حكم صلاة الغائب على المتوفى بفيروس كورونا

تاريخ الفتوى: 09 يوليو 2020 م
رقم الفتوى: 5013
التصنيف: مستجدات ونوازل
حكم صلاة الغائب على المتوفى بفيروس كورونا

ما حكم صلاة الغائب على المتوفى بفيروس كورونا، ففي ظل ما يعانيه معظم بلاد العالم من "فيروس كوفيد-19" والإجراءات الاحترازية التي قامت بها الدولة؛ ومنها حظر حركة المواطنين حفاظًا على التباعد الاجتماعي لمنع تفشي الوباء؛ فهل تجوز صلاة الغائب على مَنْ مات بهذا الفيروس؛ نظرًا لعدم استطاعة البعض الصلاة على الميت في ظل هذه الأوضاع؟

الأصل في صلاة الجنازة أن يكون الميت حاضرًا بين يدي الإمام والمصلين؛ فإذا تَعَذَّر حضور المصلين للصلاة على الجنازة كما هو الحال في بعض الوفيات الحاصلة بـ"فيروس كوفيد-19"، أو تَعذَّر الصلاة عليها وسط الإجراءات الاحترازية التي وضعتها الدولة؛ فلا مانع شرعًا من صلاة الجنازة على هذا الميت الغائب، ويراعى في الصلاة عليه ما يراعى في صفةِ الصلاة على الجنازة على الميت الحاضر من حيث الأركان والشروط والسُّنَن.

المحتويات

 

حكم صلاة الجنازة وثوابها

الصلاة على الجنازة من فروض الكفاية عند جماهير الفقهاء؛ وقد رَغَّب الشرع الشريف فيها، وندب اتباع الجنازة حتى تدفن؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ شَهِدَ الجَنَازَةَ حَتَّى يُصَلِّي، فَلَهُ قِيرَاطٌ، وَمَنْ شَهِدَ حَتَّى تُدْفَنَ كَانَ لَهُ قِيرَاطَانِ»، قيل: وما القيراطان؟ قال: «مِثْلُ الجَبَلَيْنِ العَظِيمَيْنِ» متفق عليه. وروى مسلم عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَا مِنْ مَيِّتٍ تُصَلِّي عَلَيْهِ أُمَّةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَبْلُغُونَ مِائَةً، كُلُّهُمْ يَشْفَعُونَ لَهُ، إِلَّا شُفِّعُوا فِيه».

حكم صلاة الجنازة على الغائب

الأصل في صلاة الجنازة: أن يكون الميت حاضرًا بين يدي الإمام والمصلين، ويوضع تجاه القبلة للصلاة عليه، لكن الفقهاء اختلفوا في جواز الصلاة على الميت إذا لم يكن حاضرًا بين يدي الإمام والمصلين؛ وهو المقصود بـ"صلاة الجنازة على الغائب"، فهي الصلاة على ميتٍ غائبٍ عن المكان الذي يُصلَّى عليه فيه. انظر: "حاشية ابن عابدين" (2/ 212، ط. دار الفكر)، و"المجموع للنووي" (5/ 252، ط. دار الفكر).
فيرى الشافعية، والحنابلة في المعتمد، وهو المختار للفتوى: جواز الصلاة على الميت الغائب؛ يقول الإمام النووي في "روضة الطالبين" (2/ 130، ط. المكتب الإسلامي): [تجوز الصلاة على الغائب بالنية، وإن كان في غير جهة القبلة، والمصلي يستقبل القبلة، وسواء كان بينهما مسافة القصر، أم لا] اهـ.
وقال العلامة البهوتي في "كشاف القناع" (2/ 121، ط. دار الكتب العلمية): [(ويُصَلِّي إمام) أعظم (وغيره على غائب عن البلد ولو كان دون مسافة قصر أو) كان (في غير جهة القبلة) أي قبلة المصلي (بالنية إلى شهر) كالصلاة على القبر لكن يكون الشهر هنا من موته] اهـ.

وقد اشترط الشافعيةُ والحنابلةُ لجواز الصلاة على الميت الغائب شرطين؛ أولهما: أَنْ تَبْعُد بلد المُتَوفَّى عن بلد الصلاة عليه، ولو كانت المسافة بين البلدين دون مسافة القصر، فإن كان المصلون والمُتَوفَّى في بلدٍ واحد؛ فلا تجوز الصلاة إلَّا بحضور المُتَوفَّى والمصلون في مكان واحدٍ ولو كَبُرت البلد، إلا إذا تَعذَّر حضور المصلين لمكان الصلاة على الميت؛ وذلك كما هو حاصلٌ في وقتنا هذا من تَعذُّر حضور بعض المصلين للصلاة على الجنازة لا سيما في أوقات حظر حركة التَّنَقُّل، ولا يشترط في جواز الصلاة على الميت الغائب عندهم أن يكون الميت في ناحية القِبْلة التي يُصَلِّي إليها المُصَلِّي.

وثاني الشرطين: اعتبار الوقت، فالشافعية لا يقيِّدون صحة الصلاة على الميت الغائب بوقتٍ مُعيَّن، بل تصح عندهم الصلاة على الميت الغائب ولو بَعُدَ تاريخ وفاته، بنيما قيَّد الحنابلة الوقت بشهرٍ مِن حين وفاته؛ وعلَّلوا بأنَّه لا يعلم بقاء الميت من غير تلاش أكثر من ذلك. انظر: "تحفة المحتاج" لشيخ الإسلام ابن حجر (3/ 149، ط. دار إحياء التراث العربي)، و"شرح المنهج" لشيخ الإسلام زكريا الأنصاري (2/ 277، ط. دار الفكر)، و"شرح المنتهى" للعلامة البهوتي (1/ 363، ط. عالم الكتب).

وقد زاد الشافعية وحدهم شرطًا آخر، وهو تقييد صحة الصلاة على الميت الغائب بمَنْ كان مِن أهل فرضها وقت الموت، بأن كان مُكَلَّفًا؛ لأنه يؤدِّي فرضًا خوطب به، بخلاف مَن لم يكن كذلك. انظر: "تحفة المحتاج" (3/ 149).

وعمدة استدلال الشافعية والحنابلة حديث صلاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم على النجاشي مَلَكِ الحبشة؛ فقد روى البخاري ومسلم بسندهما عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أَنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صلى على النجاشي فكنت في الصف الثاني أو الثالث.

وروى البخاري ومسلم أيضًا بسندهما عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: نعى النبي صلى الله عليه وآله وسلم النجاشي ثُمَّ تَقدَّم، فصفوا خلفه، فكَبَّر أربعًا.

بينما كَرِه المالكية الصلاة على الغائب، وحرَّمها الحنفية؛ جاء في "الدر المختار" للإمام الحصكفي (2/ 209): [فلا تصح على غائب ومحمول على نحو دابة وموضوع خلفه، لأنه كالإمام من وجه دون وجه لصحتها على الصبي، وصلاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم على النجاشي لغوية أو خصوصية] اهـ. يقول الإمام ابن عابدين مُـحَشِّيًا على ذلك: [(قوله: لغوية) أي المراد بها مجرد الدعاء وهو بعيد (قوله: أو خصوصية) أو لأنه رفع سريره حتى رآه عليه الصلاة والسلام بحضرته فتكون صلاة من خلفه على ميت يراه الإمام وبحضرته دون المأمومين، وهذا غير مانع من الاقتداء. فتح. واستدل لهذين الاحتمالين بما لا مزيد عليه فارجع إليه، من جملة ذلك أنه توفي خلق كثير من أصحابه صلى الله عليه وآله وسلم من أعزهم عليه القراء ولم ينقل عنه أنه صلى عليهم مع حرصه على ذلك حتى قال: «لا يموتن أحد منكم إلا آذنتموني به فإن صلاتي عليه رحمة له»] اهـ.

ويقول الإمام الخرشي في "شرحه على مختصر خليل" (2/ 143، ط. دار الفكر): [(ولا غائب) (ش) يعني أنه يكره الصلاة على شخص غائب من غريق وأكيل سبع وميت في محل أو بلد وصلاته عليه الصلاة والسلام على النجاشي من خصوصياته، وذلك أن الأرض رفعته له وعلم يوم موته ونعاه لأصحابه يوم موته وخرج بهم فأمهم في الصلاة عليه قبل أن يوارى، ولم يفعل ذلك بعده أحد، ولا صلى أحد على النبي عليه السلام بعد أن ووري، وفي الصلاة عليه أعظم رغبة فدل ذلك على الخصوص] اهـ.

كيفية صلاة الجنازة على الميت الغائب

صلاة الجنازة على الميت الغائب تكون بصفة الجنازة لو كان الميت حاضرًا؛ أي: من حيث الشروط والأركان؛ فهي أربع تكبيرات لا أذان فيها ولا إقامة، ولا ركوع ولا سجود، ولا يشترط فيها الجماعة؛ بل هي –أي: الجماعة- سُنَّة؛ كما هو مذهب جمهور الفقهاء. انظر: "بدائع الصنائع" للكاساني (1/ 315، ط. دار الكتب العلمية)، و"مغني المحتاج" للخطيب الشربيني (1/ 334، ط. دار الفكر)، و"شرح المنتهى" للبهوتي (1/ 337).

ويشترط فيها: نية صلاة الجنازة، واستقبال القبلة للمصلين، والطهارة من الحدثين؛ فيَقْرَأ المُصَلِّي بعد التكبيرة الأولى فاتحة الكتاب، وبعد التكبيرة الثانية يقرأ نصف التَّشهُّد الأخير الذي يقوله في الصلاة، أي: مِن أول: «اللهم صَلِّ علي سيدنا محمد..» إلى آخر التشهد، وبعد التكبيرة الثالثة يدعو للميت؛ وبعد التكبيرة الرابعة يدعو المُصَلِّي لنفسه ولجميع المسلمين، كما يُسَنُّ في صلاة الجنازة على الغائب ما يُسَنُّ في صلاة الجنازة على الميت الحاضر.

الخلاصة

الأصل في صلاة الجنازة أن يكون الميت حاضرًا بين يدي الإمام والمصلين؛ فإذا تَعَذَّر حضور المصلين للصلاة على الجنازة كما هو الحال في بعض الوفيات الحاصلة بـ"فيروس كوفيد-19"، أو تَعذَّر الصلاة عليها وسط الإجراءات الاحترازية التي وضعتها الدولة؛ فلا مانع شرعًا من صلاة الجنازة على هذا الميت الغائب، ويراعى في الصلاة عليه ما يراعى في صفةِ الصلاة على الجنازة على الميت الحاضر من حيث الأركان والشروط والسُّنَن.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

ما حكم ترويج الشائعات حال النوازل والأزمات؟ ففي ظل ظروف الوباء تنتشر بعض الشائعات والأكاذيب التي يحاول مروجوها بث الفتنة بين جموع الشعب المصري لإثارة البلبلة والذعر في نفوس المواطنين؛ كالقول بأن الدولة تمنع إقامة شعائر الله تعالى وتصد الناس عن المساجد، حيث تُصِر على إغلاق المساجد بحجة الوقاية من فيروس كورونا، وحين تأتي إجراءات التعايش مع الوباء مع اتخاذ وسائل الوقاية وإجراءات الحماية يتهمون الدولة بالسعي في زيادة أعداد الوفيات، ثم ينشرون الشائعات هنا وهناك بأنَّ هناك إصابات كثيرة بفيروس كورونا داخل مصر لم يتم الإعلان عنها، مع المحاولات المستمرة لبث الدعاية المضادة في صفوف الأطباء، تحت عنوان: "الجيش الأبيض بلا درع"؛ لتشتيت جهود الأطباء وتوهين عزمهم وإضعاف همتهم، وسط سيل من الإشاعات والأكاذيب بانتشار فيروس كورونا بالسجون المصرية؛ لإطلاق سراح المجرمين والمتطرفين والمفسدين، إلى غير ذلك من محاولات جماعات التطرف والإرهاب في استغلال وباء كورونا لتحقيق أهدافها الدنيئة، وتشويه جهود الدولة والمجتمع في مواجهة الوباء، والتشكيك في قدرات وإمكانات المؤسسات الوطنية على مواجهة الوباء، فكيف يمكن التصدي لهذه الشائعات والأكاذيب؟ وهل يجوز نشرها من غير تثبت؟ وما دور من يسمعها؟


ما حكم التعايش بين المسلمين وغيرهم؟ حيث يزعم كثير من الناس أن دعوة التعايش دعوة لتذويب الأمة والقضاء على هُويتها، فما مفهوم التعايش؟ وهل يتوافق مع أحكام الإسلام؟ وما موقف المسلم المعاصر من قضية التعايش بين المسلمين وغيرهم؟


ما حكم إقامة صلاة الجمعة في البيت؟ خاصَّة في هذه الآونة التي ارتأت الجهات المتخصصة تعليقَ صلاةِ الجمعة فيها؛ عملًا بالإجراءات الاحترازية والأساليب الوقائية لمواجهة فيروس كورونا والحد من انتشاره.


تناقلت وسائل الإعلام هجوم بعض المتصدرين على الإمام البخاري رحمه الله تعالى واتهامه بالجهل في الحديث وقلة التمييز بين الصحيح والباطل، بل صرَّح بعضهم بأنه هدم علم الحديث! فنرجو من فضيلتكم بيان حكم ذلك، مع توضيح منزلة الإمام البخاري بين المحدثين.


ما حكم تقسيم الأراضي التي ضاعت حدودها بداغستان؟ حيث تسأل جامعة الإمام أبي الحسن الأشعري بداغستان -بعد شرح موجز لأحوال المسلمين هناك-: ما حكم أراضي قرى داغستان اليوم بعد الدعوة إلى إعادتها إلى أيدي مُلَّاكها من أهل القرية، وقد ضاعت الحدود والحقوق في أغلب القرى، ومات الأجداد الذين كانوا يعرفون الحدود وحقوق الجيران من طرقٍ ومسيلات ماء، وما هو الواجب في كيفية تقسيمها؟


ما حكم استخدام هاتف العمل في مكالمات شخصية؟ حيث يستخدم بعض الموظفين بالشركة تليفونات العمل في مكالمات شخصية (نداء آلي، مباشر) مع العلم من توافر التليفونات التي يمكن استعمالها عن طريق الكروت. وتطلب السائلة بيان الإفادة عن الحكم الشرعي.