ضوء القواعد العلمية المتبعة في البحث العلمي مع تفعيل العلوم اللغوية والشرعية -العقلية منها والنقلية- ما أمكن.

وذكر الدليل ووجه الدلالة منه مهم في تأصيل الفتوى، قال ابن القيم في إعلام الموقعين عن رب العالمين: «يَنْبَغِي لِلْمُفْتِي أَنْ يَذْكُرَ دَلِيلَ الْحُكْمِ وَمَأْخَذَهُ مَا أَمْكَنَهُ مِنْ ذَلِكَ، وَلا يُلْقِيهِ إلَى الْمُسْتَفْتِي سَاذَجًا مُجَرَّدًا عَنْ دَلِيلِهِ وَمَأْخَذِه؛ فَهَذَا لِضِيقِ عَطَنِهِ وَقِلَّةِ بِضَاعَتِهِ مِنَ الْعِلْمِ، وَمَنْ تَأَمَّلَ فَتَاوَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الَّذِي قَوْلُهُ حُجَّةٌ بِنَفْسِهِ رَآهَا مُشْتَمِلَةً عَلَى التَّنْبِيهِ عَلَى حِكْمَةِ الْحُكْمِ وَنَظِيرِهِ، وَوَجْهِ مَشْرُوعِيَّتِهِ، وَهَذَا كَمَا ((سُئِلَ عَنْ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ، فَقَالَ: أَيَنْقُصُ الرُّطَبُ إذَا جَفَّ؟ قَالُوا: نَعَمْ، فَزَجَرَ عَنْهُ))، وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ كَانَ يَعْلَمُ نُقْصَانَهُ بِالْجَفَافِ، وَلَكِنْ نَبَّهَهُمْ عَلَى عِلَّةِ التَّحْرِيمِ وَسَبَبِهِ. وَمِنْ هَذَا قَوْلُهُ لِعُمَرَ وَقَدْ سَأَلَهُ عَنْ قُبْلَةِ امْرَأَتِهِ وَهُوَ صَائِمٌ، فَقَالَ: ((أَرَأَيْتَ لَوْ تَمَضْمَضْتَ ثُمَّ مَجَجْتَهُ، أَكَانَ يَضُرُّ شَيْئًا؟ قَالَ: لا))، فَنَبَّهَ عَلَى أَنَّ مُقَدِّمَةَ الْمَحْظُورِ لا يَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ مَحْظُورَةً؛ فَإِنَّ غَايَةَ الْقُبْلَةِ أَنَّهَا مُقَدِّمَةُ الْجِمَاعِ، فَلا يَلْزَمُ مِنْ تَحْرِيمِهِ تَحْرِيمُ مُقَدِّمَتِهِ، كَمَا أَنَّ وَضْعَ الْمَاءِ فِي الْفَمِ مُقَدِّمَةُ شُرْبِهِ، وَلَيْسَتِ الْمُقَدِّمَةُ مُحَرَّمَةً». [إعلام الموقعين 4/ 123 ط دار الكتب العلمية]

أما الفتوى غير المؤصلة فهي: الفتوى التي اقتصر فيها على بيان الحكم الشرعي على الراجح عند المفتي، مع ذكر بعض أدلتها، أو مجردة من الدليل، كما قد يشار أحيانًا في الفتوى المختصرة إلى آراء الفقهاء في المسألة باختصار، وذلك على حسب المقام، وحال السائل وغرضه.

أما البحث الفقهي: فالبحث في اللغة يراد به الاستقصاء، يقال: بحث عن الأمر بحثا من باب: نفع، بمعنى استقصى، وَبَحَثَ فِي الْأَرْضِ: حَفَرَهَا، وَفِي التَّنْزِيلِ: ﴿فَبَعَثَ اللهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ﴾ [المائدة: 31]. [المصباح المنير في غريب الشرح الكبير للفيومي، ص36، ط. المكتبة العلمية].

والبحث في أي علم يشترط فيه الالتزام بأصول معينة، وأسس ثابتة يجب مراعاتها ليصل الباحث إلى النتائج الموضوعية المرجوة، ويقصد فيه التوصل إلى حقيقة من الحقائق، أو قاعدة كلية بأدلة نطمئن إليها [البحث الفقهي مصادره وخصائصه للدكتور/ إسماعيل سالم عبد العال، ص12، ط. مكتبة الأسدي بتصرف].

والبحث الفقهي يعني خطة الدراسة الفقهية المبنية على قواعد معينة وأصول مرعية لمجموعة من الحقائق بقصد التوصل إلى حكم أو أحكام فقهية جديدة، وينبغي الوصل من ورائه إلى تحقيق إضافة علمية جديدة. [المرجع السابق، ص14 بتصرف].

والبحث الفقهي له أسلوب خاص في صياغته، فهو يقسم إلى أبواب، والأبواب إلى فصول، وكتابة مصادر بحثه، في حين أن الفتوى ليست كذلك، فهي تمر بمراحل في كتابتها من: التصوير والتكييف وبيان الحكم، وتنزيله على الواقع، فالعلاقة بينهما عموم وخصوص وجهي.
وبذلك بان الفرق بين البحث الفقهي والفتوى مؤصلة وغير مؤصلة، إذ لكل منهما قواعد وأسس ومقاصد وأساليب تختلف عن الأخرى.