حكم تعجيل دفع ثمن السلعة وتأخير استلامها إلى وقت غير معلوم

تاريخ الفتوى: 08 أغسطس 2021 م
رقم الفتوى: 5544
التصنيف: السلم
حكم تعجيل دفع ثمن السلعة وتأخير استلامها إلى وقت غير معلوم

ما حكم تعجيل دفع ثمن السلعة وتأخير استلامها إلى وقت غير معلوم؟ فأنا تاجر أدوات منزلية، وأكثر الذين يتعاملون معي لتجهيز بناتهم للزواج، ولكنني لا أحضر الأدوات المنزلية إلا بالطلب، وربما جاءني رجلٌ لم يحدّد وقت زواج ابنته فنتفق على ما يريده من حيث نوع السلعة وثمنها وآخذ منه الثمن وهي غير موجودة عندي، وعندما يحدّد وقت الزواج يبلغني حتى أحضر له ما تمّ الاتفاق عليه. فما الحكم؟

هذه المعاملة الواردة في السؤال تُسمَّى في الفقه الإسلامي بـ"السَّلم"، بمعنى تعجيل الثمن وتأخير تسليم السلعة، ويشترط لصحة هذا العقد أن يكون وقت تسليم السلعة فيه معلومًا للمتعاقدين ولو بالعرف؛ وذلك منعًا للجهالة، ووقت الزواج ليس من الأزمنة المعلومة عرفًا، فيجب أن يكون وقت تسليم المبيع معلومًا ومتفقًا عليه عند التعاقد بتحديد يومٍ معينٍ، أو شهرٍ معينٍ، ونحو ذلك، وإلا فلا يصِحُّ شرعًا، ويكون هذا المالُ المقبوض دينًا عند التاجر للطرف الآخر.

المحتويات

 

تكييف المعاملة المسؤول عنها

المعاملة الواردة في السؤال تُعرَف في الفقه الإسلامي بـ"السَّلَم"، وهو: عَقْدٌ يُوجِبُ المِلْكَ في الثَّمَنِ عاجلًا وفي الْمُثَمَّنِ آجلًا، أو هو: بيعُ شيءٍ موصوفٍ في الذمَّةِ. ينظر "أسنى المطالب" لشيخ الإسلام زكريا الأنصاري (2/ 122، ط. دار الكتاب الإسلامي).
والسَّلمُ من العقود المشروعة بالكتاب والسنة والإجماع:
فمن الكتاب قول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ﴾ [البقرة: 282].
فهذه الآية نزلت في السلم خاصة؛ وهو قول ابن عباس رضي الله عنهما. انظر: "الجامع لأحكام القرآن" للإمام القرطبي (3/ 377، ط. دار الكتب المصرية).
ومن السنة: حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: قَدِمَ رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم المدينةَ وهم يُسلفون في الثمار السنةَ والسنتين والثلاث، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ سَلَّفَ فِي شَيْءٍ فَلْيُسْلِفْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ، وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ، إِلَى أَجَلٍ مَعْلُوم» متفق عليه.
ونقل العلامة ابن المنذر الإجماع على مشروعيته. انظر: "الإجماع" (ص: 98، ط. دار المسلم).

حكم تعجيل دفع ثمن السلعة وتأخير استلامها إلى وقت غير معلوم

يشترط لصحة عقد السلم أن يكون أجَلُ تسليم المبيع فيه معلومًا للمتعاقدين؛ وذلك منعًا للجهالة، وإلا فسد العقدُ، وهذا الشرط محلُّ اتفاق بين الفقهاء.
قال العلامة الكاساني الحنفي في "بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع" (5/ 212، ط. دار الكتب العلمية) في بيان شروط عقد السلم: [ومنها: أن يكون السَّلم مؤجلًا بأجل معلوم، فإن كان مجهولًا فالسَّلمُ فاسدٌ] اهـ.
وقال العلامة الخرشي المالكي في "شرح مختصر خليل" (5/ 210، ط. دار الفكر): [أن يضرِبَا للسلَم بمعنى المُسْلَم فيه أجلًا معلومًا.. فالأجل المجهول غيرُ مفيدٍ بل مفسدٌ للعقد] اهـ.
وقال العلامة الشيرازي الشافعي في "المهذب" (2/ 76، ط. دار الكتب العلمية): [فإن أسلم في المؤجَّل وجب بيان أجل معلوم] اهـ بتصرف يسير.
وقال العلامة ابن قدامة الحنبلي في "المغني" (4/ 219، ط. مكتبة القاهرة): [لا بد في السلم من كون الأجل معلومًا] اهـ.
وكون أجل التسليم معلومًا للمتعاقدين لا يخلو من إحدى حالتين:
- الحالة الأولى: أن يكون معلومًا لهما بتحديد يومٍ معينٍ أو شهرٍ معينٍ ونحو ذلك.
- الحالة الثانية: أن يكون معلومًا لهما بالعرف؛ كتسليم الزرع عِنْدَ حَصَادِه مثلًا.
ولا خلاف بين الفقهاء في صحة عقد السلم في الحالة الأولى التي يكون أجل التسليم فيها معلومًا للمتعاقدين بتحديد يومٍ معينٍ أو شهرٍ معينٍ ونحو ذلك.
أما الأجل الذي قد يتغير؛ كحصاد الزرع ونحوه في الحالة الثانية فمفسدٌ للعقد عند جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والحنابلة في معتمد مذهبهم.
قال العلامة الكاساني في "بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع" (5/ 212): [فإن كان مجهولًا -أي: الأجل- فالسلم فاسد، سواء كانت الجهالة متفاحشة أو متقاربة؛ لأن كل ذلك يفضي إلى المنازعة وإنها مفسدة للعقد كـجهالة القدر وغيرها] اهـ. بتصرف يسير.

وقال العلامة الشيرازي الشافعي في "المهذب" (2/ 76): [والأجل المعلوم ما يعرفه الناس؛ كشهور العرب، وشهور الفرس، وشهور الروم، وأعياد المسلمين، والنيروز، والمهرجان، فإن أسلم إلى الحصاد.. لم يصح؛ لأن ذلك غير معلوم لأنه يتقدم ويتأخر، وإن جعله إلى شهر ربيعٍ أو جمادى صح، وحُمِلَ على الأول منهما] اهـ.
وقال العلامة ابن قدامة الحنبلي في "المغني" (4/ 219): [لا بد -أي في السلم- من كون الأجل معلومًا.. فأما كيفيته فإنه يحتاج أن يعلمه بزمانٍ بعينه لا يختلف] اهـ.

وذهب فقهاء المالكية، والإمام أحمد في روايةٍ عنه ليست هي المذهب، وأبو ثور، وابن أبي ليلى إلى جواز الاتفاق على أجلٍ يكون معلومًا للمتعاقدين بالعُرْفِ؛ كأن يكون لهما عادةٌ بوقت التسليم أو حصاد الزرع ونحوهما من الآجال التي قد تتغير مع كونها معلومةً محققة الوقوع.

قال العلامة الدردير المالكي في "الشرح الكبير" (3/ 205، ط. دار الفكر): [(و) الشرطُ الثالثُ: (أن يؤجل) أي: السلم، بمعنى المسلم فيه (بمعلوم)، أي: بأجل معلومٍ للمتعاقدين ولو حكمًا؛ كمن لهم عادة بوقت القبض، وإلا فَسَدَ] اهـ.

وقال العلامة ابن قدامة في "المغني" (4/ 219): [ولا يصح أن يؤجله -أي السلم- بالحصاد والجِذاذ وما أشبهه.. وعن أحمد رواية أخرى أنه قال: أرجو أن لا يكون به بأس. وبه قال مالك وأبو ثور، وبه قال ابن أبي ليلى] اهـ.

الخلاصة

بناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فالمعاملة المسؤول عنها تندرج تحت عقد السَّلَم، ومن شروطه أن يكون أجل التسليم فيه معلومًا ولو بالعرف، وأجل الزواج ليس من الآجال العرفية، ومِن ثَمَّ يجب أن يكون أجلُ تسليم المبيع معلومًا للمتعاقدين، ومتفقًا عليه عند التعاقد بتحديد يومٍ معينٍ، أو شهرٍ معينٍ، ونحو ذلك، وإلا فلا يصِحُّ شرعًا، ويكون المالُ المقبوض دينًا عند التاجر للطرف الآخر.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

ما حكم بيع السلم والبيع بالأجل؟ حيث يوجد تاجر يتعامل مع الناس في البيع والشراء بالأجل، ويأتي إليه أحد الناس يريد أن يبيعَ له محصول الفول أو القمح مثلا  قبل حصاده بثمن معيَّن متفق عليه، أو يتفق مع المشتري على ثمن مُعَيَّن لسلعة يرغب شراءها منه ثم يعطيه السلعة ويسدّد ثمنها في الموعد المُتَّفق عليه، فما حكم ذلك شرعًا؟


ما حكم بيع العين الغائبة الموصوفة؟ فهناك تاجر جملة يتاجر في مواتير المياه يمر بضائقة مالية ويحتاج أموالًا لتنشيط تجارته، عرض على عميل له أن يدفع العميل ثمن عشرة مواتير أو أكثر -موصوفة وصفًا دقيقًا ينفي الجهالة عنها- حالًّا والمواتير ليست عند البائع على أنه كلما احتاج العميل ماتورًا طلبه من التاجر فيحضره إليه من غير تحديد زمن معين لانتهاء هذا التعامل، فهل يجوز هذا التعامل؟


ما حكم التصرف في المسلم فيه قبل قبضه؛ فقد أعطى رجلٌ آخرَ مبلغًا قدره 220 قرشًا على قنطار من القطن لأجل أن يسلمه له في شهر أكتوبر، فهل يجوز لرب السلم أن يأخذ بدل القنطار في الميعاد المحدد ثمنه بالسعر التجاري السائد في البلد؟ مع ملاحظة أن المسلَّم إليه موجود عنده القطن وعند غيره، وقادر على تسليم القطن، فلو أعطاه الثمن في هذه الحالة يكون ذلك ربًا أم لا؟ نرجو الإفادة من فضيلتكم.


ما الحكم الشرعي للعقود الفورية مؤجلة التنفيذ لظرف طارئ بعد إبرامها وقبل تنفيذها؟ فنحنُ مكتب بيع قطع غيار سيارات، وتعاقدنا مع أحد الأشخاص على بيع صفقة بمواصفات محدَّدة بعد وصولها من الخارج، وتَمَّ الاتفاق على أن يدفع العميل كامل مبلغ الصفقة، على أن يتم التسليم الفعلي بعد شهرين، لكن فوجئنا بظروف استثنائية حالت دون وصول البضاعة في الوقت المحدد للتسليم، وقابل ذلك ارتفاع سعر الدولار مما أدى إلى زيادة أسعار مشمولات هذه الصفقة، بشكل يجعل تنفيذ هذا التعاقد غير مُجْدٍ اقتصاديًّا لنا، ونقع جراء ذلك في إرهاق مالي. فهل يجوز تعديل سعر هذا التعاقد نظرًا لهذا العارض الطارئ أو لا؟


ما حكم حجز الذهب بدفع بعض قيمته؟ فقد ذهبتُ مع زوجتي إلى تاجر المشغولات الذهبية وقد أعجبها أحد المنتجات المعروضة، وقد أخبرنا التاجر أن ما اخترناه قد بِيع بالفعل، وأنه سَيجلب مثلَه في غضون ثلاثة أيامٍ، لكن لا بد من دفع جزءٍ مِن الثمن، فتم الاتفاق على شراء المنتج مع تحديد جميع الأمور المتعلقة بذلك من صفة المنتج ووزنه وثمنه وموعد تسليمه وتمَّ تحرير فاتورة بيع بذلك، على أن نستلمه بعد ثلاثة أيام ونسدِّد عند ذاك باقي الثمن، فهل تجوز هذه المعاملة شرعًا؟


ما حكم تعجيل دفع ثمن السلعة وتأخير استلامها إلى وقت غير معلوم؟ فأنا تاجر أدوات منزلية، وأكثر الذين يتعاملون معي لتجهيز بناتهم للزواج، ولكنني لا أحضر الأدوات المنزلية إلا بالطلب، وربما جاءني رجلٌ لم يحدّد وقت زواج ابنته فنتفق على ما يريده من حيث نوع السلعة وثمنها وآخذ منه الثمن وهي غير موجودة عندي، وعندما يحدّد وقت الزواج يبلغني حتى أحضر له ما تمّ الاتفاق عليه. فما الحكم؟