كثير من العمال باليومية في المهن المختلفة تأثرت دخولهم وظروفهم المعيشية في ظل ظروف الخوف من تفشي مرض "كورونا"، فهل يجوز إخراج الزكاة لهؤلاء، واعتبارهم من مصارف الزكاة المعتبرة؟
يجوز شرعًا إعطاء الزكاة للعمال باليومية في المهن المختلفة الذين تأثرت دخولهم وظروفهم المعيشية في ظل ظروف الخوف من تفشي الوباء ما داموا من الفقراء والمساكين.
المحتويات
الزكاة ركن من أركان الإسلام الخمسة، وقد جمع الله تعالى بينها وبين الصلاة في مواضع كثيرة من كتابه الكريم؛ ومن ذلك قول الله تعالى: ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ﴾ [البقرة: 43]، وقوله تعالى: ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ إِنَّ اللهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ [البقرة: 110]، وقوله تعالى: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ﴾ [البينة: 5].
وروى الشيخان عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «بُنِيَ الإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالْحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ».
وشرع الله سبحانه وتعالى الزكاة لمعانٍ وحكم كثيرة، منها: شكر الله تعالى على نعمة المال، ومنها: كفاية الفقراء والمحتاجين في قوام حياتهم، ومنها: تطهير النفس من داء الشح والبخل، وتعويد المؤمن على البذل والعطاء.
وقد نظم الشرع الشريف كيفية أدائها بتحديد مصارفها، فنص القرآن الكريم على أصناف المستحقين للزكاة؛ وذلك في قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [التوبة: 60].
ومن المقرر أن مصارف الزكاة مقصورة على هذه الأصناف الثمانية، والتي يرجع مجموعها إلى بناء الإنسان وسد حاجته، والعمل على إخراجه من حالة الاحتياج والفقر التي تعوق مساهمته في بناء المجتمع وتنميته إلى كونه عضوًا فاعلًا له أثره الإيجابي في المجتمع.
قال الإمام النسفي في تفسيره (1/ 688، ط. دار الكلم الطيب): [قصر جنس الصدقات على الأصناف المعدودة؛ أي هي مختصة بهم لا تتجاوز إلى غيرهم، كأنه قيل: إنما هي لهم لا لغيرهم] اهـ.
قد جعلت الشريعة كفاية الفقراء والمساكين في صدارة مصارف الزكاة الثمانية للتأكيد على أولويتهم في استحقاقها، وخصَّت الفقراء بالذكر فيما رواه البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لمعاذ بن جبل رضي الله عنه حين بعثه إلى اليمن: «إِنَّكَ سَتَأْتِي قَوْمًا أَهْلَ كِتَابٍ، فَإِذَا جِئْتَهُمْ فَادْعُهُمْ إِلَى أَنْ يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ: فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ: فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ: فَإِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ، وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللهِ حِجَابٌ».
والفقير: هو من لا مال له ولا كسب يقع موقعًا من كفايته؛ وذلك بأن لم يكن له مال أصلا ولا كسب كذلك، أو له مال فقط لا يقع موقعًا من كفايته العمر الغالب عند توزيعه عليه.
ومعنى كونه لا يقع موقعًا من كفايته: أنه لا يسد مسدًّا؛ بحيث لا يبلغ النصف؛ كأن يحتاج إلى عشرة، ولو وزع المال الذي عنده على العمر الغالب: لخصَّ كل يوم أربعة أو أقل، أو له كسب فقط لا يقع موقعًا من كفايته كل يوم؛ كمن يحتاج إلى عشرة جنيهات، ويكتسب كل يوم أربعة فأقل، أو له كل منهما ولا يقع مجموعهما موقعًا من كفايته كذلك؛ مطعمًا، وملبسًا، ومسكنًا، وغيرها مما لا بد منه على ما يليق بحاله.
وأما المسكين: فهو من قدر على مال أو كسب يقع موقعًا من كفايته؛ بحيث إنه يسد مسدًّا؛ فيبلغ النصف فأكثر، ولكنه مع ذلك لا يكفيه؛ كمن يحتاج إلى عشرة جنيهات وعنده سبعة.
والفقير على هذا أسوأ حالا من المسكين، وهو ما قال به فقهاء الشافعية، ورأى بعض العلماء أن العكس هو الصحيح. انظر: "حاشية البيجوري الفقهية" (1/ 366-367، ط. دار الطباعة العامرة ببولاق).
قد اختلف العلماء في وجوب التسوية في الزكاة بين تلك الأصناف الثمانية المذكورة في الآية؛ فذهب الحنفية والمالكية والحنابلة إلى جواز الاقتصار على صنف واحد من الأصناف الثمانية، وإلى جواز أن يعطيها شخصًا واحدًا من الصنف الواحد، فلا يجب استيعاب جميع الأصناف، بل ولا آحاد كل صنف، وهو قول عمر وحذيفة وابن عباس، وهو الذي نختاره للفتوى. انظر: "بدائع الصنائع" (2/ 46، ط. دار الكتب العلمية)، "شرح الخرشي على خليل" (2/ 220، ط. دار صادر)، "شرح منتهى الإرادات" (1/ 462، ط. عالم الكتب).
ويدل لهذا القول حديث معاذ السابق، وفيه قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم له: «أَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ»؛ فلم يذكر النبي صلى الله عليه وآله وسلم الأصناف الأخرى.
وفي الحديث دلالة أخرى على جواز إعطاء الزكاة لواحد فقط من أهل الصنف؛ من حيث إن الحديث مشتمل على مقابلة الجمع بالجمع؛ حيث قابل الأغنياء بالفقراء، والقاعدة: أن مقابلة الجمع بالجمع تقتضي القسمة أفرادًا؛ يعني: تقتضي التوزيع؛ بانقسام الآحاد على الآحاد. انظر: "مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" للشيخ علي القاري (4/ 1261، ط. دار الفكر).
والمتأخرون من فقهاء الشافعية تابعوا الجمهور، خلافًا لأصل المذهب القائل بأنه يجب استيعاب الأصناف الثمانية، فإن فُقِد بعض الأصناف: فعلى الموجودين، وإلى أنه تجب التسوية بينهم. انظر: "مغني المحتاج" (4/ 188-189، ط. دار الكتب العلمية).
قال الإمام أحمد بن موسى ابن عجيل اليمني (ت690هـ): "ثلاث مسائل في الزكاة نفتي فيها على خلاف المذهب -أي: نقلد-: في نقل الزكاة، ودفعها إلى صنف واحد، ودفع زكاة واحد إلى شخص واحد" اهـ. انظر: "حاشية الجمل على شرح المنهج" (4/ 97، ط. دار الفكر).
وقال الشيخ أبو الحسن الأصبحي الشافعي في فتاويه في الجواب عن ذلك: [اعلم أن ما حكي عن الفقيه أحمد بن موسى -نفع الله سبحانه وتعالى به- قد حُكِي مثله عن غيره من أكابر الأئمة؛ كالشيخ أبي إسحاق، والشيخ يحيى بن أبي الخير، والفقيه الأحنف، وغيرهم، وإليه ذهب أكثر المتأخرين؛ وإنما دعاهم إلى ذلك عسر الأمر، وقد قال الله تعالى: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ [الحج: 78] اهـ. بواسطة: "الفتاوى الفقهية الكبرى" لابن حجر الهيتمي (4/ 75-76، ط. المكتبة الإسلامية).
وسئل الفقيه ابن حجر الهيتمي عما حكي عن هؤلاء الأئمة: هل هو صحيح في النقل؟ وهل يجوز تقليدهم في ذلك أو لا؟
فأجاب عن ذلك في "الفتاوى الفقهية الكبرى" (4/ 76) بقوله: [ما نقل عن الأئمة المذكورين لا بأس به في التقليد فيه؛ لعسر الأمر فيه، سيما الأخيرتان. ومعنى القول بأنها لا يفتى فيها على مذهب الإمام الشافعي: أنه لا بأس لمن استفتي في ذلك أن يرشد مستفتيه إلى السهولة والتيسير] اهـ.
ولا شك أن كثيرًا من العمال باليومية قد تضرروا هذه الأيام في أرزاقهم وتأثرت دخولهم وظروفهم المعيشية في ظل ظروف الخوف من تفشي مرض "كورونا" بما جعلهم في حكم الفقراء المستحقين للزكاة.
عليه: فإنه يجوز إعطاء الزكاة للعمال باليومية ما داموا من الفقراء والمساكين.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ما حكم إنشاء مكاتب لفحص راغبي الزواج للكشف عليهم صحيًّا وتقرير صلاحيتهم للزواج ويعطون شهادة بذلك؟ وما حكم جعل هذا الإجراء إجباريًّا، فلا يعقد الزواج إلا إذا حصل راغب الزواج على هذه الشهادة الدالة على صلاحيته من الناحية الصحية للزواج، ووضع نص قانوني في تشريع يمنع عقد أي زواج إلا إذا تقدم راغب الزواج بما يفيد حصوله على هذه الشهادة؟
ما حكم منع من لا يرتدي الكمامة من دخول المسجد؟ فمع احتياج دول العالم إلى الحراك المجتمعي المقيَّد ولجوئها للتعايش الحذِر مع وباء كورونا، صدرت القرارات بإلزام جميع المواطنين بارتداء الكمامات في أماكن التجمعات العامة، وقامت كثير من الدول الإسلامية بفتح المساجد أمام مرتاديها لإقامة الجمع والجماعات، بشرط التزامهم بإجراءات الوقاية وارتدائهم الكمامات وتعقيم المساجد. فهل يجوز منع من لم يرتد الكمامة من دخول المساجد؟
ما حكم الشرع في صناعة لعب الأطفال بأشكالها المختلفة من الفرو وغيره واتخاذها للزينة أو اللعب بها؟
ما حكم تقسيم الأراضي التي ضاعت حدودها بداغستان؟ حيث تسأل جامعة الإمام أبي الحسن الأشعري بداغستان -بعد شرح موجز لأحوال المسلمين هناك-: ما حكم أراضي قرى داغستان اليوم بعد الدعوة إلى إعادتها إلى أيدي مُلَّاكها من أهل القرية، وقد ضاعت الحدود والحقوق في أغلب القرى، ومات الأجداد الذين كانوا يعرفون الحدود وحقوق الجيران من طرقٍ ومسيلات ماء، وما هو الواجب في كيفية تقسيمها؟
ما حكم إعطاء العمالة اليومية من الزكاة والصدقات في زمن الوباء؟ وذلك نظرًا لانتشار وباء فيروس كورونا، وطبقًا لإجراءات السلامة من الإصابة بالوباء، وأمام التعليمات الواضحة للدولة بالتزام حظر التجول للوقاية من العدوى، التزم الناس بيوتهم، وقلّلوا أعمالهم، وأُجّلوا مصالحهم، مما اضطر المواطنين العاملين بالأجور اليومية (العمالة اليومية والأرزقية) إلى الجلوس في البيوت، واشتدت أحوال كثير منهم حتى صاروا عُرضة لاستغلال المغرضين لهم ضد إجراءات الدولة الوقائية وتعليماتها الرسمية، ومثلهم أصحاب المشاريع متناهية الصغر، وذوي الدخول المحدودة.
فما واجب المجتمع تجاه هذا القطاع الواسع من المواطنين؟ وهل يجوز إعطاؤهم من أموال الزكاة إعانةً لهم على رعايةِ أسرهم وكفاية أهليهم، وسد حاجاتهم وحاجات ذويهم؟
هل يجوز صلاة الغائب على من مات بسبب وباء كورونا المستجد ولم يُصَلَّ عليه؟