لا يوجد موعد

الإمام النووي

الإمام النووي

نسبه:
هو يحيى بن شرف بن مُرِّي بن حسن بن حسين بن حِزام بن محمد بن جمعة(1) النووي الحوراني الدمشقي الشافعي، الشيخ الإمام العلامة محيي الدين أبو زكريا.

مولده ونشأته:
ولد النووي في المحرم سنة 631 هـ، بنوى من أعمال حوران (الجنوب السوري حاليًا)، وكان أبوه من أهلها المستوطنين بها.

قدم دمشق سنة 649 هـ، فسكن في المدرسة الرواحية يتناول خبز المدرسة، فبانت له قدرات علمية فذَّة، حيث حفظ كتاب التنبيه في أربعة أشهر ونصف وقرأ ربع المهذب حفظًا في باقي السنة على شيخه الكمال إسحاق بن أحمد، ثم حج مع أبيه وأقام بالمدينة النبوية شهرًا ونصفًا، وذكر أبو الحسن بن العطار أن الشيخ محيي الدين ذكر له أنه كان يقرأ كل يوم اثني عشر درسًا على مشايخه شرحًا وتصحيحًا: درسين في الوسيط، ودرسًا في المهذب، ودرسًا في الجمع بين الصحيحين، ودرسًا في صحيح مسلم، ودرسًا في اللمع لابن جني، ودرسًا في إصلاح المنطق، ودرسًا في التصريف، ودرسًا في أصول الفقه، ودرسًا في أسماء الرجال، ودرسًا في أصول الدين، قال: وكنت أعلق جميع ما يتعلق بها من شرح مشكل ووضوح عبارة وضبط لغة، وبارك الله تعالى في وقتي، وخطر لي أن أشتغل في الطب واشتريت "كتاب القانون" فأظلم قلبي وبقيت أيامًا لا أقدر على الاشتغال فأفقت على نفسي وبعت القانون فأنار قلبي.

لم يبال - رحمه الله - بخراب الدنيا إذا صير دينه رَبْعًا معمورًا، له الزهد والقناعة، ومتابعة السالفين من أهل السنة والجماعة، والمصابرة على أنواع الخير لا يصرف ساعة في غير طاعة، هذا مع التفنن في أصناف العلوم: فقهًا، ومتون أحاديث، وأسماء رجال، ولغة، وتصوفًا، وغير ذلك.

وكان ورعًا لا يأكل من فاكهة دمشق لكثرة ما بها من الأوقاف، فلم تطب نفسه لأكلها، خشية غمط من وقفت لهم حقوقَهم، وكان لا يقبل من أحد شيئًا إلا في النادر ممن لا يشتغل عليه, أهدى له فقير إبريقًا فقبله، وعزم عليه الشيخ برهان الدين الإسكندراني أن يفطر عنده فقال: أحضر الطعام إلى هنا ونفطر جملة فأكل من ذلك وكان لونين، وربما جمع الشيخ بعض الأوقات بين إدامين، وكان يواجه الملوك والظلمة بالإنكار ويكتب إليهم ويخوفهم بالله تعالى، وله غير رسالة إلى الملك الظاهر في الأمر بالمعروف، أرخه الشيخ قطب الدين اليونيني وقال: كان أوحد زمانه في العلم والورع والعبادة والتقلل وخشونة العيش، حكي عن الملك الظاهر أنه قال: أنا أفزع منه.

مناقبه:
رزق النووي بشارات منذ صغره، دَلَّتْ على صلاحه وتنوير قلبه، فقد ذكر أبوه أن الشيخ كان نائمًا إلى جنبه وقد بلغ من العمر سبع سنين، ليلة السابع والعشرين من شهر رمضان، فانتبه نحو نصف الليل وقال: يا أبت ما هذا الضوء الذي ملأ الدار؟ فاستيقظ الأهل جميعًا، قال: فلم نر كلنا شيئًا، قال والده: فعرفت أنها ليلة القدر.

وقال شيخه في الطريقة الشيخ ياسين بن يوسف الزركشي: رأيت الشيخ محيي الدين وهو ابن عشر سنين بنوى والصبيان يكرهونه على اللعب معهم وهو يهرب منهم ويبكي لإكراههم ويقرأ القرآن في تلك الحال، فوقع في قلبي حبه، وجعله أبوه في دكان فجعل لا يشتغل بالبيع والشراء عن القرآن، قال: فأتيت الذي يُقْرِئُه القرآن فوصَّيْتُه به، وقلت له: هذا الصبي يرجى أن يكون أعلم أهل زمانه وأزهدهم وينتفع الناس به، فقال لي: منجم أنت؟ فقلت: لا.. وإنما أنطقني الله بذلك، فذكر ذلك لوالده فحرص عليه إلى أن ختم القرآن وقد ناهز الاحتلام.

ولازم الاشتغال والتصنيف ونشر العلم والعبادة والأوراد والصيام والذكر والصبر على العيش الخشن في المأكل والملبس ملازمة كلية لا مزيد عليها، ملبسه ثوب خام، وعمامته شبختانية(2) صغيرة.

قال ابن العطار: ذكر لي شيخنا -رحمه الله تعالى- أنه كان لا يضيع له وقتًا لا في ليل ولا في نهار إلا في اشتغال حتى في الطرق, وأنه دام على هذا ست سنين ثم أخذ في التصنيف والإفادة والنصيحة وقول الحق، قلت: مع ما هو عليه من المجاهدة بنفسه والعمل بدقائق الورع والمراقبة وتصفية النفس من الشوائب ومحقها من أغراضها كان حافظًا للحديث وفنونه ورجاله وصحيحه وعليله رأسًا في معرفة المذهب.
ولي مشيخة دار الحديث سنة 665 هـ، بعد أبي شامة إلى أن مات، ولم يتزوج.

شيوخه:
سمع من الرضى بن البرهان، وشيخ الشيوخ عبد العزيز بن محمد الأنصاري، وزين الدين بن عبد الدائم، وعماد الدين عبد الكريم بن الحرستاني، وزين الدين خالد بن يوسف، وتقي الدين بن أبي اليسر، وجمال الدين بن الصيرفي، وشمس الدين بن أبي عمر، وطبقتهم، وسمع الكتب الستة والمسند والموطأ وشرح السنة للبغوي وسنن الدارقطني وأشياء كثيرة، وقرأ (الكمال) للحافظ عبد الغني على الزين خالد, وشرح في أحاديث الصحيحين على المحدث أبي إسحاق إبراهيم بن عيسى المرادي.

وأخذ الأصول على القاضي التفليسي، وتفقه على الكمال إسحاق المغربي، وشمس الدين عبد الرحمن بن نوح، وعز الدين عمر بن سعد الإربلي، والكمال سلار الإربلي.

وقرأ النحو على الشيخ أحمد المصري وغيره، وقرأ على ابن مالك كتابًا من تصنيفه.

تلاميذه:
من تلاميذ الإمام النووي العلماء: الخطيب صدر الدين سليمان الجعفري، وشهاب الدين أحمد بن جعوان، وشهاب الدين الأربدي، وعلاء الدين بن العطار، وحدث عنه ابن أبي الفتح والمزي وابن العطار.

مصنفاته:
من تصانيفه الكثيرة: "شرح صحيح مسلم" و"رياض الصالحين" و"الأذكار" و"الأربعين النووية" و"الإرشاد" في علوم الحديث، و"التقريب" و"كتاب المبهمات" و"تحرير الألفاظ" للتنبيه و"العمدة في تصحيح التنبيه" و"الإيضاح" في المناسك، و"التبيان في آداب حملة القرآن"، وفتاواه مجموعة في مجلد، و"روضة الطالبين وعمدة المفتين" في فروع الفقه الشافعي، و"شرح المهذب" إلى باب المصراة، وشرح قطعة من البخاري وقطعة من الوسيط, وعمل قطعة من الأحكام, وجملة كثيرة من الأسماء واللغات، ومسودة في طبقات الفقهاء، ومن التحقيق في الفقه إلى باب صلاة المسافر.

وفاته:
سافر الشيخ فزار بيت المقدس وعاد إلى نوى فمرض عند والده فحضرته المنية فانتقل إلى رحمة الله في 24 رجب سنة 676 هـ، ودفن بها، وقبره ظاهر يزار.

المصادر:
طبقات الشافعية الكبرى للسبكي: 8/395، ط هجر للطباعة والنشر والتوزيع.
تذكرة الحفاظ للذهبي: 4/174، ط دار الكتب العلمية.
معجم المؤلفين: 13/202، ط مكتبة المثنى، دار إحياء التراث العربي.
المنهاج السوي في ترجمة الإمام النووي للحافظ السيوطي، ط دار ابن حزم.
 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) - ذكر السيوطي الاسم ابن محمد بن جمعة بن حزام.
(2) - نسبة إلى شبختان، إقليم يقع حاليًا جنوب تركيا.