نسبه:
هو محمد بن الحسن بن فرقد الشيباني، وقيل محمد بن الحسن بن عبيد الله بن مروان.
مولده ونشأته:
كان والده من أهل حرستا، وهي قرية مشهورة بظاهر دمشق، فقدم العراق في آخر عهد الأمويين، فولد له محمد بواسط (مدينة في وسط العراق بناها الحجاج بن يوسف الثقفي) سنة 132 هـ، فحمله إلى الكوفة فنشأ بها، وكتب شيئا من العلم عن أبي حنيفة، ولازمه نحو سنتين، ثم لازم أبا يوسف من بعده حتى برع في الفقه، وكذلك الإمام مالك، حيث قال: «أقمت على باب مالك ثلاث سنين، وسمعت منه لفظا سبع مائة حديث ونيفا»، وروى محمد بن الحسن موطأ مالك.
شيوخه:
بالإضافة إلى تتلمذه على يد الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان، ثم صاحبه أبي يوسف، وكذلك الإمام مالك، فقد سمع أيضًا من مسعر بن كدام، ومالك بن مغول، وعمر بن ذر الهمذاني، وسفيان الثوري، والأوزاعي، وعمرو بن دينار.
تلاميذه:
روى عنه الشافعي، وأبو عبيد القاسم بن سلام، وهشام بن عبيد الله الرازي، وعلي بن مسلم الطوسي، وعمرو بن أبي عمرو، ويحيى بن معين، ومحمد بن سماعة، ويحيى بن صالح الوحاظي وآخرون، وأبو سليمان الجوزجاني، ومعلى بن منصور.
مناقبه:
انتهت إلى الإمام محمد بن الحسن رياسة الفقه بالعراق بعد أبي يوسف، وتفقه به أئمة وصنف التصانيف، وكان من أذكياء العالم، وتولى قضاء الرَّقَّة بعد ترشيح من أبي يوسف، كما تولى قضاء الري، وولي قضاء القضاة للرشيد، ونال من الجاه والحشمة ما لا مزيد عليه.
قال فيه أبو عبيد: «ما رأيت أعلم بكتاب الله من محمد بن الحسن».
وقال الشافعي: «لو أشاء أن أقول نزل القرآن بلغة محمد بن الحسن لقلته لفصاحته».
وقال أيضًا: «ما رأيت سمينًا أخفًّ روحًا من محمد بن الحسن، وما رأيت أفصح منه، كنت إذا رأيته يقرأ، كأن القرآن نزل بلغته».
أما الإمام أحمد بن حنبل، فحين سُئل عن المسائل الدقيقة التي يتحدث فيها، من أين لك؟ قال: «من كتب محمد بن الحسن».
وكان يقول لأهله: «لا تسألوني حاجة من حوائج الدنيا فتشغلوا قلبي، وخذوا ما تحتاجون إليه من وكيلي، فإنه أفرغ لقلبي وأقل لهمي».
وروى مجاشع بن يوسف، قصة للقاء الإمام مالك مع الإمام محمد بن الحسن، حيث قال: كنت بالمدينة عند مالك وهو يفتي الناس، فدخل عليه محمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة وهو حدث، فقال: ما تقول في جنب لا يجد الماء إلا في المسجد؟ فقال مالك: لا يدخل الجنب المسجد.
قال: فكيف يصنع وقد حضرت الصلاة وهو يرى الماء؟ فجعل مالك يكرر: لا يدخل الجنب المسجد.
فلما أكثر عليه قال له مالك: فما تقول أنت في هذا؟ قال: يتيمم ويدخل فيأخذ الماء من المسجد ويخرج فيغتسل.
قال: من أين أنت؟ قال: من أهل هذه، وأشار إلى الأرض.
فقال: ما من أهل المدينة أحد لا أعرفه.
فقال: ما أكثر من لا تعرف، ثم نهض.
فقالوا لمالك: هذا محمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة.
فقال مالك: محمد بن الحسن كيف يكذب وقد ذكر أنه من أهل المدينة؟! قالوا: إنما قال من أهل هذه، وأشار إلى الأرض.
قال: هذا أشد عليَّ من ذاك.
وعن جعفر بن ياسين، قال: كنت عند المزني فوقف عليه رجل فسأله عن أهل العراق، فقال: له ما تقول في أبي حنيفة؟ قال: سيدهم.
قال: فأبو يوسف؟ قال: أتبعهم للحديث.
قال: فمحمد بن الحسن؟ قال: أكثرهم تفريعا.
قال: فزفر؟ قال: أحدُّهم قياسًا.
وكان محمد بن الحسن يرى أن الحق واحد ولا يتعدد، وهي مسألة اختلف فيها الفقهاء كثيرًا، وكان يقول: «إذا اختلف في مسألة، فحرم فقيه وأحلَّ آخر، وكلاهما يسعه أن يجتهد، فالصواب عند الله واحد حلال أو حرام، ولا يكون عنده حلال وحرام وهو شيء واحد، فأما أن يقول قائل: قد أحل فقيه وحرم فقيه في فرج واحد وكلاهما صواب عند الله، فهذا ما لا ينبغي أن يتكلم به، ولكن الصواب عند الله واحد، وقد أدى القوم ما كلفوا به حين اجتهدوا ووسعهم ما فعلوا، وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف وقولنا».
وحُكي عن بعض أصحابه أن محمدَ بن الحسن كان حزبه في كل يوم وليلة ثلث القرآن.
مصنفاته:
من كتب محمد بن الحسن - رحمه الله -:
1- الأصل.
2- الجامع الكبير.
3- الجامع الصغير.
4- السير الكبير.
5- السير الصغير.
6- الآثار.
7- الفتاوي الهارونية.
8- الرقية.
ورُوي عنه النوادر والكاسانية.
وفاته:
توفي محمد بن الحسن بالري سنة 189 هـ وهو ابن 58 سنة في اليوم الذي مات فيه الإمام الكسائي، فقال الرشيد: دفن الفقه والعربية بالري.
قال علي بن معبد: حدثني الرجل الرازي الذي مات محمد بن الحسن في بيته، قال: "حضرت محمدا وهو يموت فبكى، فقلت له: أتبكي مع العمل؟ فقال لي: أرأيت إن أوقفني الله تعالى، فقال: ما أقدمك الري؟ الجهاد في سبيلي أم ابتغاء مرضاتي؟ ماذا أقول؟ ثم مات رحمه الله".
المصادر:
مناقب الإمام أبي حنيفة وصاحبيه: 79، ط لجنة إحياء المعارف النعمانية بالهند.
تاريخ بغداد للخطيب البغدادي: 2/561، ط دار الغرب الإسلامي.
تاج التراجم في طبقات الحنفية لزين الدين السودوني الجمالي: 2/47، ط دار القلم ـ دمشق.